16‏/02‏/2008

العراق : سنة اولى مقاومة لا احتلال
د. خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
ما الذي يجري على ارض العراق؟ اهو مظهر لذكرى اولى للاحتلال؟ ام حافز لتأسيس ذكرى اولى لانتفاضة شعبية تؤسس لمقاومة اكثر حضورا في تحرير ارض العراق وانسانه؟ وهل بامكاننا القول ان ما جرى خلال الايام القليلة الماضية هي بداية النهاية لاحتلال خطط ويخطط لاجيال قادمة؟ وهل يمكن القول ان الظروف الذاتية والموضوعية للانتفاضة والمقاومة العراقيتين قد نضجتا بحيث اصبح الرجوع الى الوراء ضربا من الخيال؟ اسئلة كثيرة تحتاج الى اجابات محددة ، الا اننا نرى الكثير من الاسباب والمستجدات التي تجعلنا نقول ان الانتفاضة قد بدأت تأخذ ابعادها ، وان اسباب نجاحها كثيرة ومنها:
اولا : لم يعد هناك مجال للقول ان الانتفاضة محصورة بمنطقة معينة دون اخرى ، فهي شملت مناطق السنة كما الشيعة وليس بمستغرب ان تشمل المناطق الكردية بعد حين.
ثانيا:لقد اتخذت ظاهرة الانتفاضة الشعبية صفة الشمولية بحيث لم تعد محصورة بتنظيمات معينة او بأحزاب او تجمعات، بل بات المجتمع العراقي بمختلف اطيافه معني بها، وبخاصة بعدما تأكد ان الهدف الاميركي ليس اسقاط نظام صدام حسين ولا اسلحة الدمار الشامل ،بقدر ما هو احتلال العراق وما له من تداعيات .
ثالثا: تأكد بشكل لا لبس فيه بأن فلول النظام السابق لم يكن له القدرة على ادارة مقاومة ما، او حتى المشاركة فيها ولو بأشكال متواضعة؛ وهذا يعني سقوط نظريات كثيرة رُوِجَ لها في بداية الغزو، وهي ان لا مقاومة عراقية بل ان هناك زُمر متضررة تحاول ارجاع سيطرتها.
رابعا: التجانس والتماثل في الخطاب السياسي لدى مختلف القيادات العراقية التي يُعول عليها، اذ لم يعد هناك فارقا يذكر في الرؤى الاستراتيجية لمختلف التيارات السياسية والدينية ، فمقاومة الاحتلال بات فرض عين على الجميع ، واذا كان ثمة فارق في الوسيلة فأمر يعود لأطراف خارجية وليس للعراقيين انفسهم.
خامسا: سرعة انتشار الانتقاضة والمقاومة لتشمل مناطق جديدة ، ولتشمل اساليب جديدة ، فعدا عن التوسع الجغرافي للانتفاضة، استغلال القوى الفاعلة على الارض لمفاتيح اثارة الرأي العام العالمي لا سيما الرأي العام في الدول المشاركة في قوات التحالف. وعلى الرغم من تواضع تأثير هذه النقطة حاليا ، الا انها ستلعب الدور الحاسم في تفكك التحالف لاحقا.
سادسا:ان ممارسات قوات الاحتلال ضد العراقيين افرز حالة عداء من الصعب تجاهلها لدى المواطن العراقي ،الذي عانى الامرين على مدى عقود طويلة. فالمحتل يستفزه بأماكن يصعب معها السيطرة على ردود الفعل عليها.ومن هنا تشكلت نواة العداء الفطري لكل من يمس الكرامة والعرض ...
سابعا: لقد وصل سقف المطالب لدى مختلف التيارات السياسية الى نقطة اللارجوع ، اذ اصبح الاندفاع الى الامام والمواجهة هو اقل كلفة من أي خيار آخر، لذا ان خيار الانتفاضة والمقاومة يعتبر الاقل كلفة للعراقيين لتحرير ارضهم من أي خيار آخر.
ثامنا: ان السياسة الاميركية تجاه دول المنطقة لا سيما التي لها امتدادات مباشرة في القضية العراقية، اجبرت هذه الدول على اتخاذ مواقف اكثر تعاطفا وحتى دعما للانتفاضة والمقاومة ضد قوات التحالف، على قاعدة ان اهتزاز الوضع الامني في العراق يربك القوى المحتلة ويخفف ضغوطها .
تاسعا: وفي المجال الخارجي ايضا،ان سياسة الابتزاز التي تمارسها واشنطن فيما يختص بالملف النووي الايراني ، يجعل من طهران اكثر ميلا باتجاه قبولها ادارة اللعبة الداخلية في العراق او على الاقل ان تكون احد اللاعبين الرئيسيين فيها، الامر الذي يعطي دفعا ما لاستمرارية الانتفاضة وتامين الظروف الموضوعية للمقاومة العراقية.
عاشرا: وفيما يتعلق بالوضع الامريكي وبخاصة الانتخابات الرئاسية ، فليس هناك من خيار لدى الادارة الامريكية الا الاندفاع الى الامام في مشروعها العراقي احتلالا وقمعا ... فالتراجع الى الوراء لن يفيد جورج بوش في التجديد، والهروب الى الامام يخلق اوهام النصر الذي سرعان ما سينهار امام نعوش الجنود المحملين الى الرأي العام الاميركي.
لتلك الاسباب ولغيرها نرى ان مقومات الانتفاضة الشعبية ضد الاحتلال قد اينعت، ولم يعد لقوى المقاومة العراقية الا قطف ثمارها.على ان هذا الكلام لا يخفي حقيقة القول ان هناك الكثير من العمل الجاد والحذر ينتظر العراقيين .فالمحتل لم يأت للعراق ليخرج مع اول رصاصة توجه اليه، ولن يستسلم ويقر بهزيمته مع اول انتفاضة تقوم عليه.
لقد خاض الامريكيون وتدخلوا في اكثر من مئة وخمسين حربا خلال القرن الماضي، ولم يخرجوا من أي بلد احتلوه الا بضغط المقاومة، فهل سيلقن العراقيون الدرس عينه للامريكيين ... الدرس الذي اعادته كثير من الشعوب وحتى الآن لم يفهمه الامريكيون .
ان الثابت قي التاريخ، ان ليس هناك دولة خاضت الحروب الا وانتصرت او انكسرت، كما ان ليس هناك جيشا خاض الحروب الا وانتصر او انكسر؛الا ان هناك ثابتا لا يتغير وهو ان المقاومة لم تخسر مرة واحدة في تاريخ نضال الشعوب ضد القوى المحتلة.