10‏/02‏/2008

السوابق والأعراف والقواعد في تحديد
نصاب انتخاب رئيس الجمهورية

د.خليل حسين
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
ثمة سجال قانوني وسياسي واسع حول تحديد نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية القادم، ويدور السجال حول المادة (49) من الدستور تحديدا التي تنص على :".... ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي...". فما هي السوابق التي تمَّ الأخذ بها لجهة الأخذ بنصاب الثلثين في جلسة الانتخاب؟
لقد ظل تحديد هذا النصاب مناطا برئيس المجلس على رأس هيئة مكتب المجلس. على الأقل بشهادتي استحقاقي 1976 و1982. وهما الحالتان الوحيدتان اللتان شهدتا سجالا في تحديد النصاب الدستوري لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية، على خلفية اقتران الأمر بتناقص تدريجي في عدد النواب. الأمر الذي أفضى مع تزايد الوفيات إلى استحالة التئام البرلمان بالنصاب الموصوف (66 نائباً لمجلس النواب الـ 99). واقتصر هذا الجدل على سني الحرب اللبنانية.
في انتخابات 1976 اجتمعت هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل برئاسة رئيسه آنذاك كامل الأسعد في 5 أيار 1976، وحدّدتا نصاب الثلثين لالتئام جلسة انتخاب الرئيس الجديد المقررة بعد ثلاثة أيام. ورغم أن نائبين كانا قد توفيا عندما دُعيَّ المجلس إلى جلسة الانتخاب هما مرشد الصمد عام 1974 والرئيس صبري حمادة قبل ثلاثة أشهر من هذه الجلسة، تمسك الأسعد وهيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة بنصاب الثلثين فظل 66 نائباً من عدد النواب الـ 99 الذين كان يتألف منهم المجلس. الأمر نفسه تكرّر في اجتماع هيئة مكتب المجلس ولجنتي الإدارة والعدل والنظام الداخلي في 16 أب 1982 عندما دعت إلى انتخاب الرئيس الجديد في 19 منه، واحتسبت نصاب الانعقاد ثلثي النواب، مع الأخذ في الاعتبار أن سبعة نواب كانوا قد توفوا حتى ذلك اليوم. على أن هيئة مكتب المجلس ولجنتي الإدارة والعدل والنظام الداخلي برئاسة الأسعد ارتأت احتساب عدد النواب الأحياء الذين يتكوّن منه البرلمان، وهو 92 نائباً. بحيث يصبح نصاب الثلثين 62 نائباً. في انتخابات 1976 فاز الرئيس الياس سركيس بالأكثرية المطلقة في الدورة الثانية للإقتراع بـ 66 صوتاً لتعذّر حصوله في الدورة الأولى على ثلثي الأصوات، فكان أن حصل على 63 صوتاً من مجموع النواب الـ 67 الذين افتتحت بهم الجلسة. وفي انتخابات 1982 فاز الرئيس بشير الجميل من الدورة الثانية للإقتراع بالأكثرية المطلقة بـ 57 صوتاً بعدما كان نال في الدورة الأولى 58 صوتاً لم تكفه للفوز. أما النواب الحاضرون فكانوا نصاب الثلثين.
وفي واقع الأمر استمرت القاعدة التي أرساها الأسعد في ما بعد في انتخابات 1989 إلى أن أجريت أول انتخابات نيابية عامة بعد الحرب عام 1992. فالمجلس الذي انتخب الرئيس رينه معوّض كان قد أصبح عدد أعضائه 73 نائباً بوفاة 26. وبسبب الظروف الاستثنائية آنذاك، التي رافقت استمرار الحرب ووجود العماد ميشال عون على رأس حكومة عسكرية انتقالية في قصر بعبدا والتوصل إلى اتفاق الطائف، لم تلتئم هيئة مكتب المجلس برئاسة رئيس المجلس حسين الحسيني لتحديد نصاب جلسة انتخاب رئيس للمرة الأولى منذ الفراغ الدستوري عام 1988. فظلت قاعدة الأسعد سارية المفعول: احتساب ثلثي النواب الأحياء. حضر جلسة انتخاب معوض 58 نائباً وتغيّب 15، فيما نصاب الثلثين هو 48 نائباً كان متوفراً، وفاز بالأكثرية المطلقة من الدورة الثانية للاقتراع بـ 52 صوتاً بعدما كان نال في الدورة الأولى 36 صوتاً هي دون نصاب الثلثين. أما الرئيس الياس الهراوي، وكان عدد النواب نقص واحداً بانتخاب معوض فاغتياله، فانتخب من الدورة الثانية للإقتراع بغالبية 47 صوتاً لتعذّر حصوله في الدورة الأولى على الثلثين الذي هو 48 صوتاً من 52 نائباً حضروا الجلسة، أي ما يتجاوز نصاب الثلثين. وغاب 20 نائباً.
إضافة إلى هذه السوابق والقواعد والأعراف،فبرأينا إن الأغلبية المطلوبة تبعا للمادة (49) هي أغلبية أعضاء المجلس جميعا وبالتالي وجوب حضور أغلبية الثلثين في جلسة الانتخاب أي على الأقل 86 نائبا.
وما يؤيد رأينا أيضا،أن الدستور قد اشترط أغلبية اكبر من الأغلبية العادية في موضوعات اقل أهمية من هذا الموضوع،وبالتالي لا يمكن الاكتفاء هنا بقواعد الأغلبية العادية التي تحتسب على أساس الأعضاء الحاضرين لا على أساس المجلس جميعا.
كما ان ظاهر النص يؤيد ذلك،فالنص يذهب إلى أن يكون الانتخاب بغالبية الثلثين "من مجلس النواب" وعبارة من" مجلس النواب" تفيد في معناها المجلس كهيئة كاملة أي مجموع أعضاء المجلس.