17‏/02‏/2008

ماذا بعد غزة؟

ماذا بعد غزة؟
د. خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني

بصرف النظر عن التوصيف اللغوي لمفهوم الانسحاب الاسرائيلي من غزة، يبقى الحدث بعينه فعل امل بحث عنه الفلسطينيون وانتظروه ثمانية وثلاثون عاما،فهل يحقق هذا الانسحاب حجم الآمال التي علقها الفلسطينيون على مجمل الاتفاقات التي عقدت مع اسرائيل،ام انها ستظل ضمن المسار الذي حددته اسرائيل وفقا للاهداف والمصالح الاستراتيجية،وبالتالي ماذ بعد هذا الانسحاب وما هي التحديات التي ستنتظر السلطة الفلسطينية،وهل بمقدورها قطف النتائج السياسية واستثمارها لاحقا،ام انها ستظل خطوة في المجهول؟ربما اسئلة تحتاج الكثير من الوقت للاجابة عنها،الا ان استعراض ما احاط وسيحيط بالانسحاب كفيل بالاجابة على الكثير من تلك التساؤلات.
من حيث المبدأ لا يمكن لأحد ان ينسى جملة شارون الشهيرة وامنيته بأن يستيقظ يوما ويرى البحر قد ابتلع غزة،وربما هذه الامنية تختصر حجم المعاناة الاسرائيلية من هذه القطعة التي استنفذت الكثير من القوة الاسرائيلية على مدى هذه العقود الاربعة الا نيفا.فغزة بحجم مساحتها المتواضعة قياسا على مساحة فلسطين اختزلت زمنا من الانتفاضات التي حققت حلما فلسطينيا كاد يكون مستحيلا،وربما ستعطي زخما اضافيا للفلسطينيين في مسيرة بناء الدولة وان كانت بعيدة المنال للعديد من الاعتبارات والاسباب،ومهما يكن من امر نشير الى بعض الملاحظات وابرزها:
- ان الانسحاب الاسرائيلي ليس ناجما في الاساس عن اتفاقات وان عقدت سابقا،بل يعبر بالدرجة الاولى عن حجم وفعل الانتفاضات المتكررة،التي ارٌقت عيون الاسرائيلين،وهي بهذا المعنى تعبير عن حجم المأزق الاسرائيلي الذي لم يعد مفيدا بكافة المقاييس العملية الاستمرار به،ومن هذا المنطلق ايضا ان الانسحاب او الفصل الأحادي الجانب هو ناجم بطبيعة الامور الاسرائيلية فعل يتجانس ويتطابق مع النظرة الاسرائيلية القائمة على الحلول غير القابلة للحياة مع الفلسطينيين.
- ان الانسحاب اتى ضمن نظرية البحث عن حدود آمنة لاسرائيل وليس في اطار سياسي يمهد لأرض خالية من الاحتلال لدولة فلسطينية موعودة،وبهذا المعنى ايضا ما هو مصير الضفة الغربية وبعض مستوطناتها التي لا زالت اسرائيل تصر على ابقاء الكثير منها في أي اتفاقات مستقبلية مع الفلسطينيين؟.وبالتالي ما هي القيمة العملية لهذا الانسحاب وكيف يمكن ان يوظف فلسطينيا او اسرائيليا على السواء.
- ان الانسحاب من غزة يأتي في ظل جو عربي مأزوم ووسط ضغوط قوية،فهل من الممكن توقّع ان استثمارا اسرائيليا ما ينتظر هذه الخطوة باتجاه تنفيذ تصعيد ما في المنطقة للانتقال الى وضع آخر يلبي الطموحات الاسرائيلية من باب التوسع وفرض شروط التفاوض لاحقا ان كان مع الفلسطينيين او غيرهم؟.
- وفي الجهة المقابلة من الصعب قراءة هذا الانسحاب من دون الاشارة الى ان تسهيلا ما على صعيد المنطقة قد ساعد في التوصل للبدء في الانسحاب،أي بمعنى لقد اعطيت فرص هامة من قبل اطراف اقليمية فاعلة في الوضع الفلسطيني لتسهيل هذه الخطوة باعتبارها قاعدة يمكن البناء عليها بالنسبة للسلطة الفلسطينية، وفرصة لأطرف دولية اوروبية او امريكية او غيرها لإطلاق خطوات اخرى باتجاه باقي المسارات التفاوضية المنسية بفعل اسرائيلي متعمد.
- ان عملية الانسحاب تعتبر انجازا الى حد كبير للفلسطينيين وبصرف النظر عن مدى مساهمة الاطراف غير الفلسطينية في انجاحها،تبقى خطوة قابلة للبناء عليها اذا توفرت النوايا الاسرائيلية للمتابعة ليس فقط باتجاه الضفة الغربية وانما باتجاه باقي اطراف النزاع،وعليه ان عدم المضي في هذا الاتجاه يعني ان غزة ستكون اولا وأخيرا.
ان ظروف الانسحاب وأبعاده وان تبدو مرتبطة بشكل واضح بعوامل وأهداف اقليمية لا تقل شأنا عن الوضع الفلسطيني الداخلي،الا انه لا يمكن تجاهل التحديات التي تنتظر السلطة الفلسطينية وهي المعني الأول والاخير بهذا الانسحاب وعليه فهي مطالبة بالعديد من الافعال القوية التي ينبغي القيام بها حفاظا على هذا الانجاز ومنها:
- ان الوضع الفلسطيني الداخلي هو من الحساسية بمكان يستلزم القيام بالكثير من الجهد للحفاظ على الوحدة الوطنية الداخلية، سيما وان المراهنة الاسرائيلية على الاقتتال الداخلي هي كبيرة للقول ان الفلسطينيين غير قادرين على حكم انفسهم بأنفسهم،وان الاحتلال يبقى أهون الشرور بالنسبة للفلسطينيين،كما ان كافة القوى الفلسطينية مطالبة بالتنبه لحجم المخاطر التي تُحدق بها ومن هنا يصح القول ان مواقف مدروسة بدقة ينبغي ان تظهر في افعال هذه القوى قبل اقوالها للحفاظ على الوحدة الوطنية.
- ان حلم التحرير لدى الفلسطينيين ينبغي ان لا يعمي البصر عن التعمير، فغزة اليوم وهي محررة تبدو مدمرة وبحاجة لفعل الكثير، فالقطاع يعاني من مشكلات كبيرة تتطلب مواجهة بعد الانسحاب؛ فاستنادًا إلى أرقام البنك الدولي لعام 2004 فإن 70% من فلسطينيي غزة، البالغ عددهم مليون و300 ألف نسمة يعيشون تحت مستوى الفقر، فيما تطال البطالة 44% من القادرين على العمل في هذا القطاع؛ حيث يمثل الشبان دون الثامنة عشرة نسبة 60% من إجمالي السكان.
- والى جانب تحديات السلطة الفلسطينية هناك تحديا كبيرا ينتظر الدول المانحة للفلسطينيين فهناك وعود دولية بثلاثة مليارات دولار،كما ان هناك وعد اماراتي باستثمارات مقدرة بمئة مليون دولار مكان المستوطنات،الا ان التجارب السابقة في هذا المجال غير مشجعة،وهي بطبيعة الامر مشروطة بأمور كثيرة.
- كما ان هناك شرط آخر لحدوث انتعاش اقتصادي واجتماعي في غزة؛ وهو أن تكون للفلسطينيين القدرة على السيطرة الكاملة على الموارد الطبيعية والحدود، والمنافذ التي تربط القطاع بالخارج . كما إن أراضي المستوطنات بحد ذاتها قادرة على إحداث تحسن في الأوضاع الاقتصادية للقطاع؛ حيث إنها كانت في عهد الاحتلال توفر 10 آلاف فرصة عمل، أما الآن فإمكانها أن تضاعف هذا العدد إلى اربعة اضعاف على الأقل.
ان التحديات التي تنتظر الفلسطينيين والعرب ايضا هي بحجم الثماني والثلاثين عاما من الاحتلال، فهل ستتمكن السلطة من البناء على هذا الانجاز؟ وهل سيتمكن العرب من الاستفادة ايضا منه؟ ان الخوف كبير على ان تكون غزة أولا وأخيرا!.












ماذا بعد غزة؟
د. خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني

بصرف النظر عن التوصيف اللغوي لمفهوم الانسحاب الاسرائيلي من غزة، يبقى الحدث بعينه فعل امل بحث عنه الفلسطينيون وانتظروه ثمانية وثلاثون عاما،فهل يحقق هذا الانسحاب حجم الآمال التي علقها الفلسطينيون على مجمل الاتفاقات التي عقدت مع اسرائيل،ام انها ستظل ضمن المسار الذي حددته اسرائيل وفقا للاهداف والمصالح الاستراتيجية،وبالتالي ماذ بعد هذا الانسحاب وما هي التحديات التي ستنتظر السلطة الفلسطينية،وهل بمقدورها قطف النتائج السياسية واستثمارها لاحقا،ام انها ستظل خطوة في المجهول؟ربما اسئلة تحتاج الكثير من الوقت للاجابة عنها،الا ان استعراض ما احاط وسيحيط بالانسحاب كفيل بالاجابة على الكثير من تلك التساؤلات.
من حيث المبدأ لا يمكن لأحد ان ينسى جملة شارون الشهيرة وامنيته بأن يستيقظ يوما ويرى البحر قد ابتلع غزة،وربما هذه الامنية تختصر حجم المعاناة الاسرائيلية من هذه القطعة التي استنفذت الكثير من القوة الاسرائيلية على مدى هذه العقود الاربعة الا نيفا.فغزة بحجم مساحتها المتواضعة قياسا على مساحة فلسطين اختزلت زمنا من الانتفاضات التي حققت حلما فلسطينيا كاد يكون مستحيلا،وربما ستعطي زخما اضافيا للفلسطينيين في مسيرة بناء الدولة وان كانت بعيدة المنال للعديد من الاعتبارات والاسباب،ومهما يكن من امر نشير الى بعض الملاحظات وابرزها:
- ان الانسحاب الاسرائيلي ليس ناجما في الاساس عن اتفاقات وان عقدت سابقا،بل يعبر بالدرجة الاولى عن حجم وفعل الانتفاضات المتكررة،التي ارٌقت عيون الاسرائيلين،وهي بهذا المعنى تعبير عن حجم المأزق الاسرائيلي الذي لم يعد مفيدا بكافة المقاييس العملية الاستمرار به،ومن هذا المنطلق ايضا ان الانسحاب او الفصل الأحادي الجانب هو ناجم بطبيعة الامور الاسرائيلية فعل يتجانس ويتطابق مع النظرة الاسرائيلية القائمة على الحلول غير القابلة للحياة مع الفلسطينيين.
- ان الانسحاب اتى ضمن نظرية البحث عن حدود آمنة لاسرائيل وليس في اطار سياسي يمهد لأرض خالية من الاحتلال لدولة فلسطينية موعودة،وبهذا المعنى ايضا ما هو مصير الضفة الغربية وبعض مستوطناتها التي لا زالت اسرائيل تصر على ابقاء الكثير منها في أي اتفاقات مستقبلية مع الفلسطينيين؟.وبالتالي ما هي القيمة العملية لهذا الانسحاب وكيف يمكن ان يوظف فلسطينيا او اسرائيليا على السواء.
- ان الانسحاب من غزة يأتي في ظل جو عربي مأزوم ووسط ضغوط قوية،فهل من الممكن توقّع ان استثمارا اسرائيليا ما ينتظر هذه الخطوة باتجاه تنفيذ تصعيد ما في المنطقة للانتقال الى وضع آخر يلبي الطموحات الاسرائيلية من باب التوسع وفرض شروط التفاوض لاحقا ان كان مع الفلسطينيين او غيرهم؟.
- وفي الجهة المقابلة من الصعب قراءة هذا الانسحاب من دون الاشارة الى ان تسهيلا ما على صعيد المنطقة قد ساعد في التوصل للبدء في الانسحاب،أي بمعنى لقد اعطيت فرص هامة من قبل اطراف اقليمية فاعلة في الوضع الفلسطيني لتسهيل هذه الخطوة باعتبارها قاعدة يمكن البناء عليها بالنسبة للسلطة الفلسطينية، وفرصة لأطرف دولية اوروبية او امريكية او غيرها لإطلاق خطوات اخرى باتجاه باقي المسارات التفاوضية المنسية بفعل اسرائيلي متعمد.
- ان عملية الانسحاب تعتبر انجازا الى حد كبير للفلسطينيين وبصرف النظر عن مدى مساهمة الاطراف غير الفلسطينية في انجاحها،تبقى خطوة قابلة للبناء عليها اذا توفرت النوايا الاسرائيلية للمتابعة ليس فقط باتجاه الضفة الغربية وانما باتجاه باقي اطراف النزاع،وعليه ان عدم المضي في هذا الاتجاه يعني ان غزة ستكون اولا وأخيرا.
ان ظروف الانسحاب وأبعاده وان تبدو مرتبطة بشكل واضح بعوامل وأهداف اقليمية لا تقل شأنا عن الوضع الفلسطيني الداخلي،الا انه لا يمكن تجاهل التحديات التي تنتظر السلطة الفلسطينية وهي المعني الأول والاخير بهذا الانسحاب وعليه فهي مطالبة بالعديد من الافعال القوية التي ينبغي القيام بها حفاظا على هذا الانجاز ومنها:
- ان الوضع الفلسطيني الداخلي هو من الحساسية بمكان يستلزم القيام بالكثير من الجهد للحفاظ على الوحدة الوطنية الداخلية، سيما وان المراهنة الاسرائيلية على الاقتتال الداخلي هي كبيرة للقول ان الفلسطينيين غير قادرين على حكم انفسهم بأنفسهم،وان الاحتلال يبقى أهون الشرور بالنسبة للفلسطينيين،كما ان كافة القوى الفلسطينية مطالبة بالتنبه لحجم المخاطر التي تُحدق بها ومن هنا يصح القول ان مواقف مدروسة بدقة ينبغي ان تظهر في افعال هذه القوى قبل اقوالها للحفاظ على الوحدة الوطنية.
- ان حلم التحرير لدى الفلسطينيين ينبغي ان لا يعمي البصر عن التعمير، فغزة اليوم وهي محررة تبدو مدمرة وبحاجة لفعل الكثير، فالقطاع يعاني من مشكلات كبيرة تتطلب مواجهة بعد الانسحاب؛ فاستنادًا إلى أرقام البنك الدولي لعام 2004 فإن 70% من فلسطينيي غزة، البالغ عددهم مليون و300 ألف نسمة يعيشون تحت مستوى الفقر، فيما تطال البطالة 44% من القادرين على العمل في هذا القطاع؛ حيث يمثل الشبان دون الثامنة عشرة نسبة 60% من إجمالي السكان.
- والى جانب تحديات السلطة الفلسطينية هناك تحديا كبيرا ينتظر الدول المانحة للفلسطينيين فهناك وعود دولية بثلاثة مليارات دولار،كما ان هناك وعد اماراتي باستثمارات مقدرة بمئة مليون دولار مكان المستوطنات،الا ان التجارب السابقة في هذا المجال غير مشجعة،وهي بطبيعة الامر مشروطة بأمور كثيرة.
- كما ان هناك شرط آخر لحدوث انتعاش اقتصادي واجتماعي في غزة؛ وهو أن تكون للفلسطينيين القدرة على السيطرة الكاملة على الموارد الطبيعية والحدود، والمنافذ التي تربط القطاع بالخارج . كما إن أراضي المستوطنات بحد ذاتها قادرة على إحداث تحسن في الأوضاع الاقتصادية للقطاع؛ حيث إنها كانت في عهد الاحتلال توفر 10 آلاف فرصة عمل، أما الآن فإمكانها أن تضاعف هذا العدد إلى اربعة اضعاف على الأقل.
ان التحديات التي تنتظر الفلسطينيين والعرب ايضا هي بحجم الثماني والثلاثين عاما من الاحتلال، فهل ستتمكن السلطة من البناء على هذا الانجاز؟ وهل سيتمكن العرب من الاستفادة ايضا منه؟ ان الخوف كبير على ان تكون غزة أولا وأخيرا!.