16‏/02‏/2008

الخلفيات الاقتصادية والاجتماعية للاحتجاجات الشعبية في لبنان

الخلفيات الاقتصادية والاجتماعية للاحتجاجات الشعبية في لبنان
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجافعة اللبنانية
رئيس الدراسات في مجلس النواب اللبناني

صحيح أن الظروف الاقتصادية - الاجتماعية والمعيشية لم تكن سليمة قبل حال التأزم والانقسامات السياسية الحاصلة في البلاد، منذ نحو ثلاث سنوات حتى الآن، لكنها ازدادت سوءاً مع الأزمة الحكومية المفتوحة منذ كانون الأول 2007 وحتى الآن.
وإذا كان أي تحرك مطلبي أمرا محقا وملحا، ولو جاء متأخراً عن وقته أكثر من سنتين، بفعل انتقال عدوى الانقسامات السياسية الى الجسم النقابي، والقضاء على فعالية الهيئات الأهلية ومضامينها الاجتماعية لحساب مصالح سياسية، فإن تغليب الطابع السياسي، أفقد الحركة المطلبية الضعيفة أصلا، مصداقيتها في دفاعها عن حقوق ومطالب القوى العاملة والعاطلة عن العمل، حتى في المهن الحرة التي تشكل الطبقة الوسطى في المجتمع.
ولا يعفي التردي المعيشي الدولة والحكومة من مسؤولياتهما لانشغالها بالهموم السياسية، ولو كانت أسباب غلاء بعض السلع والمواد خارجية، باعتبار أن تحسين الخدمات والتقديمات ومعالجة مطالب النقل ووقف توزيع اللوحات وتنظيم النقل المشترك، أمور لا تحتاج سوى الى قرارات وخطوات تنفيذية تعزز العاملين في هذا القطاع والقطاعات الزراعية التي أصابتها الطبيعة بأضرار مباشرة مدمرة بعد أضرار الحروب والخلافات. ويكفي تعداد المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة والمتزايدة صعوبة خلال السنوات الأخيرة للدلالة على ضرورة التحرك النقابي والمطلبي، بعيداً عن خدمة المصالح السياسية، وتلافياً للتوظيف السياسي وإضاعة الحقوق، كما حصل في تعطيل فعالية النقابات وشرذمتها بين المعارضة والموالاة.
ـ ثمة مشكلة الكهرباء التي تكبر سنة عن أخرى، بالنسبة لتزايد التقنين في المناطق وارتفاع وتيرة الاحتجاجات، وكذلك للعجز المتزايد الذي يفوق الـ1650 مليار ليرة، أي حوالي مليار و100 مليون دولار، ومرجح أن يلامس المليار و200 مليون دولار، إذا ما استمرت السياسة المعتمدة في تجاهل أساس المشكلة والتغاضي عن الهدر والتعليقات والتنفيعات السياسية في المعامل والتجهيز، إلى جانب الارتفاعات الكبيرة بأسعار النفط والتي فاقت الـ90 دولاراً للبرميل.
ـ هناك أزمة التقديمات الاجتماعية والعجز في الضمان الاجتماعي، لا سيما في فرعي الضمان الصحي والتعويضات العائلية، والتي تهدد بوقف التقديمات عن حوالى المليون ونصف المليون مستفيد، يشكلون ثلث الشعب اللبناني. والأخطر هو بدء استخدام احتياطي فرع نهاية الخدمة، وهو عبارة عن تعويضات المضمونين واشتراكات أصحاب العمل، بعدما بلغ العجز أكثر من 280 مليار ليرة سنوياً.
ـ هناك مشكلة الغلاء والاحتكار والارتفاعات الكبيرة في أسعار معظم السلع الغذائية والاستهلاكية، مع غياب أي تصحيح للأجور منذ 12 سنة تقريباً، مما أضعف قدرة الناس على مواجهة أعباء المعيشة المتزايدة، وقضى على 15 في المئة من الأجور خلال السنتين الأخيرتين.
ـ تشير آخر الدراسات الجدية إلى أن عدد المتخرجين، أو الخارجين الى سوق العمل، يفوق 40 ألف طالب فرصة عمل سنوياً، لا يؤمن منها سوى 14 إلى 16 ألف فرصة في أكثر السنوات تفاؤلاً، في القطاعين العام والخاص، علما أن الدولة تتحول الى التوظيف بالتعاقد فقط، ومن خارج الملاك، وهي عاجزة أصلاً عن استيعاب جزء بسيط من الخارجين الى سوق العمل، في الوقت الذي تهاجر فيه المؤسسات اللبنانية الى الدول المجاورة هرباً من التردي السياسي والأمني الداخلي.
ـ هناك مشكلة تردي المستوى المعيشي والمداخيل، إذ هناك حوالي 75 في المئة من الأسر يقل دخلها الشهري عن المليون و500 ألف ليرة شهرياً، وهو الدخل المطلوب لتأمين الحاجات المقتصرة على الضروريات لأسرة وسطية من خمسة أفراد. ولعل الرقم الأخطر في المؤشر الاجتماعي هو أن حوالي 40 في المئة من الأسر تعيش تحت دخل الـ800 ألف ليرة شهريا، وان أكثر من 44 في المئة منها مدينة، وهي تصنف ضمن حال الفقر الشديد.
ـ هناك مشكلة كبيرة متفاقمة تكمن في انعكاس تراجع النمو الاقتصادي إلى حدود الصفر أو 2 في المئة، مقابل نمو الدين العام بنسبة 9 في المئة، علما أن المطلوب هو تزايد نمو الاقتصاد وتراجع نمو الدين العام، الذي يقدر أن تصل أرقامه مع بداية العام 2008 إلى حوالي 42 مليار دولار تقريباً، برغم مساهمات باريس 3
ـ هناك معضلة البطالة والصرف التي تتزايد سنوياً بشكل مطرد وتعالج بالهجرة، وهي تصل في صفوف متخرجي الجامعات إلى 33 في المئة، وفي صفوف المهن الحرة من المحامين والأطباء والمهندسين تصل إلى مستوى 20 في المئة بين بطالة سافرة ومقنعة. وهذا يفسر ارتفاع وتيرة الهجرة بشكل خطير في صفوف هذه الفئة أكثر من غيرها. بينما يصل عدد المصروفين من الخدمة وتاركي العمل قسريا إلى حوالي 14 ألف عامل سنويا.
مع كل ذلك يتداخل الاجتماعي بالاقتصادي بالسياسي ليكوّن بيئة قابلة للتفجير والاستثمار بكافة الاتجاهات ،فهل لبنان سائر نحو العرقنة أم الصوملة تحت عناوين وشعارات مختلفة؟في مطلق الأحوال لقد وصلت الأمور إلى مراحل يصعب العودة معها إلى الورا!