17‏/02‏/2008

تاريخ العلاقات الباكستانية الإسرائيلية وخلفياتها

تاريخ العلاقات الباكستانية الإسرائيلية وخلفياتها
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني

لم تعد قضايا التطبيع العربي والاسلامي مع اسرائيل بموضوع استثنائي،بل يعتبره بعض من يهتم بهذا الجانب من الصراع من مخلفات الماضي والتعرض له هو باب من ابواب اللغة"الخشبية"،وبصرف النظر عن هذا التوصيف يبقى التطبيع الباكستاني الاسرائيلي ذات دلالات جديرة بالوقوف عندها لما لها من خلفيات وآثار ستنسحب على العديد من القضايا ذات الصلة.وبخاضة انها ليست حديثة العهد كما شائع.
ففي الاساس ارتكزت الباكستان في سياستها تجاه إسرائيل على تصريحات مؤسسها محمد علي جناح التي أكد فيها حق الشعب الفلسطيني في استعادة أراضيه المحتلة عام 1948. و عكس وزير خارجيتها آنذاك ظفر الله خان خطبا مؤثرة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. ولم تعترف الحكومة الباكستانية بأي نوع من العلاقات مع إسرائيل،كما دابت على نفي أي لقاء او تقارب،رغم ان الاحداث اثبتت بأن كلما حدث تقارب بين باكستان والولايات المتحدة أثّر ذلك إيجابا على العلاقات الباكستانية الإسرائيلية على بعض المستويات. وكلما بعدت باكستان عن أمريكا انقطعت تلك الصلات.
وعلى الرغم من سياسة النفي المتبعة من قبل كراتشي فان اتصالاتعديدة جرت ،ورغم اتخاذها الطابع العرضي الا انها ذات دلالات هامة،ففي عام 1960 شارك السفير الإسرائيلي في هولندا في الاحتفالات باليوم الوطني الباكستاني بدعوة من السفيرة الباكستانية آنذاك "بيغم رعنا لياقت علي خان" زوجة "نواب لياقت علي خان" أول رئيس وزراء باكستاني.
وفي عام 1961 التقى ذو الفقار علي بوتو مندوب اسرائيل في الامم التحدة لكن قيل إنه لقاء غير رسمي؛ لأن والد المندوب الإسرائيلي كان قاضيا في "لاركانه" مسقط رأس بوتو في عهد الإنجليز، وكان صديقا للسير شاه نواز بوتو، والد ذو الفقار علي بوتو.
وقد ابتعدت باكستان عن أمريكا، ومالت إلى روسيا في عهد وزارة "ذو الفقار علي بوتو" في أوائل السبعينيات من القرن الماضي؛ حيث أيدت باكستان مواقف الدول العربية في حرب 1973، وقطعت جميع صلاتها السرية باسرائيل، وحظيت سوريا بتأييد كبير من الحكومة الباكستانية في ذاك الوقت لكون الحكومتين مرتبطتين بالاتحاد السوفيتي حينذاك.
ولما تولى زمام الأمور الرئيس "ضياء الحق في أواخر السبعينيات، وبدأت المقاومة الأفغانية ضد الاحتلال السوفيتي، اقتربت باكستان من الولايات النتحدة باعتبارها في خط المواجهة الأول، وبدأت العلاقات الإسرائيلية الباكستانية تتحرك نحو التقارب، وكتبت وسائل الإعلام في حينه أن الاستخبارات الأمريكية اشترت الأسلحة الخفيفة روسية الصنع التي كانت اسرائيل استولت عليها أثناء حرب ضد الدول العربية 1967 و1973، وسلمت للاستخبارات الباكستانية لتسليمها للمقاومين الأفغان .
وعندما اعترفت مصر باسرائيل ، وقاطعتها الدول العربية، وألغيت عضويتها في منظمة المؤتمر الإسلامي.. كانت باكستان هي الوسيط بين مصر والدول العربية والإسلامية لإزالة الخلافات، وإعادة مصر إلى عضوية منظمة المؤتمر الإسلامي.ولم يختلف الحال في عهد "نواز شريف" و"بناظير بوتو"؛ لأن الحكومتين كانتا قريبتين من الولايات المتحدةا، وقد صرح بعض السفراء في عهدهما بوجود علاقات غير رسمية باسرائيل، والتقاء "بوتو" بنفسها ببعض الوزراء الإسرائيليين.
ولما جاء انقلاب "برويز مشرف" في عام 1999 على حكومة "نواز شريف" المنتخبة، كان بحاجة ماسة للتأييد الأمريكي للاستمرار في الحكم. ومن هنا بدأت الحكومة الباكستانية بقيادته تتقدم نحو إقامة العلاقات باسرائيل بخطى حثيثة؛ ما لبث ان التقى "مشرف" برئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "شمعون بيريز" في سويسرا أثناء المؤتمر الاقتصادي العالمي في 24 يناير 2004 .
وقد قبل الجنرال "مشرف" دعوة المؤتمر العالمي لليهود لحضور مؤتمرهم في أمريكا أثناء وجوده للمشاركة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في ايلول 2004، وقال رئيس المؤتمر المذكور: "استطعنا أن نقنع الجنرال مشرف بذلك بعد بذل جهود كبيرة"، واعتبر ذلك خطوة على طريق التطبيع مع إسرائيل، وتفاءل بأن يصبح الجنرال "مشرف" مثالا لباقي رؤساء الدول في العالم الإسلامي بترك التعنت وإيجاد العلاقات والصلات باليهود. ثم اكتملت الصورة بلقاء وزيري خارجية البلدين في الاول من ايلول 2005 في تركيا.
فاسرائيل التي تمكنت من اقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع اربع دول عربية واسلامية هي مصر والاردن وموريتانيا وتركيا،اضافة الى العديد من مكاتب التمثيل التجاري مع دول اخرى،تتجه هذه المرة الى وسط آسيا وتحديدا الى الباكستان للعديد من الاعتبارات الاسرائيلية الخالصة ومنها:
- على الرغم من تمكن اسرائيل من كسر الحاجز النفسي بالتطبيع مع دول اسلامية مثل تركيا مثلا،يبقى التطبيع مع الباكستان اكثر دلالة وأثرا باعتبارها الدولة الاسلامية الثانية لجهة تعداد السكان 168 مليونا،ناهيك عن طبيعة المجتمع الباكستاني الاسلامي التقليدي الموالي بشكل عام للتيارات المتشددة بخلاف الاسلام في المجتمع التركي،وبصرف النظر عن الكم والكيف،فان الاختراق الاسرائيلي سيشجع دولا اسلامية اخرى على انتهاج نفس الطريق،ما يشكل دعامة نفسية ومادية لبعض الدول العربية لتسريع عمليات التطبيع بشكل علني بعدما جرت بأشكال مختلفة كالمكاتب التجارية والاعلامية ودبلوماسية الجنازات والمؤتمرات الاقتصادية والعلمية وغيرها.
- تعتبر الباكستان الدولة الاسلامية الوحيدة المنضمة الى النادي النووي الدولي،وهي التي تمتلك السبق العلمي بين الدول الاسلامية في هذا المجال ما جعلها بنظر اسرائيل من بين الدول التي تشكل خظرا على الدولة الاسرائيلية،اذ ظلت العلاقات بين البلدين ولفترات طويلة تشوبها التوجس والتوتر والاتهامات المتبادلة وصولا الى اتهام الباكستان بتصدير التقنيات النووية لبعض الدول الاسلامية الاخرى ومن بينها ايران،كل ذلك يعزز الاعتقاد بأن التطبيع سيكون مساعدا بضبط السلاح النووي الباكستاني وضمان عدم استعماله ولو نظريا ضد اسرائيل.
- ان الاختراق الاسرائيلي يستهدف بشكل اساسي موقع الباكستان الجيو سياسي،وبهذا الاختراق ستتمكن تل ابيب من الوصول الى قلب آسيا وما يحتويه من ملفات ساخنة قابلة للاستثمار الاقليمي والدولي، سيما اذا تمكنت اسرائيل من البناء على هذا التطبيع وهي تجيد ذلك بدقة،فالبكستان هي شرق ايران وجنوب الصين والاهم غرب الهند.فكيف لو تمكنت اسرائيل من الانتقال من مرحلة التطبيع السياسي الى مراحل ارقى وهو ما ستسعى اليه تل ابيب.
- ان اول ما ستمسك به تل ابيب تمكنها من ممارسة سياسة الاحتواء المزدوج لقضية كشمير بين الباكستان والهند، وبذلك ستتمكن من امساك العصا من النصف بحيث ستتحكم بناصية ادارة الازمة واستثمارها بحسب المصالح،الامر الذي يعطيها دفعا اضافيا باتجاه نكريسها دولة اقليمية كبرى ولاعبا اساسيا في الحل والعقد لقضايا مزمنة عمرها من عمر كيانات دول المنطقة.
وفي المقلب الآخر ما هي اسباب الاندفاعة الباكستانية في هذه الظروف وما هي خلفياتها ومبرراتها،وهل ستتمكن من البناء عليها، خصوصا وان التبريرات الاولية لخطوة الباكستان اتت كرد جميل لاسرائيل في اعقاب انسحابها من غزة وهو تبرير لا معنى له في ظل المصالح بين الدول،فالتدقيق في الاسباب ترخي ظلالا كثيفة على هذه الآمال ومنها:
- تهدف الباكستان من تقربها باسرائيل الى إعادة ضخ الثقة الامريكية بنظام برويز مشرف، وهي محاولة مكشوفة غير قابلة للاستثمار السياسي او الاقتصادي، باعتبار ان واشنطن قد سلّفت كراتشي بعضا مما ارادته بعد غزو افغانستان،وبالتالي ان الولايات المتحدة تريد اثمانا اضافية لأي عملية دعم سياسي او مالي،وبالتالي ان الاستفادة الاسرائيلية في هذا المجال ستكون اكبر من خلال تحكمها بالعلاقة بين واشنطن وكراتشي.فالديون الخارجية الباكستانية التي تتجاوزالاربعين مليار دولار والتي تستهلك اكثر من 3 مليار دولار سنويا لسدادها، بحاجة لمساعدات دائمة في ظل اقتصاد مشوه لا يتعدى النمو فيه 2,6 فيما العجز التجاري يصل الى 3 والفقر الى 40% والتضخم الى 7%.ولذلك ان الآمال الباكستانية على المساعدات الامريكية وان وعدت بها لن تحل لها مشكلة سيما وانها مساعدات مشروطة كما هو معروف،وفي لغة الارقام مثلا لقد وعدت واشنطن مشرف خلال زيارته الى واشنطن في العام 2003 بمساعدات تصل الى 3 مليار دولار خلال خمس سنوات أي 600 مليون كل سنة فيما المحقق من هذا الرقم لا يتجاوز عُشر المبلغ الموعود من تاريخه.
- اما الطموح الآخر الذي تسعى اليه الباكستان فهو محاولة التأثير في العلاقات الاسرائيلية - الهندية وبالتالي كسب اوراق ومواقع اضافية في النزاع حول كشمير، وهذا امر ضعيف التحقق لإرتباطه في الاساس بقواعد التوازنات الاقليمية الدقيقة التي تمكنت اسرائيل من نسجها مع الهند عبر عقود طويلة، اضافة الى موقع هذه الاخيره الجيوسياسي باتجاه كل من الصين وروسيا في قلب آسيا.
- ان اشارة برويز مشرف ان تطبيع العلاقات بين البلدين مرتبط باقامة دولة فلسطينية امر موجه للاستهلاك الداخلي الباكستاني،ومحاولة مكشوفة لتهدئة المجتمع الباكستاني التقليدي،واذا ارتبط التطبيع بهذا الوعد فعلى اسرائيل الانتظار كثيرا ان لم يكن الى الابد، فهل سيكون هذا الوعد واقعيا او منطقيا من الوجهة الباكستانية او الاسرائيلية؟
ان ظروف النظام الدولي وما ارساه من قواعد قد مكّن اسرائيل من الاستفادة منها الى اقصى الحدود،ما جعل غالبية دول المنطقة تسارع في سباق البدل باتجاه تل ابيب املا بالتطبيع وبفتات لا يسمن ولا يغني عن جوع،فهل ستصحو الباكستان ام انها مصرة على تكرار تجربة غيرها من الانظمة التي سبقتها؟ان الاجابة على ذلك لم يعد يجد نفعا!