13‏/02‏/2008

الأسرى اللبنانيون في السجون الإسرائيلية

الأسرى اللبنانيون في السجون الإسرائيلية
د . خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
" مذكرة قدمت إلى لجنة العفو الدولية
بمناسبة يوم الأسير اللبناني"


أنشأت القوات الإسرائيلية بعد غزوها للبنان في العام 1982 معتقل أنصار حيث زجت فيه الآلاف من اللبنانيين ؛ ثم ما لبثت ان نقلت منهم المئآت إلى السجون داخل إسرائيل, وأبقت البعض الآخر في المعتقلات التي أنشأتها في الشريط الحدودي المحتل بعيد إعادة انتشارها في العام 1985.
ويعتبر معتقل الخيام اكبر السجون المنشأة في الشريط المحتل، الى جانب سجن ثكنة مرجعيون وسجن ثكنة زغلة في حاصبيا،إضافة إلى مركز ال17 في مدينة بنت جبيل.
وبحجة ضبط الأمن أقدمت القوات الإسرائيلية على اعتقال المئآـت ولم تميز بين المدني والمقاوم ولا بين الكبير والصغير ، وقد أوردت لجنة العفو الدولية العديد من حالات الاعتقال بين الفتيان والأولاد القاصرين بحجة التعامل مع المقاومة، او لعدم الانصياع للتجند في جيش لبنان الجنوبي الذي أنشأته..
وباعتبارها دولة محتلة ، فقد مارست الإشراف المباشر على المنطقة المحتلة، وأخضعت سجن الخيام إلى مسؤول الإدارة العسكرية الإسرائيلية في المنطقة المحتلة ، كما أخضعت السجن الى ضابط إسرائيلي من رتبة مقدم الذي يخضع بدوره الى قيادة الشمال العسكرية الإسرائيلية.
ويمكن تقسيم سجن الخيام إلى ثلاثة أقسام، مركز الاعتقال ، ومركز التحقيق والثالث مركز إداري لجيش لبنان الجنوبي حيث يدير الأمور الروتينية للسجن ؛ ويظهر الدور التنفيذي والتقريري المباشر للإسرائيليين قي اعتقال المواطنين اللبنانيين ونقلهم إلى السجن ، وعمليات الاستجواب والتحقيق والتعذيب للمعتقلين.
ونتيجة لسوء المعاملة من ضرب وتعذيب وتجديد احتجاز اداري دون توجيه التهم او المحاكمة ، فقد نفذ المعتقلون العديد من الانتفاضات داخل المعتقل بهدف تحسين ظروف الاعتقال ، إلا أن الأمور كانت عكس ذلك ، حتى ان المحكمة العسكرية الإسرائيلية أجازت استعمال تلك الأساليب على المعتقلين .
اولا : الاتفاقيات الدولية والوضع القائم
على الرغم من عدم اعتراف إسرائيل باتفاقية الهدنة الموقعة مع لبنان في العام 1949، فان هذه الاتفاقية تعتبر قائمة من وجهة نظر القانون الدولي، فعدم اعتراف احد أطرافها بها لا يلغيها ،وبالتالي فان حالة الحرب لا زالت قائمة الى حين التوصل الى اتفاق سلام ؛ وبصرف النظر عن الوضع القائم وتوصيفه لجهة شكل او اسلوب النزاع ، ان كان نظاميا او عبر المقاومة الشعبية المسلحة ، فان العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان تعتبر نزاعا مسلحا من وجهة نظر القانون الدولي.
فقد نصت اتفاقية جنيف الموقعة في 12/8/1949 الخاصة بمعاملة اسرى الحرب في المادة الثانية بفقراتها الثلاث على :
"تنطبق هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة ، أو اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الإطراف المتعاقدة ، حتى ولو لم يعترف احدهما بحالة الحرب".
" تطبق هذه الاتفاقية في جميع حالات الاحتلال الجزئي او الكلي،لاقليم احدالاطراف المتعاقدة ، حتى ولو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة ".
وبما ان كلا من لبنان واسرائيل قد وقعتا على اتفاقيات جنيف الاربع، فان اسرائيل ملزمة بتطبيق هذه الاتفافية وما يندرج فيها على الواقع الموجود من خلال احتلالها لبعض الاراضي اللبنانية في الجنون والبقاع الغربي.
وبصرف النظر عن التكييف القانوني السالف الذكر ، فان مجلس الامن الدولي قد كرر مرارا لا سيما في القرار 425 تاريخ 19/3/1978 ان الوضع القائم بين إسرائيل ولبنان يشكل نزاعا مسلحا،وحتى ان إسرائيل تعترف ضمنا بهذا الوضع ، عندما تدعي بأنها تحترم القانون الدولي في ممارساتهاا ضد لبنان ؛ وهنا لا بد من ذكر أمرين أساسيين:
-ان العمليات والتحركات التي تقوم بها إسرائيل في لبنان وتحديدا جنوبه ، لها صفة الاحتلال العسكري وهو بمنظور القانون الدولي عمل مؤقت ، كما يجب عدم المس بالعناصر الاساسية للدولة كالشعب والمؤسسات والارض حيث تبقى تحت سيادة الدولة المحتلة أراضيها ويقتصر دور الدولة المحتلة على السلطة الادارية التي بموجبها يجب السهر على حفظ سلامة وأمن المواطنين وعدم المس بالاوضاع القانونية للأراضي المحتلة
- إن البندين (46) و (50) من اتفاقية لاهاي لعام 1907 المنظمة لقواعد الحرب بين الدول ،قد حددا وجوب احترام الدولة المحتلة لحرية وحياة المقيمين في الاراضي المحتلة، واعتبرا أن التعدي على هذه الحقوق بمثابة جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي ،كما أكد ت كذلك محكمة نورمبورغ في قرارت عدة صدرت عنها.؛ إضافة إلى ذلك فقد ضيقت اتفاقيات جنيف حدود الصلاحيات التي يمكن ان تمارسها الدولة المحتلة تجاه المواطنين المقيمين في الأجزاء المحتلة ، حيث نصت في عدة بنود منها على عدم جواز أخذ الرهائن والاعتقال والعقاب الجماعي ونقل المدنيين إلى أراضيها والتعذيب الجماعي والمس بكرامة الشخص وحرمته.
ثانيا: الأوضاع القانونية للأسرى اللبنانيين
اتخذت مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان وبقاعه الغربي اشكالا وأنواعا متعددة أبرزها المقاومة العسكرية؛ ولقد شرعت معظم المواثيق الدولية تلك المقاومة كاتفاقيات مؤتمر لاهاي لعام 1907 وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة لا سيما القرار رقم 1514 تاريخ 14/ 12 / 1960 ، وكذلك شرعة حقوق الإنسان وخصوصا حق الشعوب في مقاومة الاحتلال والاستغلال والاستعمار .
فالمقاومون يعتبرون ثوار من وجهة القانون الدولي ويتمتعون بصفة المحارب ولهم وعليهم الحقوق والواجبات المتصلة بتلك الفئة من العسكريين النظاميين، لذلك فان حالتي الأسر والاعتقال يجب أن تطبق عليهم وفقا لاتفاقيات جنيف.
لقد نصت الفقرة (2) من المادة (4) على اعتبار أسرى الحرب كل من :" الميليشيات… والوحدات الأخرى بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة الذين ينتمون إلى احد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم ، حتى ولو كان هذا الاقليم محتلا".
واستطردت المادة نفسها محددة الشروط الواجب توفرها في هذه الميليشيات والتنظيمات لكي تطبق عليها اتفاقيات جنيف وهي:
- أن يقودها شخص مسؤول عن مرؤوسيه .
- أن يكون لها شارة مميزة يمكن التعرف عليها عن بعد .
- أن تلتزم في عملياتها قوانين الحرب المنصوص عليها في الشرائع الدولية.
وفي الواقع وعلى الرغم من عدم انطباق المنطق على هذه الشروط لجهة عدم تمكن المقاومين من المجاهرة بحمل السلاح وما يدل عليهم فقد انطبفت بمعظمها على المقاومين اللبنانيين.
وبصرف النظر عن قانونية أو عدم قانونية اعتقال المدنيين في المناطق المحتلة ، فقد نصت الفقرة (2) من المادة (5) من اتفاقية جنيف لحماية المدنيين ، على وجوب استفادة المدنيين من هذه الاتفاقية في حال إلقاء القبض عليهم من قبل القوات المحتلة بحجة وجود شبهة معينة حولهم، أو شك في قيامهم بعمليات ضد القوات المحتلة وذلك بانتظار تحديد وضعهم.
ثالثا نقل الأسرى إلى السجون الإسرائيلية :
منعت الفقرة الأولى من المادة (49) من اتفاقية جنيف من نقل الافراد المحميين الى خارج اقليم الدولة المحتلة أراضيها ، لا سيما أراضي الدولة المحتلة؛ الا ان اسرائيل خرقت هذه الممنوعات ونقلت المئات من اللبنانيين إلى سجونها ،وباشكال مهينة كتعصيب العيون وتكبيل الأيدي ، وعدم التزويد بالالبسة ، إلى التعرض للاهانة والعنف الجسدي والنفسي، من قبل المدنيين الاسرائييلين خلال عمليات النقل وهذا ما يخالف نص المادتين (20) و(21) من نفس الاتفاقية.
ان عمليات نفل الأسرى إلى داخل إسرائيل يعتبر انتهاكا واضحا لاتفاقيات جنيف ،وقد أكدت ذلك لجنة العفو الدولية وقالت ، انه لا يجوز لإسرائيل أن تنقل الأسرى وتدعي بأن هذا الإجراء هو مؤقت إلى حين تغير الظروف في المنطقة التي اسروا فيها.
إضافة إلى ذلك فقد سجلت عمليات المحاكمة انتهاكات خطيرة ، لجهة الطريقة والأسلوب والأحكام التي صدرت وطريقة تنفيذها لا سيما المواد (82) و(83) و( 84) و(87) و (88).
رابعا : أساليب التحقيق ومعاملة الأسرى :
نصت المادة (31) من اتفاقية جنيف الرابعة على أن :" أي توقيف جسدي أو معنوي لا يمكن ممارسته ضد الأشخاص بغية الحصول منهم على المعلومات ". وفي الواقع أيضا خرقت إسرائيل هذا المحظور ومارسته بطرق تعسفية ضد اللبنانيين وبأساليب مهينة ومذلة وأبرزها:
-العنف والعقوبات الجماعية ومخالفة المادتين (32) و(33).
-التعسف في الاعتقال وعدم التمييز بين المعتقلين لا سيما الأشخاص المشمولين بالحصانات مثل الأطباء والمحامين .
-عدم التمييز بين الشيوخ والأطفال والنساء.
أما بخصوص معاملة الاسرى والمعتقلين فقد اتسمت بانتهاكات عديدة ابرزها:
-الظروف المعيشية معدومة تماما ؛ حيث تكتظ الزنزانات بظروف صعبة جدا ، اذ يوضع خمسة أشخاص في غرفة لا تتعدى المتر المربع، وحيث لا يقدم الطعام يوميا.
- أما العناية الصحية فهي معدومة أصلا ، بحيث يترك الجرحى والمرضى دون أدنى رعاية صحية ،وقد توفي العديد داخل الزنزانات ولم ينقلوا إلى المستشفيات.
- تعرض الأسرى للتحرش والإذلال ، وعند الاحتجاج تتدخل المخابرات الإسرائيلية المشرفة على السجون وتمارس أبشع أساليب القمع الذي أدى إلى العديد من حالات الوفيات.
- تعدد أساليب التعذيب الجسدي والنفسي ،وتتراوح بين الصدمات الكهربائية والتعليق على الأعمدة والجلد ، وإجبار الأسرى على الغمر في المياه الآسنة .
- العزل عن العالم الخارجي وعدم إمكانية الاتصال مع الأهل ، وعدم السماح بالزيارات إلا في حدود ضيقة جدا.
- دوام تهديد الأسرى بالملاحقة بحجة تهديد امن إسرائيل ، رغم أن هذه الملاحقة تعتبر مخالفة للمادة (70)من اتفاقية جنيف الرابعة.
إما لجهة التحقيقات فتتناول بصفة خاصة المعتقدات والأفكار للأسرى وحياتهم الخاصة الأمر الذي يخالف اتفاقيات جنيف المذكورة، أما المحاكمات فهي صورية حيث لم تقدم إسرائيل على تنظيمها وفقا للقوانين الدولية التي تحكم مثل هذه الحالات ، فغالبا لم تسمح بتوكيل المحامين للدفاع عنهم ، وان وافقت على ذلك فلا تسمح بمقابلتهم.
إن التدقيق في أوضاع المعتقلين وظروف اعتقالهم يودي بتطابق المعتقلات الإسرائيلية مع المعتقلات النازية أن لم تكن أسوأ منها، ومن كافة الجوانب ، والكثير ممن أفرج عنهم عانوا من مشاكل صحية ونفسية لا تحصى، إضافة إلى حالات الوفيات التي حدثت بعد الإفراج بمدة وجيزة.
أخيرا لا بد من الإشارة إلى فرضيتين وهما:
- إذا اعتبرت إسرائيل إن المعتقلين أسرى حرب فيجب عليها بالتالي ان تطبق التفافية الثالثة بشأنهم لا سيما المادة (13) المتعلقة بالمعاملة الإنسانية،وكذلك المادة (14) حول احترام شخص المعتقل، والمادة (35) حول تأمين الرعاية الصحية .
- أما في خال عدم اعتبارهم أسرى حرب ، فعليها أن تطبق الاتفاقية الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين لا سيما المادة (32) التي تمنع التعذيب الجسدي والنفسي ، وكذلك المادة (85) المتعلقة بالظروف الصحية والسكنية للمعتقل.