13‏/02‏/2008

الآثار الاقتصادية للعدوان الإسرائيلي على لبنان

الآثار الاقتصادية للعدوان الإسرائيلي على لبنان
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مدلس النواب اللبناني

يعتبر لبنان من البلدان القليلة في المنطقة الذي يتمتع بحيوية وقدرة فائقة على الانتقال من وضع إلى آخر،إذ تمكن بفترة قياسية من استعادة دوره المالي والاقتصادي في المنطقة،الأمر الذي اثر بشكل مباشر على الدور الذي يمكن أن تلعبه إسرائيل تحديدا في الشرق الأوسط لجهة المال والاقتصاد والتجارة والسياحة،ومن يتأمل قليلا بهذه القدرات يدرك بسهولة مدى المأزق الإسرائيلي المعروف تاريخيا لجهة منافستها للبنان.ورغم أن القصف الصاروخي الذي نفذه حزب الله على العمق الإسرائيلي قد انعكس بشكل مباشر على الاقتصاد الإسرائيلي بمختلف نواحيه،فان الفارق الكبير في القوة وفي القدرات التدميرية بين إسرائيل وحزب الله يجعل الفارق بين الآثار الاقتصادية للحرب متباينة بشكل كبير علي الطرفين.
وبحسب مؤشرات وبيانات البنك الدولي للعام 2006 إن الدخل القومي الإجمالي للبنان البالغ عدد سكانه نحو‏4‏ ملايين نسمة‏، قد وصل إلى ‏21.3‏ مليار دولار عام‏2004 ،فيما وصل الدخل القومي الإجمالي الإسرائيلي نحو‏118‏ مليار دولار‏‏، وبلغ عدد السكان نحو‏7‏ ملايين نسمة في نفس العام.
ومن المعروف أن الاقتصاد اللبناني يرتكز في الأساس علي قطاعي الخدمات الذي يسهم بنحو‏72%‏ من الناتج المحلي الإجمالي‏,‏ والصناعة الذي يسهم بنحو‏21%‏ من الناتج المحلي الإجمالي‏، بينما يقتصر إسهام قطاع الزراعة علي‏7%‏ من الناتج المحلي الإجمالي اللبناني‏.‏ أي إن قطاع الخدمات هو القطاع الرئيس في الاقتصاد اللبناني،‏ ويرتكز هذا الأخير علي السياحة وما يرتبط بها من خدمات النقل والمطاعم والفنادق‏، كما يرتكز علي الخدمات المالية والتأمينية والتجارية‏.‏ كما يعتمد اقتصاد إسرائيل بدوره علي الخدمات والصناعة التحويلية بصورة أساسية‏.
‏ ومن المعروف أن قطاع الخدمات بشكل عام وقطاع السياحة بشكل خاص مرتبط بشكل مباشر بالوضعين الأمني والعسكري، لذا فالعدوان الإسرائيلي علي لبنان قد أثر بشكل كبير علي اقتصاده ، حيث توقفت السياحة الأجنبية وضربت بناه التحتية‏، وسيظل هذا القطاع يعاني من توابع العدوان‏ ‏ سواء بسبب الدمار الذي أصاب البنية الأساسية الضرورية لتسهيل حركة السياحة‏،‏أو بسبب المخاوف التي ستظل تلازم السائحين إذا لم يتم التوصل إلي تسوية سياسية تضمن أمن لبنان واستقراره‏.‏ ولجهة الأرقام فقد بلغ عدد السائحين الذين زاروا لبنان نحو‏1.3‏ مليون سائح‏,‏ وأنفقوا فيه‏5931‏ مليون دولار عام‏2004.‏ ما يعني أن الشلل الذي أصاب هذا القطاع سيؤدي إلي انخفاض إيرادات لبنان من النقد الأجنبي بشكل واضح.
وفي مقابل‏ ذلك،‏ فالضربات الصاروخية التي وجهها حزب الله إلي العمق الإسرائيلي قد أضرت بقطاع السياحة الإسرائيلي الذي استقبل نحو‏1.5‏ مليون سائح عام ‏2004 وبلغ إنفاقهم نحو‏2819‏ مليون دولار في العام نفسه‏.‏ إلا أن حجم الأضرار التي سيتعرض لها قطاع السياحة الإسرائيلي لا تقل شأنا عن الأضرار التي سيتعرض لها لبنان الذي تبلغ إيراداته السياحية أكثر من ضعف الإيرادات الإسرائيلية من السياحة‏.‏ وإضافة للسياحة الأجنبية‏،‏ فإن السياحة الداخلية وهي عامل محرك لهذا القطاع‏,‏ قد تضررت أيضا،إلا أن سرعة تعافي السياحة الداخلية هي أسرع بالمقارنة بالسياحة الأجنبية التي تستغرق وقتا أطول‏ ومتطلبات نوعية أكثر.‏
وإذا كان لبنان قد نجح في حزيران / يونيو ‏2006‏ في تحقيق فائض في ميزان الحساب الجاري الذي وصلت قيمته إلى ‏1.8‏ مليار دولار‏،‏ فإن هذا الفائض مهدد بالتحوّل إلي عجز بسبب الأضرار الهائلة التي تعرض لها قطاع السياحة تحديدا‏.‏ كما أن الاحتياطي النقدي الذي تجاوز‏16‏ مليار دولار من الممكن أن يتآكل إذا طالت الأزمة واضطر لبنان إلي استنزافه رغم الودائع السعودية والكويتية التي وصلت إلى مليار وثلاث مئة مليون دولار التي وضعت في مصرف لبنان.
وبالنسبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة‏،‏ فإن التدفقات التي توجَّهت إلي لبنان منها بلغت نحو‏288‏ مليون دولار عام‏2004 مقابل ‏1619‏ مليون دولار توجَّهت إلي إسرائيل‏.‏ وهذه الاستثمارات الأجنبية لا تخرج من أي سوق بسهولة سواء لصعوبة التسييل أو لأنها قائمة علي توقعات متوسطة وطويلة الأجل ويمكنها أن تصمد إلي أن تتوضح معالم الحرب‏.‏ لكن مثل هذه الحرب ستؤدي علي الأرجح إلي تراجع كبير في التدفقات الجديدة للاستثمارات الأجنبية المباشرة إلي كل من لبنان وإسرائيل‏,‏ خاصة إذا انتهت الحرب الراهنة دون وضع أسس تسوية مقبولة من طرفيها تضمن الاستقرار الأمني والعسكري بين الطرفين‏.‏
كما إن لبنان الذي تلقي استثمارات غير مباشرة وصلت إلى ‏2632‏ مليون دولار عام ‏2004 وهي استثمارات شديدة الحساسية للاضطرابات الأمنية والعسكرية‏،‏ وبالتالي فإن جزء لافتا منها سينسحب من السوق الذي سيؤدي إلى تراجع كبير في مؤشرات البورصة اللبنانية وفي مستوى السيولة فيها‏.‏ كما يلاحظ أن هناك فارقا كبيرا بين حجم البورصة في لبنان وحجمها في إسرائيل‏، حيث بلغت القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة في البورصة‏ نحو‏6‏ مليارات دولار في لبنان عام ‏2004 مقارنة بنحو‏120.1‏ مليار دولار في إسرائيل في نفس العام.
أن عدد الشركات المدرجة في البورصة الإسرائيلية يبلغ ‏572‏ شركة وبالتالي لا يقارن بعدد الشركات المدرجة في بورصة بيروت الذي يبلغ‏14‏ شركة‏.‏ إلا أن خسائر البورصة الإسرائيلية تعد أكبر حجما في المدى القصير علي الأقل‏، إذ تراجع مؤشر أسعار الأسهم فيها نحو‏3.5%‏ والتي توازي أكثر من ‏4‏ مليارات دولار مع بدء الحرب، كما تراجع أكثر من ذلك بعد نجاح حزب الله في قصف مدينة حيفا‏.‏ وبحسب مجلة غلوبس العبرية الاقتصادية أن هناك حالة قلق داخل وزارة الاقتصاد الإسرائيلية من قيام المستثمرين الأجانب ببيع أصولهم في إسرائيل، بالإضافة لتخوف المسؤولين بحكومة ايهود أولمرت من انسحاب عدد من المستثمرين الإسرائيليين من السوق المحلي إلى السوق الأوربي. وعزز حالة القلق هبوط أسعار الأسهم في بورصات إسرائيل يوم الأحد في 16-7-2006، حيث سجلت بورصة تل أبيب كبرى البورصات الإسرائيلية- هبوطا بنسبة 4% أي بما يعادل 25 نقطة وأغلقت عند 718.70 نقطة، في حين أن مؤشر تي. إيه 100 هبط بنسبة 4.2% عند 731.52 نقطة. وكانت البورصة ذاتها قد هبط مؤشرها 12% فور قيام حزب الله بأسر الجنديين الإسرائيليين وقتل 8 آخرين قبل أسبوع.وتعرضت السندات الحكومية الإسرائيلية لما وصفته صحيفة جلوبس باليوم السيئ؛ فقد تراجعت بنسبة 2% منذ التصعيد في لبنان. وارتفع سعر الدولار أمام الشيكل الإسرائيلي بنسبة 0.4% ليصل إلى 4.54.كماوانخفضت عمليات التداول بالأوراق المالية إلى بليون شيكل عقب قصف حزب الله حيفا بصواريخ الكاتيوشا، حيث كانت عملية تداول الأوراق المالية قبل أسبوع تبلغ 3 بلايين شيكل يوميا.كما تعرض القطاع المصرفي الإسرائيلي لخسائر كبيرة؛ حيث فقد مصرف هبوعاليم 3.1%، ومصرف ليئومي 2.5%، وهما من أكبر المصارف الإسرائيلية- فقدا حوالي 15% من قيمتهما على آخر تعامل تجاري، وامتدت حالة الفقد إلى مصرف أفريقيا إسرائيل بنسبة 4%، ومصرف ماختيشيم أجان 3%.كما خسرت شركة agrochemicals 28% من قيمتها بالبورصة، وهي الشركة الأكثر تفضيلا من قبل المستثمرين الأجانب في إسرائيل.


أما الخسائر الناجمة عن دمار المنشآت الصناعية ومنشآت البنية الأساسية والعقارات‏ والخسائر الناتجة عن إتلاف المزروعات والسلع‏,‏ أو تعطيل حركة الاقتصاد بعد تدمير البنية الأساسية‏، فإنها تعد كبيرة جدا علي الجانب اللبناني‏,، ويقدرها البعض بنحو‏100‏ مليون دولار يوميا‏.‏ وتقدر بعض الجهات الرسمية اللبنانية أن الخسائر الاقتصادية بسبب الحرب في الأيام العشرة الأولي قد بلغت‏2.5‏ مليار دولار علي الأقل‏.‏ أما علي الجانب الإسرائيلي فإن الخسائر تقل كثيرا عن ذلك بسبب فارق القوة العسكرية والقدرات التدميرية بين الطرفين‏.‏
إن لبنان الذي يملك احتياطيات ذهبية تقدر بنحو‏9.222‏ مليون أونصة‏،تبلغ قيمتها الحالية حوالي ‏6‏ مليارات دولار‏، قد استفاد من ذلك أكثر بكثير من إسرائيل التي لا يتجاوز احتياطها الذهبي نحو‏9‏ آلاف أونصة تبلغ قيمتها نحو‏600‏ مليون دولار‏.‏ أما ارتفاع أسعار النفط فإنه يؤدي لزيادة مدفوعات كل من إسرائيل ولبنان عن وارداتهما النفطية.
إن هذه الخردة الاقتصادية الأولية لخسائر كل من لبنان وإسرائيل تظهر الأثر المحدود علي القرار السياسي الإسرائيلي الذي ينطلق من اعتبارات عسكرية سياسية‏ نظرا لضمان إسرائيل لتدفق المساعدات الأمريكية التي تبلغ سنويا نحو‏7‏ مليارات دولار تحويلات لا ترد حتي الآن برغم كونها دولة غنية يبلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل فيها نحو‏18‏ ألف دولار تقريبا‏.‏وبالنسبة للبنان‏‏ فالعدوان الإسرائيلي قد قضى على كل ما جناه بعد سني الحرب الأهلية‏ وسيجعل التكلفة الاقتصادية للحرب هائلة ومدمرة لحياة اللبنانيين وبالذات الطبقة الفقيرة التي تشكل أكثر من 90% من الشعب اللبناني.
إن إعادة تعمير ما خربته آلة الحرب الإسرائيلية سيكلف المليارات والسنوات الطويلة،ونظرا لإمكانات لبنان المحدودة فإن الأمر يستلزم عناية عربية ودولية جادتين لإخراج لبنان مما هو فيه،فهل تصدق الوعود العربية والدولية أسئلة برسم إجابة المسؤولين عنها.