16‏/02‏/2008

خلفيات وصول السودان لرئاسة الاتحاد الإفريقي

خلفيات وصول السودان لرئاسة الاتحاد الإفريقي
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

اعترضت الولايات المتحدة علنا أوائل العام الماضي 2006 على ترشيح السودان لرئاسة الاتحاد الإفريقي، ولجأت إلى العديد من الدول الأوروبية والأفريقية للتأثير على هذا الترشيح ومنعه بالرغم من أنه كان يعتبر حقا للسودان وفقا لمبدأ التناوب على الرئاسة بين الكتل الإفريقية (الشرق والوسط والشمال والجنوب والغرب) ، وتمَّ تبرير الاعتراض بأن ذلك يتنافى مع وجود قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد نفسه في السودان لحماية سكانن دارفور .
ومع أن هذا الاعتراض الأمريكي نجح في دفع الخرطوم باتجاه التنازل عن رئاسة القمة الإفريقية السادسة الأخيرة في السودان رغم أن القمة الخامسة للاتحاد الإفريقي في سرت بليبيا (يوليو 2005) أقرت بهذا الحق للسودان وفق مبدأ التناوب، فقد لوحظ أن الموقف الأمريكي اختلف هذه المرة في القمة الإفريقية السابعة وأبدى موافقته.
إن عدم الاعتراض الأمريكي هذه المرة على رئاسة السودان للقمة الإفريقية أو الإيعاز لحلفائهم الأفارقة أو حتى أوروبا بإثارة المشكلات للحيلولة دون تولي السودان رئاسة هذه القمة، يعود للعديد من الأسباب أبرزها:
- أن الاعتراض الأمريكي هذه المرة، وفي ظل الضعف الدبلوماسي الأمريكي الخارجي نتيجة الفشل في العراق، ربما لا يكون له مبرر خصوصا أنه قد يفجر العلاقات الإفريقية- الإفريقية ويهدم المبادئ التي أقرتها الدول الإفريقية لتداول الرئاسة، فضلا عن أنه سيزيد عناد الخرطوم، والأهم أن معركة رئاسة الاتحاد الإفريقي السابقة العام الماضي أظهرت عدم استقلالية القرار الإفريقي وتبعيته للغرب.
- أن السودان وعبر رئاسته للجامعة العربية في دورته الحالية الموشكة على الانتهاء، قاد تحركات فعالة لم تتأثر - بأي حال من الأحوال- بتداعيات أزمته في دارفور، ولا أبعدته أي أزمة أخرى عن دوره الإقليمي، كما أن السودان ومنذ نشوب أزمته في إقليمه الغربي في دارفور ظل شديد الحرص والتأكيد على أن يظل حل الأزمة في دارفور في يد الاتحاد الإفريقي.
- ثمة تنازلات سودانية ظهرت مؤخرا لجهة نشر قوات دولية -بجانب الإفريقية- في دارفور؛ فبعد رفض السودان قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1706 الذي يصرح بنشر قوات حفظ سلام وشرطة قوامها نحو 22500 جندي لتحل محل قوة الاتحاد الإفريقي في دارفور، ورفض أي تسوية تشمل قوات مشتركة من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، خفف البشير في ديسمبر الماضي 2006 من الرفض، بالموافقة على "عملية مشتركة" في خطاب للأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت كوفي عنان وقال إن السودان "على اتفاق كامل" مع المنظمة الدولية.
- خفف السودان من التصريحات المقلقة للغرب على عكس ما حدث في القمة السابقة عندما قال الرئيس عمر البشير أمام الرؤساء الأفارقة إن السودان يتطلع إلى دور إفريقي أعلى صوتا في عمليات صنع القرار داخل المؤسسات النقدية والمالية الدولية وفي الأمم المتحدة؛ وهو ما يشير ضمنا لرغبة السودان في قيادة الاتحاد الإفريقي في اتجاه عالمي للتأثير في عمليات صنع القرار في العالم تجاه القارة الإفريقية، وهو ما أقلق دولا غربية سعت لتحجيم دور حكومة السودان خاصة أنها تعتبرها ذات توجه إسلامي، كذلك سعي السودان لإزالة هذه المخاوف الغربية من توليه رئاسة الاتحاد عبر سلسلة اجراءات عملية أبرزها انضمام السودان للآلية الإفريقية للمتابعة ومراجعة الحكم (نيباد) التي تنص على عدة إجراءات تصب في خانة احترام حقوق الإنسان، والتشديد على الالتزام بقضايا حقوق الإنسان واحترام المرأة.
واللافت أن الرئيس السوداني اتبع سياسة الغموض حول هذه الخطوة؛ فقد رفض إيضاح تفاصيل العملية المشتركة، وما زال ينفي أي اتفاق على نشر قوات تابعة للأمم المتحدة، ومع أن بعض التفسيرات تقول إن هذه السياسة (الغموض) تسمح بتجنب الانتقادات من القوى الداخلية التي تعتبر أن التدخل الأجنبي في دارفور بمثابة غزو للبلاد، وفي الوقت نفسه تهدئة الانتقادات الدولية بأنه يعرقل جهود إقرار السلام في غرب السودان؛ فهناك تفسيرات أخرى تقول إن واشنطن هي التي تسعى لإبراز "إيجابية" هذه المواقف السودانية ليصبح قرار رئاسة السودان للقمة الإفريقية مقبولا.
ثمة تصورات أخرى تقول بأن الغرض الأمريكي من عدم الاعتراض هذه المرة هو بمثابة سياسة مرسومة من واشنطن ومتعمدة، غرضها الترتيب للمرحلة الثانية في إفريقيا للتخلص من - أو تليين- حكومة الخرطوم، بعد خطوة اقتلاع ميليشيا المحاكم الإسلامية في الصومال بالقوة، ضمن الإستراتيجية الأمريكية في إفريقيا والتي تستهدف التخلص من بؤر المقاومة لخلق مناطق نفوذ ومصالح أمريكية هادئة هناك.
من هنا يبدو أن عدم ممارسة واشنطن ضغوطا لمنع رئاسة السودان للقمة الإفريقية هو نوع من الإغراء للحكومة من جهة، كما يمكن أن تكون هذه السياسة الأمريكية تستهدف ردع بعض القوى الرافضة لاتفاق السلام في غرب السودان (دارفور) من الأحزاب الانفصالية، خصوصا أن هذه القوى باتت تعتبر التشدد الأمريكي مع الخرطوم ضوءا أخضر لها للتسويف ورفض الاتفاقات.
لا شك أن قبول الدول الإفريقية لرئاسة السودان للقمة الحالية سيكون له عدة مزايا للدول الإفريقية وعيوب للغرب، أقلها أن السودان يعارض التدخل الأمريكي في الصومال ويعارض المخططات الأمريكية في إفريقيا عموما ومن ثم قد يسبب مشكلات أخرى لإدارة بوش.
وعلى الرغم من أن رئاسة الاتحاد الإفريقي "شكلية"، فإنها ذات ميزة سياسية للدولة التي تتولى الرئاسة لأنها أشبه بالاعتراف بمكانة هذه الدولة ورئيسها، وبالتالي جواز مرور لها نحو العالمية بحكم اتصالات رئيس الاتحاد بالمنظمات والمؤسسات الدولية والدول الكبرى، وتولي السودان الرئاسة الإفريقية (مع القمة العربية) يصعب الضغوط الأمريكية نوعيا، ويقيد سياسة الحصار الأمريكية والعقوبات عمليا، كما سيعطي الخرطوم ميزة الندية في علاقاتها مع الغرب؛ وهو ما ترفضه واشنطن ودول أوروبية عديدة تسعى لاستعمال أساليب الضغط السياسية ضد السودان.
ومن المزايا الأخرى أن رئاسة السودان للقمة قد تردع الانفصاليين في دارفور وتجبرهم على توقيع اتفاق السلام، فضلا عن أنها تتيح للسودان فضح المخططات الإقليمية الأخرى لزعزعة استقلال البلاد والسعي لتفكيك الأقاليم السودانية المختلفة.
لقد قرر القادة الأفارقة المجتمعون في قمة الاتحاد الإفريقي السادسة في الخرطوم عام 2006 تأجيل الأخذ بقاعدة مبدأ التناوب في تولي المناطق الجغرافية لرئاسة الاتحاد الإفريقي إلى العام الحالي 2007؛ فتولى الكونغو رئاسة الاتحاد عام 2006 مع تولي السودان منصب النائب الأول لرئيس الاتحاد، على أن تتولى الخرطوم رئاسة الاتحاد الإفريقي عام 2007، ولم يعد هناك مجال للاعتراض الأمريكي وإلا انقسمت القمة الإفريقية.
فهل يستفيد السودان من القمة الإفريقية الحالية ومن رئاسته للقمة في إنهاء أزمة دارفور والسعي لإنهاء الملفات الإفريقية العالقة؟ وهل ترتب واشنطن لسياسة ما مع الخرطوم تقوم على مبدأ الترغيب والترهيب، وهل كان عدم اعتراضها على رئاسة السودان لإفريقيا جزءا من هذه السياسة الغامضة؟.