17‏/02‏/2008

هموم الخليج العربي ومستقبله الغامض


هموم الخليج العربي ومستقبله الغامض

د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
ثمة أربعة محاور مهمة تعتبر مفاتيح أساسية في فهم وتحليل الهموم الخليجية ولا يستطيع أي متتبع للأحداث في المنطقة تجاهلها أو القفز عليها.
أولى المحاور المهمة، هي دول مجلس التعاون الخليجي، باعتبارها الأكثر عددا والمحور الرئيس الذي تدور الخطط المستقبلية للمنطقة عليه، وباعتبارها أيضا الأسهل والأسرع إلى مسايرة الأحداث والتعاطي العفوي مع الأمر الواقع، أو بمعنى آخر ليست من تصنع القرار الإستراتيجي للمنطقة، ولكن يمكن أن تؤثر فيه بصورة أو بأخرى، وتلعب أدوارا معينة في صناعته.
المشكلة في الأمر أن منظومة دول مجلس التعاون الخليجي لا زال تعاملها مع أحداث المنطقة مطبوعا بالتباين ولا تستطيع اتخاذ موقف واضح جامع خاص بها، ويبدو ذلك خصوصا في قرارها السياسي للتعامل مع العناصر المهمة في المنطقة، خصوصا إيران والعراق، ومن ثم الولايات المتحدة.
فمن جهة تضغط الولايات المتحدة على دول المنظمة حتى لا ترضخ للضغوط الإيرانية من جهة، وحتى لا يؤثر الواقع العراقي الحالي عليها من جهة ثانية فترى المنظومة مختلفة تجاه هذين العنصرين، تريد أن ترضي نفسها والطرفين الإيراني والعراقي ومعهم جميعا الطرف الأميركي، الأمر الذي لا يمكن أن يحدث، نظرا لعدم وجود تلك التقاطعات المصلحية التي قد تساعد على ذلك.
الطرف الخليجي لا بد أن يكون أكثر وعيا وعمقا في التفكير السياسي العملي، وأن يبتعد عن التفكير القبلي في المسائل المتشابكة مع أطراف لا تتبع ذلك النوع من التفكير، إضافة إلى أهمية أن يتخلص من التفكير بالعقل الأميركي، فذلك عقل له مساراته وتشعباته ، ويختلف تماما عن ذلك العقل العربي الخليجي، ويختلف كذلك عن العقلية التي تفكر بها دولة مثل إيران أو دولة تعيش ظروفا غير عادية مثل العراق.
المحور الثاني في المسألة الخليجية هو إيران دولة أولا وعقيدة أو فكرا ثانيا. فالدولة الإيرانية اختلفت بشكل كبير عن تلك التي عرفها العالم قبل عشرين عاما من الآن، وصارت تتحرك اليوم بمنطق الدولة وليس الثورة، وإن كانت لا تزال دولة تسير بالأيدلوجيا الخاصة بها، والتي تعيش بسببها بين حين وآخر أزمات ومكدرات، ورغم ذلك فهي مازالت قادرة على التعاطي معها والتكيف بالشكل الملائم، الأمر الذي يبقي على تماسك الدولة بشكل عام.
أن دولة كبيرة مثل إيران، وبعد موقفين كبيرين تعرضت لهما خلال الربع قرن الماضي، وهما الحرب التي فرضت عليها مع العراق وموقفها في كارثة الخليج الثانية، عادت إيران قوة لا يمكن تجاهلها في المنطقة، لا من قبل الذين يشاركونها الجوار الجغرافي ولا من قبل الآخرين الراغبين في احتوائها، وعزلها عن التأثير على أي خطط إستراتيجية أو التأثير على القرار السياسي والاقتصادي الخليجي العربي.
إن دولة بإمكانيات إيران لابد أن تعمل دول منظومة الخليج جهدها في التعامل الدقيق المحسوب معها، والتفكير تجاهها وبما يتفق ومصلحة المنطقة، أي أن التفكير بالمنظور والعقل الأميركي في التعامل مع إيران، هو خطأ فادح ستتضرر منه دول المنظومة جميعا في وقت من الأوقات، عاجلاً أم آجلاً، هذه نقطة أولى.
أما النقطة الأخرى المهمة فتتمثل في أهمية تنبه عرب الخليج إلى أن من مصلحة المنطقة ككل تقوية علاقاتها مع إيران سياسيا واقتصاديا، مع عدم التركيز الشديد على الاختلافات الفكرية، باعتبار أن المصالح هي العامل المشترك في لغة السياسة.
المحور الثالث هو العراق. فعلى الرغم من واقعه الذي لا يحسد عليه أحد، فهو مازال ركنا ومحورا مهما في المنطقة. وحاله هذا لن يدوم، فلعل تغييرا يقع من داخله أو خارجه، يعيد هذا البلد إلى المجتمع الدولي أو إلى الحياة، بعد تحريره ويبدأ بممارسة دوره الكبير المؤثر في هذه المنطقة. نريد أن نقول إن رسم الخطط والسياسات لا بد أن يبتعد عن الاستناد إلى واقع العراق اليوم، فهذه واقعة مؤقتة تعتمد اعتمادا كبيرا على توجه الولايات المتحدة لأجل مصالح معينة،
أميركا هي المحور الرابع المؤثر، الدولة التي لها أهدافها وخططها الإستراتيجية ليس تجاه الخليج فحسب، بل في كل مناطق العالم المهمة والحساسة. تدرك تماما أنها ما جاءت إلى المنطقة بهدف حماية الأنظمة وشعوبها، وإنما جاءت لحماية ما تحت أراضي المنطقة من نفط هائل رخيص في تكاليف استخراجه، وسهولة تصديره، ولأن حماية تلك الثروة تتطلب غطاء مناسبا أو مبرراً معقولاً.
عوامل التأزيم الأميركي
تعتمد أميركا في تنمية حضورها بالمنطقة وضمان استمراره على دعوى الدفاع عن الأمن الخليجي وحماية دول مجلس التعاون خصوصا من أعداء متربصين بها هم تحديدا العراق وإيران.
أما الأول فهو العراق وقد حوصر عشر سنوات ومن ثم احتل ويمكن أن يمتد هذا الوضع إلى غد غير معروف، وصار هذا الاحتلال وسيلة مهمة للولايات المتحدة لتخويف المنطقة بأسرها من خطره، وبسببه يرسخ الأميركيون أقدامهم بالمنطقة ، وبسببه أيضا يتم إغراق واستنزاف دول الخليج بكافة أنواع الأسلحة الدفاعية، ورغم ذلك لن تتمكن من استخدامها وقت الحاجة.
والعامل الثاني الذي يتم التعامل معه بنفس الطريقة المتبعة مع العراق هو إيران، والأميركيون ينتهجون نفس الأسلوب مع عرب الخليج، حيث يتم تخويفهم وبشكل مستمر وبصور شتى من الخطر الإيراني المحدق بهم والمتأهب للانقضاض على المنطقة وثرواتها في أي لحظة تتاح له الفرصة، مع التأكيد الدائم على أن القوة القادرة على حماية الخليج من هذا الخطر هي القوة الأميركية فقط دون غيرها. وبتلك السيناريوهات تدير واشنطن العمليات في المنطقة، وتوحي لدول منظومة مجلس التعاون على وجه الخصوص باتخاذ المواقف المناسبة من العراق وإيران، وبالصورة التي تتوافق مع الرؤية الأميركية ومصالح واشنطن. وهذا هو المأزق الذي تعيشه دول مجلس التعاون، وهو الذي يجعل مستقبل منطقتهم شبه غامض وملامحه غير واضحة أو معروفة.
مما سبق نستطيع القول أن مستقبل الخليج أصبح بالفعل غامضا ، لا نستطيع التكهن به أو استشرافه بصورة واضحة وصحيحة. ولعل ما يساعد على نشوء واستمرارية الصورة الضبابية المتكونة حاليا حول مستقبل هذه المنطقة، هو تداخل الأطراف والسياسات والرؤى المتنوعة لكل طرف في الخليج، سواء دول منظومة مجلس التعاون الخليجي أو إيران أو الولايات المتحدة، وإن كانت الرؤى الخليجية والأميركية تتوافق كثيرا في موضوعات معينة، وتختلف أحيانا بعض الشيء وإن كان هذا الاختلاف ليس بالدرجة التي تتعقد الأمور بسببها بين الطرفين.
فمجلس التعاون الخليجي بواقعه السياسي وضمن إطار المجلس، صار أقرب ما يكون إلى تجمع احتفالي مظهري، وأعضاؤه غير قادرين على اتخاذ مواقف موحدة تجاه مهددات مستقبل منطقتهم. والرؤية الإستراتيجية البعيدة غير موجودة حقيقة، رغم أن العناصر المفكرة أو القادرة على التفكير تزخر بها دول المنطقة، ولكن مع ذلك لا يدري المجلس إلى أين هو سائر وماذا يريد، أو ماذا يراد له ؟
أما إيران فأحيانا لا تساعد أو تطمئن دول المنطقة ولا تزيل مخاوفها المشروعة، ولا تحاول أن تعطي الوجه المعاكس لما تروج له الولايات المتحدة عنها بين الخليجيين، فهي مازالت لا تريد أن تضع حدا لمشكلة الجزر مع الإمارات..
أما الولايات المتحدة، التي صار وجودها وبقاؤها في المنطقة لأمد طويل قادم، من الأمور المفروغ كما أن توجهات الأميركيين للبقاء كقطب أوحد في العالم، صارت تثير الكثير من المخاوف لدى دول المنطقة وشعوبها من أن تتحول منطقة الخليج إلى الولاية الأميركية الحادية والخمسين، يرسمون حدودها الجغرافية وفق ما يريدون، ويتصرفون في خيراتها كما يشاءون، دون أن يمنعهم مانع أو يقف في طريقهم أحد!
من كل ما سبق يمكننا القول، بأن بطء تحرك دول منظومة مجلس التعاون الخليجي نحو التعاون المثمر مع دول الاتحاد الأوروبي والصين، كنوع من التمهيد للتخلص من السيطرة الأميركية وعدم الرضوخ لمطالبها المتعددة، يزيد من تعقيد الأمور ويعمق من ضبابية الرؤية المستقبلية للأحداث في المنطقة. ولعل أحداث الحادي عشر من سبتمبر زادت من تعقيد الأمور في الخليج، وخصوصاً بعد أن دخل عربه في التحالف الأميركي لمحاربة ما يسمى بالإرهاب دون قيود وشروط. فهل يمكننا القول بأن منطقتنا صارت بالفعل مستعمرة أميركية تدار من البيت الأبيض، أم أنها ستكون قادرة على مواجهة التحديات. وتبقى رؤية مستقبل المنطقة ضبابية غير واضحة؟ ولذلك كما بات واضحا فالخليج جزء لا يتجزأ من الشرق الأوسط الكبير وفقا للاستراتيجية الأمريكية ولذلك لن ينعم بالاستقرار وسيظل موضع وموقعا كبيرا للتجاذبات الدولية.