17‏/02‏/2008

هجرة الأدمغة الأفريقية


هجرة الأدمغة الأفريقية
د. خليل حسين
بيروت 23-12-2002


ان اخطر ما تعانيه الدول الافريقية ماضيا وحاضرا ، موضوع هجرة الكفاءات ذات التخصص العالي، لا سيما العلماء منهم ، باعتبار ان من يهاجر من هذه الفئة من الصعب عودته الى بلده الاصلي ، للعديد من الاعتبارات المتصلة به او الخارجة عن ارادته .
اما الامر الاخطر من ذلك فهو عدم توفر الاحصاءات الدقيقة عن نوعية المهاجرين او حجمها ، او فئاتها او اتجاهاتها ، وعدم وجود المؤسسات المهتمة بها وبشؤونها او ما يحيط بها من مسائل تحد من ظاهرتها او تخفف من آثارها قدر الامكان .
اولا : اسباب المشكلة
اسباب المشكلة متعددة ومتنوعة وتختلف بين قطر وآخر ، لكنها تشترك فيما بينها بعدم قدرتها على استثمار تلك الطاقات والمهارات ذات الشأن الهام ، والامر هنا ليس متعلقا بفئة معينة بل تطال فئات علمية ومهنية تشكل الدعامة الاساسية لتطور البلد ونموه ، والتي بدونها لا يستقيم وضع البلد وهنا نقصد الكادرات الوسطى .
ان البحث في اسباب الظاهرة يقودنا عمليا الى تصورات ومقترحات للحد منها على الاقل ان لم يكن بالامكان وضع حد نهائي لها .اما ابرز الاسباب المشتركة بين معظم تلك الدول فأبرزها :
- عدم قدرة غالبية الدول الافربقبة على اجتذاب طاقات بعض الفئات العلمية العالية ، لا سيما المتخصصة في مجال التكنولوجيا الحساسة ، والمجالات التي تستعمل فيها هذه التكنولوجيا، مثل علوم الفيزياء الذرية والرياضيات والكيمياء ، والامثلة على هجرتها متنوعة في غير اتجاه ومكان .
- ان غنى بعض الدول وقدرتها على استيعاب هذه الفئات لجهة تأمين مستلزمات عملها، لم يحل المشكلة ، بل ظهرت آفاقا جديدة لهذه الظاهرة تجلت في عدم القدرة على تنفيذ رغباتها في هذا المجال ، للعديد من الاعتبارات الخارجية كوضع العراقيل امام امتلاكها التكنولوجيا المتقدمة ووسائل استخداماتها والخوف من استعمالاتها غير المنظورة , والتي يمكن ان تؤثر على الاوضاع الاقليمية او الدولية كما بات واضحا ، خصوصا في الثلث الاخير من القرن الماضي ، حتى بدا معلوما ان كل شيىء يمكن امتلاكه باستثناء التكنولوجيا الحساسة القادرة على كسر المعادلات الاقليمية .
- ان وجود منشآت هامة وحساسة ذات منشأ اجنبي في بعض الدول بحول دون استغلال تلك المنشآت بالشكل الكافي وذلك وفقا لعقود انشائها وتشغيلها ، حيث تستخدم كفاءات اجنبية على حساب الكفاءات الوطنية ، مما يشجع هذه الاخيرة على الهجرة القسرية الى الخارج ، بهدف ايجاد فرص العمل المناسبة والمعبرة عن طموحاتها وتطلعاتها.
- ان ايلاء القيادات الادارية الاهمية على حساب الكفاءات العلمية امر من شأنه تهميش تلك الكفاءات والحد من طموحاتها ، الامر الذي يحبطها ، ويجعلها تتجه الى الخارج للتخلص من يأسها واحباطها .
- ان للعوامل السياسية والاجتماعية دور هام في هجرة الكفاءات من موطنها ، عبر اتكال بعضها على الصلات السياسية لتأمين فرص العمل او المكانة الاجتماعية ، وهي فئة قليلة بطبيعة الحال مقارنة مع الاعداد الموجودة ، الامر الذي يحدو بالباقي وهي الغالبية الى اللجوء للخارج بحثا عن الذات وفرص العمل الواعدة بالنسبة لهم .
- ان عدم توفير الميزانيات للبحث العلمي في الموازنات العامة للدول العربية يساعد على الحد من تطوير تلك الكفاءات ووسائل تطويرها كالمعاهد ومراكز البحوث وغيرها .
- ان مداخيل هذه الكفاءات من الفئات تعتبر متواضعة جدا مقارنة مع مؤهلاتها ومع غيرها من الفئات الاخرى .
- اضافة الى ذلك ان عدم وجود الحوافز الجاذية لهذه الكفاءات ، سيجعلها تستقر في الدول التي درست فيها ، وبالتالي خسارتها قبل مجيئها الى موطنها الاصلي ، وهي ظاهرة متفشية في معظم الدول المتقدمة التي تقدم التسهيلات ووسائل الحياة المريحة في سبيل جذب وابقاء الطلاب وهم على مقاعد الدراسة للاستفادة منهم وعدم رجوعهم الى بلدانهم الاصلية .
- ان عدم الاهتمام بهذه الفئة من قبل السلطات الوطنية المختصة ، يساعد على بقائها في الخارج ، فضلا عن التهديد الذي يتعرض له البعض في حال قرر العودة الى بلده الاصلي ، وهناك امثلة كثبرة على ذلك ووصلت الى حد الاغتيال لبعض العلماء .
ثانيا مقترحات للحد من ظاهرة هجرة الكفاءات
ان الحد من ظاهرة هجرة الادمغة امر ممكن في مرحلة اولى قبل القضاء عليها اذا امكن ، والامر يتطلب النظر من زاويتين ، الاول قطري والثاني اقليمي :
1 – على الصعيد القطري :
رغم خصوصية بعض الاقطار في معالجة هذه الظاهرة ، فهناك اوجه متشابهة يمكن ان توجه من خلال دور المجالس التشريعية وابرزها :
- تشكيل لجنة دائمة مختصة بالبحث العلمي في كل برلمان افريقي ، على غرار اللجان الاخرى الموجودة .
- دفع الحكومات في اتجاه وضع برامج وسياسات لاستيعاب وحل المشكلة بدءا من عمليات الاحصاء للمهاجرين وانتهاءا بالسبل الكفيلة باعادتهم والاستفادة من خبراتهم العلمية والعملية .
- تخصيص الاموال اللازمة لمهام البحث العلمي وتشجيعه عبر انشاء مراكز الدراسات والابحاث الاستراتيجية ذات الصلة بالاختصاصات المهاجرة والاختصاصات التي يؤمل ان تنجز لاحقا.
- انشاء مجالس خاصة للعلماء بهدف الاهتمام بشؤونهم وقضاياهم .
- ايلاء الاهمية والمكانة المناسبتين للتشريعات المتصلة بالعلماء بهدف اشراكهم في صنع القرارات المتعلقة باختصاصاتهم .
- اعادة هيكلة النظم التربوية والعلمية بما يتوافق مع التطورات العلمية الدولية في مختلف المجالات التكنولوجية ، بما يفسح المجال لهذه الكفاآت وضع خبراتها في خدمة اقطارها .
- المساهمة في خلق فرص عمل ذات شأن، في اطار حوافز جاذبة لهذه الكفاءات مما يمكنها من العيش اللائق والكريم في بيئتها الاصلية .
- ايجاد البيئة القانونية الكفيلة بعدم هجرة الكفاآت الحساسة وربط الدارسين في الخارج بمنح تعليمية بهدف تهيئة عودتهم بعد انتهاء دراستهم .
- العمل على توأمة الجامعات والمعاهد الوطنية مع مثيلاتها في الدول الصديقة ذات الكفاءات العلمية المتقدمة ، الامر الذي يساعد على ابقاء العلماء في بلدانهم وعدم الهجرة للمزيد من كسب الخبرات وغيرها من الامور .

ثالثا :الجهد الافريقي المشترك
ان تعاظم هجرة الكفاءات على كافة المستويات العلمية والعملية في معظم الدول الافريقية، وما تسببه من نزف مستمر للطاقات ، تؤكد على ضرورة التوصل الى السبل الكفيلة للحد منها ، بحهد وتعاون افريقيين ، باعتبار ان المشكلة اصبحت تهدد المجتمع الافريقي برمته بصرف النظر عن اي دولة تمت الهجرة منها ، اضف الى ذلك ان العقل الافريقي اينما وجد وبصرف النظر عن هويته القطرية ، هو افريقي الانتماء بنظر الاجنبي ، وينظر اليه من تلك الزاوية ويعامل على اساسها . لذا ان العمل الافريقي المشترك للاحاطة بهذا الملف امر مطلوب لما تمر به الدول الافريقية من مصاعب في هذه الآونة ؛ ومن هذه الزاوية يمكن للاتحاد الافريقي ان يلعب دورا رياديا عبر انشاء هيئة مختصة ذات صلاحيات تقريرية وتنفيذية تهدف الى معالجة هجرة العقل الافريقي من موطنه عبر آليات محددة الاهداف والغايات يكون من بين مهامها :
- انشاء قاعدة بيانات للعلماء والباحثين المقيمين في اوطانهم او في البلدان التي هاجروا اليها ، بهدف تسهيل الوصول اليهم والاستفادة من خبراتهم .
- انشاء آلية خاصة للتواصل بين هذه الهيئة والدول الافريقية بهدف التواصل لتأمين فرص العمل للعقول الافريقية في بلدان الاتحاد اذا لم يكن هناك مجالا في بلدانها .
- تامين الدعم المادي والمعنوي لهذه الهيئة لمتابعة العلماء ورعاية شلاونهم ومتطلباتهم .