10‏/02‏/2008

استراتيجية الولايات المتحدة و أسباب إخفاقاتها

استراتيجية الولايات المتحدة و أسباب إخفاقاتها
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام الدولي عنوة،استرشدت الإدارة الأمريكية بأفكار المحافظين الجدد لتأكيد سطوتها على باقي الدول والشعوب،وان القراءة الدقيقة لوثيقتي استراتيجية الأمن القومي الصادرتين في العامين 2002 و 2006 توضح العديد من الرؤى الاستراتيجية التي حاولت فرضها على العالم وأبرزها:
- اعتماد مبدأ "الحرب الوقائية" في التعامل مع الأخطار، بدلا من سياسة الردع النووي، والدفاع الذاتي (العراق نموذجا).
- تدويل "الحرب على الإرهاب" وجعلها في صلب الدبلوماسية الأمريكية، حيث تتحكم بمستوى العلاقات مع الدول الأخرى والمساعدات ودرجة التعاون الاقتصادي، إلى جانب المزج بين الحرب الوقائية والإرهاب (أفغانستان نموذجا).
- فرض الهيمنة الاقتصادية من خلال التحكم بمسار الطاقة والنفط على المستوى الدولي (محاولة الهيمنة على فنزويلا، السيطرة المطلقة على نفط الخليج، تطويق منابع النفط في بحر قزوين، والسعي للإمساك بنفط العراق).
- إعادة النظر في تركيبة مجلس الأمن ونظام عمل الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الكبرى، بما يفضي إلى منح الولايات المتحدة سلطة "حق النقض" الخاصة بها، دون باقي الدول الأربع الكبرى التي تتمتع بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن (يلاحظ خفايا الصراع بين واشنطن ومحور "باريس - برلين").
- إعادة النظر في الخارطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط، بما يتيح تفكيك بعض الدول المركزية في الشرق الأوسط وتمكين دول الأطراف من لعب دور مركزي بحماية أمريكية في مواجهة الدول الرئيسة في الإقليم العربي، وتساهم تلك الصراعات التي تم نقلها من مستوى منخفض إلى مستوى عالٍ في شلّ عمل المؤسسات العربية وخاصة جامعة الدول العربية والمنظمات المتفرعة عنها لصالح البديل الأمريكي.
- الهيمنة على العراق وجعله نقطة الانطلاق المركزية في التحرك الإستراتيجي الأمريكي في الشرق الأوسط، في مقابل توقع حالة من عدم الاستقرار في منطقة الخليج خلال عملية تفكيك بعض الدول وإعادة تركيب أنظمة حكم جديدة .
- تفكيك بعض مؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية، والتي تتعارض مع الأجندة الأمريكية لصالح دعم مؤسسات وهيئات تتوافق مع الرؤية الأمريكية تحت غطاء الليبرالية (نموذج ما يحصل في مصر والأردن ودول الخليج)
- إعادة النظر في تركيبة الحلف الأطلسي ومبدأ الشراكة مع أوربا، بما يضمن للولايات المتحدة دورا مميزا في الحالة الأوربية، ويتيح لها استخدام العامل الاقتصادي الأوربي في تخفيف العبء الواقع عليها في المساعدات الخارجية، وبخاصة مناطق النزاع، وهو ما جعل بعض الأوربيين يعتبرون أنهم تحولوا من "حلفاء" إلى "أتباع"، ومن "شركاء" في حصد المنافع، إلى "أُجراء" لا يتلقون من المنافع الكبرى سوى الفتات (يلاحظ أن أهم دولة حليفة لواشنطن في حربها على العراق بريطانيا لم تحصل إلا على عقود يسيرة لشركاتها).
أما لجهة أسباب الإخفاقات التي منيت بها الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى الخارجي فتظهر بالنقاط التالية:
- اعتماد إدارة بوش إستراتيجية للتعامل مع الصراعات لا تحظى بالإجماع سواء داخل الولايات المتحدة، أو على صعيد الدول الغربية، التي تعتبر أن مبدأ "الحرب الوقائية" لا يخدم في نهاية المطاف النظام الرأسمالي ومصالحه الحيوية في المنطقة العربية، وبدا واضحا أن عديدا من الأصوات ارتفعت في الغرب لتحذر من أن الاندفاع الأمريكي اللاواعي ستكون له آثار بالغة على مستقبل العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب من ناحية إحياء عوامل التوتر بينهما، كما أن من شأن ذلك أن يقوض الدعم الذي حظيت به الحرب الأمريكية على "الإرهاب".
- تجاهل إدارة بوش لحلفاء الولايات المتحدة التقليديين في أوربا، ما ساهم في نشوء محور "باريس - برلين - موسكو" الذي استطاع الحيلولة دون حصول واشنطن ولندن على تفويض من مجلس الأمن لشنّ حرب ضد العراق، وبدا أن تلك الحرب تمت دون غطاء قانوني أو أممي. وأدى ذلك التجاهل في نهاية المطاف إلى إحداث شرخ في العلاقة بين ضفتي الأطلسي يتوقع أن يترك ندوبا لسنوات عديدة، ما لم تقم إدارة أمريكية جديدة بجهود لجسر الهوة الناشئة بين الطرفين.
- اعتماد الإدارة الأمريكية على "التضليل" الإعلامي لتمرير خططها وبرامجها العسكرية والأمنية والتسلّحية، ورغم أن ذلك ساهم إلى حدّ ما في التأثير على حركة الرأي العام الأمريكي لبعض الوقت، غير أن الدلائل تشير إلى أن تأثير الدعاية التي حشدت لها إدارة بوش كل إمكاناتها، بدأ يتراجع، خاصة في ظل الإخفاق في تقديم أدلة حسيّة على الاتهامات التي تم من خلالها تبرير الحرب على العراق، وتتعلق تحديدا بأسلحة الدمار الشامل، التي تبين أنها قامت على أسس ملفقة.
- إصرار المجموعة المهيمنة على القرار داخل الإدارة على خوض سلسلة من النزاعات في آن معا، وطرح مجموعة خطط تغييرية على المستوى الدولي من غير أن تتوفر لديها الكفاءة والقدرة على إدارة صراعات متعددة في وقت واحد، دون حلفاء أو شركاء فعليين. ومن ذلك تصعيد الأزمة مع العراق ثم احتلاله، وتصعيد الأزمة مع كوريا الشمالية وإيران وسوريا والفلسطينيين، إلى جانب استمرار المواجهات في أفغانستان، ثم السعي إلى تغيير نمط العلاقة مع الدول الأوربية، وتركيبة مجلس الأمن وأداء الأمم المتحدة، ومحاولة التأثير على المنظمات الدولية، ومن بينها محكمة جرائم الحرب في لاهاي.
- طرح الإدارة الأمريكية خططا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، تتنافى عموما مع تشهده الولايات المتحدة من إجراءات وتدابير بحق الأقليات وخاصة المسلمين، الذين يتعرضون للاضطهاد بسبب انتمائهم الديني أو العرقي، إضافة إلى ما يحدث في معتقل غونتانامو وابو غريب وصولا إلى السجون الطائرة، ما نزع السند الأخلاقي، الذي كانت تستند إليه الإدارات الأمريكية عند تقييمها للأوضاع الداخلية في الدول الأخرى، وخاصة ما يتصل منها بأوضاع حقوق الإنسان.
- الاستخدام المفرط للقوة في مواجهة قوى ضعيفة من الناحية العسكرية، كما حدث في أفغانستان ومن ثم في العراق، حيث لجأت الولايات المتحدة لاستخدام كميات هائلة من الأسلحة والصواريخ المدمرة، وكان غالبية ضحاياها من المدنيين، ما حدّ من مستوى التأييد الذي يمكن أن تحظى به حملات عسكرية من هذا القبيل، وساهمت بعض وسائل الإعلام في كشف الآثار الإنسانية القاسية للاستخدام المبالغ فيه للقوة من جانب الأمريكيين، مما دفع واشنطن في بعض الأحيان لمحاولة إسكات وسائل الإعلام التي تتباين مع سياساتها.
- الربط بين الخطط العسكرية والمنافع الاقتصادية التي تعود في الغالب لصالح شركات لها صلة بكبار مسؤولي البيت الأبيض ووزارة الدفاع، ما راكم الإحساس لدى قطاع واسع من الرأي العام بأن الحروب التي تشنها إدارة بوش وثيقة الصلة بمطامح بعض الشركات الكبرى لجني المال، ولا شك أن طريقة توزيع العقود في العراق تعزز تلك الشكوك.
إلى أي مدى ستتمكن واشنطن من إدارة العالم بهذا الشكل؟والى متى ستظل بعض القوى الواعدة تابعة؟والى متى ستظل بعض القوى المقهورة راضخة لهذه الهيمنة غير المبررة؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها إلا أن حركة التاريخ هي إلى الأمام وليست إلى الوراء،وان سقوط الإمبراطوريات عبر التاريخ كان بفعل ممارسات تلك القوى الغاشمة فهل تعلم واشنطن ذلك ؟آم إنها تعلم جيدا وتتجاهل مصيرها المحتوم؟.