17‏/02‏/2008

قمة الخرطوم وإصلاح جامعة الدول العربية

قمة الخرطوم وإصلاح جامعة الدول العربية
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني

في الواقع مرَّ النظام الاقليمي العربي بالعديد من التطورات الهائلة لا سيما في السنوات الماضية ما دفع بالعديد من الدول العربية والمنظمات المهتمة بالموضوع لطرح موضوع اصلاح الجامعة العربية على بساط البحث،ورغم الحاجة الماسة لهذا الاصلاح لم تكن الآمال المعقودة على الكثير من المشاريع المقترحة بالمستوى المطلوب،ذلك للعديد من الاعتبارات والاسباب.
فمنذ تولي عمرو موسى منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، تصاعد الحديث عن إصلاح جامعة الدول العربية باعتبارها مدخلا ـ من وجهة نظر بعض الدول العربية والأمين العام للجامعة ـ لتطوير العمل العربي المشترك، وأصبح بند إصلاح الجامعة بندا رئيسا في جدول أعمال أية قمة أو اجتماع عربي على مستوى الوزراء أو المندوبين الدائمين في الجامعة. وفي هذا السياق اجتمع وزراء الخارجية في القاهرة يومي 1 و2 مارس 2004 بمقر الجامعة بهدف مناقشة الأفكار والمبادرات المطروحة لتطوير الجامعة برئاسة وزير الخارجية المصرى السابق أحمد ماهر، فناقش الاجتماع ثلاث مبادرات أساسية هى:
- مبادرة الجامعة التى أعدتها الأمانة العامة والتى استخلصها الأمين العام من المبادرات السبع التى قدمتها كل من ليبيا، السعودية، قطر، السودان، الأردن، اليمن، مصر، فضلاً عن الأفكار أو المبادرات الكتابية الأخرى أو التعليقات التى أدلى بها المسئولون العرب للأمين العام أثناء جولاته فى البلاد العربية، والتى وضعها فى صيغ قانونية وتم إرسالها إلى جميع الدول العربية الأعضاء بالجامعة قبل بداية عام 2004. وقد شملت هذه المبادرة 9 بنود رئيسة تدمج القواسم المشتركة فى المبادرات المختلفة، إضافة إلى 9 ملاحق رئيسية هى: إنشاء البرلمان العربى، وإنشاء مجلس الأمن العربي، والنظام الأساسى لمحكمة العدل العربية، وتعزيز العمل الاقتصادى العربى المشترك، وتطوير المجلس الاقتصادى والاجتماعى، وإنشاء المصرف العربى للاستثمار والتنمية، وملحق خاص بنظام اعتماد القرارات فى الجامعة العربية، وملحق خاص بإنشاء هيئة متابعة تنفيذ القرارات، وإقامة المجلس الأعلى للثقافة العربية.
- المبادرة الثلاثية المصرية- السعودية- السورية المشتركة لإصلاح الجامعة العربية والمقدمة فى 25 فبراير 2004.
- المبادرة الخليجية التى أعلنها الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربى قبل انعقاد هذا الاجتماع مباشرة.وعلى الرغم من التأكيدات العربية حول أهمية إصلاح الجامعة والوقت الذي أنفقه العرب في مناقشة تلك القضية واقتراح البدائل لحلها، فقد أدت كثرة المقترحات والحساسيات أو التخوفات من جانب بعض الدول إزاء تنفيذ مقترح دولة معينة على اعتبار أن ذلك يعطيها ميزة ما في مواجهة بقية الدول، أدت إلى خلافات كثيرة بشأن مبادرات إصلاح الجامعة، ولعل ذلك كان أحد دوافع قيام الأمين العام للجامعة بدمج المبادرات في وثيقة واحدة على أمل أن تتفادى عقبة الحساسيات العربية. ومن ثم فقد شهد اجتماع وزراء الخارجية خلافا بين الدول العربية تركز بالأساس فى تحفظ وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجى على الورقة المصرية- السعودية- السورية المشتركة - المبادرة الثلاثية، واعتراضهم على مشروع تقدمت به مصر والسودان وسوريا واليمن لإنشاء برلمان عربى يتم تكوينه على أساس نائب لكل مليون نسمة. كما تحفظت كل من قطر والكويت واليمن على المبادرة الثلاثية باعتبار أنه لا يمكن الحديث عنها فى ظل وجود مبادرة جماعية من المفترض أن تكون جاهزة لتطوير العمل العربى المشترك، وظهرت خلافات أكثر حدة حول استبعاد المبادرة الثلاثية مقترح إقامة اتحاد عربى والذى طرحته ليبيا واليمن كبديل للجامعة العربية وليس تطويرها، وبرزت أيضاً خلافات حول اقتراح توقيع عقوبات على الدول التى لا تلتزم بقرارات الجامعة، وكذلك حول مقترح إنشاء مجلس أمن عربى، حيث رأى البعض أن هذا الاقتراح غير قابل للتنفيذ نظراً للمشكلات الحدودية بين عدة دول عربية. وفي مقابل هذه التحفظات على مبادرات التطوير، أقر وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم يومي 26 و27 آذار 2004 النظام الهيكلي للأمانة العامة للجامعة على أن يقدم الأمين العام تقريراً حول تطبيق نظام الهيكلة الجديد إلى قمة الجزائر 2005، كما تقررا تشكيل لجنة تحمل اسم وثيقة العهد بين القادة العرب بشأن إصلاح الجامعة العربية، وقد تم تضمين المبادرة الثلاثية في هذه الوثيقة. وقد لقيت هذه الوثيقة موافقة جميع الدول بعد إجراء التعديلات اللازمة. وكما هو واضح فإن مسائل مثل هيكلة نظام عمل الجامعة أو تشكيل لجان لمتابعة مسائل معينة لا تثير خلافات بين الدول العربية، أو على الأقل لا تثير الخلافات التي تؤدي إلى عدم الاتفاق، وذلك على عكس المسائل الخاصة بالتطوير والإصلاح الجدي على نحو ما طرح في مبادرات التطوير من الدول العربية المختلفة.
وفي محاولة للقفز على الإصلاح الحقيقي للجامعة وافق وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الاستثنائي في 13 و14 كانون الثاني 2005 على إنشاء برلمان عربى انتقالى لمدة خمس سنوات تبدأ من تاريخ أول انعقاد له ويتحول إلى برلمان دائم بعد نهاية هذه الفترة، كما تمت الموافقة على تعديل بعض بنود الميثاق التى تسمح بإنشاء البرلمان العربى. فهذه الخطوة ستكون محدودة التأثير على فعالية أداء منظومة العمل العربي المشترك، لاسيما في ظل ضعف أو غياب البرلمانات في معظم الدول العربية. وعلى الرغم من ذلك، فقد شهد هذا الاجتماع تطورا هاما في ملف إصلاح الجامعة، حيث وافق الوزراء على إنشاء آلية ما لتنفيذ القرارات الصادرة عن الجامعة العربية، وعلى تعديل قاعدة التصويت داخل الجامعة، بينما تم الاتفاق على تأجيل الاقتراح الجزائرى بتدوير منصب الأمين العام للجامعة.وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخطوة تعد استكمالا لما تم الاتفاق عليه في الدورة العادية لمجلس جامعة الدول العربية الـ 121 حول إصلاح هياكل الجامعة، والتي تمخضت عن وثيقة عهد وبلاغ التي تضمنت مسألة التنفيذ والالتزام بالقرارات ودعم التعاون الاقتصادي وكيفية تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه بالنسبة للقضايا محل الاتفاق، وترك النقاط محل الخلاف لحين معالجتها خاصة بالنسبة لمجلس الأمن العربي والبرلمان العربي ومحكمة الدول العربية، وهي نقاط رئيسة تتطلب تعديل ميثاق الجامعة العربية، وهو ما لم يستطع وزراء الخارجية الفصل فيه. ثم استكمل وزراء الخارجية هذه الجهود في دور اجتماعهم العادي رقم 123 بالقاهرة في 3 و4 آذار 2005 برئاسة وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربى، حيث وافق الوزراء على إنشاء هيئة لتنفيذ قرارات الجامعة العربية، كما وافقوا على الآلية الخاصة بقواعد التصويت من حيث المبدأ ورفعها إلى القادة والزعماء في قمة الجزائر، أما ما يتعلق بتفاصيل آلية قواعد التصويت والمعايير الخاصة بالمسائل الموضوعية التي تحتاج لثلثي الأصوات والإجرائية التي تحتاج إلى الأغلبية البسيطة فقد تمَّ الاتفاق على عرضها على اجتماع استثنائى لوزراء الخارجية قبل نهاية العام 2005، تمهيداً لعرضها على مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة فى دورتها العادية الثامنة عشرة بالخرطوم 2006.
وفي الواقع ان الانجازات المحققة حتى الآن وان كانت متواضعة جدا الا انها تبدو خطوة لا بد منها،فالاصلاح من الصعب تحقيقه بمعزل عن الكثير من القضايا المرتبطة به.فالجامعة العربية من حيث المبدأ هي انعكاس لواقع الدول المنضوية تحتها، وبالتالي ان الاصلاح يتطلب بالدرجة الاولى اقتناع هذه الدول باصلاح انظمتها السياسية قبل البدء في اصلاح المنظمة التي تجمعها،اضافة الى ان الآمال المعلقة على الجامعة هي اكثر بكثير من الصلاحيات الممنوحة لمؤسسساتها.وعليه فان عمليات الاصلاح تتطلب رؤية متكاملة واقتناع تامين بضرورة الاصلاح النوعي القابل للحياة، سيما وان المنظمات الاقليمية باتت تلعب دورا محوريا ومؤثرا في النظام الدولي السائد في ايامنا هذه.
ان أي محاولة جادة لتطوير الجامعة العربية وتفعيل العمل العربي المشترك، لابد ان تضع في اعتبارها عدة تحديات.
الاول هو التصدي لبعض الدول العربية التي لا تريد تفعيل دور الجامعة وتفضل أطرا ومؤسسات إقليمية على أطر ومؤسسات الجامعة العربية، فهناك دول عربية رفضت طرح خلافاتها على مؤسسات وهيئات الجامعة، وفضلت أن تطرحها على مؤسسات وهياكل إقليمية ودولية، كما أن هناك دولا كانت طرفا في أزمات إقليمية ودولية، ورفضت السماح للجامعة بلعب أي دور، كما رفضت أن تمنح الجامعة العربية مبادرات وأفكارا كان يمكن للجامعة أن تتفاوض حولها وان تتبنى موقفا يحمي الدولة العربية المعنية ولكن قيادة هذه الدول قدمت المبادرات لممثلي المنظمات الإقليمية أو الدولية.
الثاني ضرورة إصلاح مكونات النظام العربي، و تتمثل هذه المكونات في النظم الحاكمة التي ينبغي أن تكون ديمقراطية تؤمن بمشاركة شعوبها في إدارة المؤسسات، وتدخل بشكل طوعي منظومة التحديث الديمقراطي وتحترم حقوق شعوبها وكرامتها وتستجيب لمتطلباتها، وإصلاح الدول العربية والوحدات المكونة للجامعة كفيل بتوفير التناغم بين القمة والقاعدة.
والثالث إجراء نقد موضوعي لممارسات النظام العربي الرسمي واساليب عمله طوال الخمسين عاما الماضية بهدف تحديد مواطن الأخطاء والخلل، وهذه المسألة شديدة الأهمية حتى لايكون الإصلاح مجرد ترميم للواجهات دون إحداث تغيير جذري يكفل إقامة نظام عربي فعال وقابل للحياة ومواجهة التحديات.
ومهما يكن من خلفيات ومبررات الدعوة لاصلاح النظام الاقليمي العربي والاهداف المبتغاة منه، فثمة واقع ينبغي عدم تجاهله ويتمثل في عدم الرضوخ للضغوط الخارجية وبخاصة الامريكية الداعية الى عمليات الاصلاح وفقا للمنظور والرؤية الامريكية،اذ ان كثيرا من هذه الضغوط التي تمارس على الدول العربية حاليا هي من نوع الكلام الحق الذي يراد به باطلا.صحيح ان اوضاعنا ليست على ما يرام وان فيها من العيوب التي تجعل المرء ينظر مليا بوضع هذه الانظمة، الا ان المطلوب شيء والهدف غير المعلن شيء آخر.
ان قمة الخرطوم مدعوة الى التفكير مليا بأوضاع المؤسسة التي لا غنى عنها حاليا مهما كثرت الانتقادات لها،ومهما بلغت درجات الاهتراء السياسي فيها تبقى مؤسسة ينبغي الحفاظ عليها،كما ينبغي ان تكون الانتقادات التي توجه اليها من باب الحرص على اصلاحها وليس توجيه السهام لدفنها.فالحاجة ماسة للتجميع لا التفريق والتوحيد لا التقسيم.
ان امتنا العربية تمر اليوم في اصعب الظروف التي يمكن ان تمر بها اية امة، فالتحديات كثيرة ومتنوعة، ومن هنا لا ينبغي حصر قمة الخرطوم بالقضايا السياسية رغم اهميتها،فمعالجة المفاعيل الرجعية والمستقبلية للاءات الثلاث بعد قمتها في العام 1967 مهمة ،الا ان المهم ايضا اصلاح وتطوير وتفعيل المؤسسة التي ينبغي ان تظل الحضن الدافىء للجميع.