16‏/02‏/2008

الحوار الديني والتسامح والتضامن


]دور الكشفيين البرلمانيين في تشجيع
الحوار الديني والتسامح والتضامن

ورقة عمل المجلس النيابي اللبناني
إلى مؤتمر المؤتمر الرابع للاتحاد الكشفي
العالمي المنعقد في القاهرة
15- 29- كانون الأول / ديسمبر 2003

د. خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
بيروت : 1-12-2003

يُعدّ "حوار الأديان" من أكثر الموضوعات المثيرة للجدل، ويظهر ذلك في الانقسام الحاد من الموقف تجاه حدوث هذا "الحوار" والذي يتمايز بين اتجاهين متباينين مؤيد أو معارض، وداعٍ إليه أو مشكك فيه، بل ويمتد الانقسام والتباين إلى داخل كل اتجاه بعينه فتتباين الآراء وتتعدد الأهداف و القضايا،كما ان الخطابات والمصطلحات المستخدمة تجعل من ساحة "حوار الأديان" ساحة غريبة وتجعلنا امام حوارات أديان وليس حوارًا واحدًا.
ورغم ذلك ، فقد بات حوار الاديان ضرورة انسانية اكثر من أي شيء آخر ، اذ ثبت سقوط مقولة فلسفة التنوير بانتهاء دور الدين ، وسقطت مقولات نيتشه وغيره من فلاسفة عصر التنوير الأوروبي عن موت الإله، حيث اجتاحت العالم الأوربي حمى الدين والتدين، وعلت فيه الدعوات التي تنادي بضرورة عودة فكرة الإله بعدما صار الأمل الوحيد لإنقاذ أوروبا بل والعالم، وتأجيل نهايته، والمفارقة أن هذه الدعوة قد فرضتها واقعية البحث عن منقذ للمجتمعات الغربية من الانهيار.
لقد عاشت البشرية في القرن الأخير سلسلة من المآسي والكوارث كلفتها حربين عالميتين فاق الدمار الذي خلفته الثانية منها كل ما لحق بالبشرية من دمار طوال تاريخها. وأدى ذلك إلى أن صارت هناك قناعة تزداد رسوخًا مع الأيام- أن الدرس الحضاري يقتضي إدراك فكرة وجود (آخر)، وأن هذا "الآخر" له طموحاته وتطلعاته، ولأن الصدام معه لم يعد يُجدي، فإن الحل لن يأتي إلا بالتعايش والإدراك والتفاعل عبر بوابة "الحوار"؛ لذلك لم يكن غريبًا أن يتصدر حوار الأديان رأس الاهتمامات العالمية، وأن ترصد المنظمات والهيئات العالمية المانحة للتمويل ميزانيات ضخمة من أجل دعم فكرة "حوار الأديان".
ورغم أن "حوار الأديان" وفي العصر الحديث نشأ من خلال فكرة أخلاقية بحتة تولدت من الإحساس بقرب نهاية العالم نتيجة سيطرة الشر عليه، إلا أن تفعيل مفهوم "حوار الأديان" جاء لأسباب وظروف تاريخية. فمن ناحية، أدى تصاعد موجة الاستعمار الغربي وسيطرته على معظم أنحاء العالم القديم، إلى تفعيل فكرة حوار الأديان في محاولة لاكتشاف الآخر الشعوب المُستعمَرة - والتي كانت موزعة على عدد كبير من الديانات المختلفة لم يكن العالم الغربي على دراية كافية بها، فكان الاتجاه إلى تفعيل الحوار حتى يمكن بناء رؤية معرفية حول هذه الأديان ومعتنقيها ويشبه ذلك الموقف - إلى حد كبير- ظروف نشأة علم الانثربولوجيا الذي بدأ كعلم استعماري أنشأته القوى الاستعمارية الغربية في محاولة منها لدراسة الشعوب المغلوبة ومعرفتها؛ ومن ثم تحديد الكيفية التي يمكن أن تتعامل بها معها.
وتفسر تلك الرؤية تزايد اتجاه منظمات حوار الأديان العالمية لإشراك الإسلام في منظومة الحوار الديني بعد أن كان مقتصرًا على اليهودية والمسيحية وبعض الديانات الوضعية كالبوذية والهندوسية والشنتو..إلخ، يرتبط ذلك إلى حد كبير بتزايد المد الإسلامي وظهور الحركات الإسلامية التي رأى فيها الغرب تهديدًا للمصالح والمشروعات الغربية في العالم الإسلامي، وهو ما يفسر أيضا اتجاه منظمات الحوار الديني لأن يكون ممثلو الإسلام في الحوار شخصيات إسلامية من خارج المؤسسات الرسمية لضمان اكتشاف مساحات أوسع من الآراء ووجهات النظر خارج الدائرة الرسمية.
ومن ناحية أخرى، مثل مفهوم حوار الأديان انعكاسًا للظروف التاريخية التي عاشت فيها أوروبا حالة من الصراع المذهبي والاضطهاد الديني؛ دفعت ببعض المذاهب الدينية التي عانت من الاضطهاد الديني في أوروبا كالبروتستانتية إلى تبني فكرة "حوار الأديان" بغرض إقرار مبدأ القبول بالآخر؛ حتى يتسنى لها البقاء كأقليات دينية، والحصول على حقوقها في المجتمعات الأوروبية ذات الأغلبية الكاثولوكية. وساعد على رواج فكرة "حوار الأديان" مؤخرًا - بعد الحرب العالمية الثانية - محاولة بعض الدول الكبرى كاليابان تعريف نفسها ثقافيًّا وحضاريًا للعالم من خلال حوار الأديان (طرح الذات من خلال الآخر) ومؤشرات ذلك تظهر في تصدرها قائمة الدول الممولة لمنظمات حوار الأديان ومؤتمراتها بميزانيات ضخمة، في محاولة منها للوصول إلى الصدارة العالمية، ولكن من بوابة حضارية ثقافية تتناسب وأوضاع النظام الدولي الجديد .
لقد كانت هناك العديد من التجارب الواعدة في مجال حوار الأديان ، وشملت العديد من المناطق على مستوى العالم كما تنوعت مجالات الحوار بين اطرافه الرئيسيين،وفي هذا المجال نذكر على سبيل المثال لا الحصر تجربة ، الحوار الاسلامي - المسيحي في لبنان التي قطعت اشواطا كبيرة في هذا المجال، وتجربة اللجنة المصرية للعدالة والسلام وكذلك التجربة الانجيلية في مصر، وتجربة الفريق العربي – الاسلامي - المسيحي ، وتجربة المنتدى العالمي للدين والسلام، وتجربة المجلس العالمي للمسيحيين واليهود ، وتجربة الحوار العربي - الاوروبي الشعبي التي تميزت عن غيرها بآليات العمل ونوعية المتحاورين وطبيعة النشاط الذي قامت به ، اذ تعتبر من التجارب الريادية اللافتة باعتبارها منظمات اهلية وتعبر عن واقع معاش بين فئات اجتماعية متجانسة نسبيا من حيث المستوى الاجتماعي والاقتصادي ، حيث بدأت في اوروبا وامتدت نشاطاتها الى تونس والمغرب وكذلك في كوسوفا والبلقان بشكل عام، وتشجع هذه التجربة التعارف بين الثقافات والأديان، ومن أمثلة مشاريعها في هذا الصدد ما قامت به بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين من خلال زيارات متبادلة للأماكن المقدسة ودور العبادة، وشرح ميداني لأهمية وقيمة هذه الأماكن لدى أتباع كل دين، وتاريخ البقاع المقدسة المهمة لدى المسلمين والمسيحيين .
ان تجربة حوار الأديان ليست بجديدة على مجتمعاتنا العربية ، وهي ليست ظاهرة عابرة ، وبقدر ما هي ظاهرة هامة يجب ان تكون ضرورية لايصال افكارنا ومعتقداتنا في ظل الظروف القاسية التي تمر بها امتنا العربية، لذا يجب التركيز على هذا الجانب وايلائه الأهمية المناسة،على الصعيدين الرسمي والاهلي ، ومن هنا يأتي دور المنظمات الشبابية القادرة على التفاعل اكثر من غيرها ، نظرا للبيئة التي تتواجد وتعمل فيها ، ولما تتميز به من أساليب عمل .
ان الحركات الكشفية قادرة ومهيأة اكثر من أي بيئة اخرى لنقل حوار ألاديان الى أبعاد اخرى اكثر فعالية، كالانتقال بالحوار الديني الى الحوار الحضاري ، وهذا ما يستدعي نقلات نوعية وأساسية خلاقة ومبدعة أبرزها:
- الانتقال من حوار الأنا وألآخر الى حوار الذات الانسانية .
- التوفيق بين العقائد والواقع المعاش .
- الانتقال من حوار الكتل الحضارية الى حوار القيم الحضارية .
- ايلاء القضاية الثقافية اهمية قصوى وابرازها الى جانب القضايا العقائدية .
- التركيز على حوارات القاعدة الشعبية بدلا من الحوارات النخبوية من دون اغفال هذه الأخيرة ، اذ ان الحوار القاعدي يتضمن الفعل المشترك اليومي والتعاون على البر والتقوى ، وتحسين ظروف العيش وحل المشكلات الواقعية، ونمو التعارف والتواصل العميق الذي يحترم التنوع ويستثمره لمصلحة الجماعة الوطنية ، بدلاً من أن يكون هذا التنوع سببًا ومقدمة للشقاق والحرب الأهلية المسلحة أو الثقافية كما يعني الانتقال إلى القواعد ، الانتقال من الطابع الاحتفالي لحوارات الأديان إلى إيقاع يومي نشط.وهنا يتجلى ويبرز دور المنظامات الشبابية والكشفية.
- التركيز على المؤسسات الاهلية بدلا من الرسمية لأقامة الحوارات ومتابعاتها ، اذ أنه يجب أن تعمل المؤسسات الدينية الرسمية وأقسامها المهتمة بالحوار جنبًا إلى جنب مع الفعاليات الأهلية الناشطة فيه.. واحتكار المؤسسات الرسمية يضر الحوار ولا ينفعه، وكذلك فإن التضارب وعدم التنسيق يبدد الطاقات، ويشتت الجهود، وينخفض بالنتائج إلى ما دون مستوى المقدمات والتوقعات. ويستلزم هذا التعاون تنمية وتطوير القطاع الأهلي الذي يعاني من التهميش، وأحيانا الحصار ومحاولات الإلغاء.
ان نجاح أي عملية حوارية بين الاديان والحضارات والثقافات تتطلب امكانات يجب تهيئة البيئة المناسبة لها ، ونقترح بعض الاوجه للمساعدة في هذا المجال :
- تأليف كتاب مرجعي عن الأديان كثقافة وتجليات مشتركة أو مختلفة في الأقطار والأجناس المختلفة على مستوى الممارسة اليومية: أزياء – أطعمة – احتفالات ، عادات .
- تدريب فريق من الناشطين والباحثين في الجوانب العملية والنظرية المتعلقة بحوار الأديان، ونقله إلى مجال "حوارالحضارات".
- دراسة وتقييم وتطوير الحركات الدينية ، بوصفها حركات اجتماعية وثقافية ، لا مجرد حركات معارضة سياسية ، والمساهمة في جذب اهتمامها لحوار الأديان والحضارات.
- تنشيط الدعوة التي تبناها الأمين العام للأمم المتحدة لتكوين مفوضية أو مستشارية خاصة بالأمم المتحدة ، تكون خاصة بالأديان والقيادات الروحية ، مع التشديد على أهمية أن يشمل التمثيل الناشطين في المجال الثقافي والاجتماعي أهليًا.
- السعي لإصدار إعلان عالمي ، على غرار إعلان حقوق الإنسان وغيره ، يتناول إبراز وتوجيه دور الأديان في حوار الشعوب وتعاونها من أجل الحرية والعدالة والتنمية المتوازنة، ولعل هذا يكون تتويجًا مناسبًا لجهود حوار الحضارات .