16‏/02‏/2008

العرب في نصف قمة ونصف مقررات!


العرب في نصف قمة ونصف مقررات!
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
كما قامت الجامعة العربية على قاعدة لا وحدة ولا افتراق، ظلت احدى مؤسسات التعاون الرئيسة فيها قائمة على نفس المبدأ ان لم نقل تراحعها الى مستويات دون التعاون ولو في حده الادنى.وعلى نفس القاعدة والمبدأ التأمت قمة تونس في نصف حضور ونصف قرارات، بحيث لا تغضب احدا ولا ترضي احدا.
فعلى الرغم من استثنائية الظرف العربي تاريخا وجغرافيا، لم ير بعض القادة العرب فائدة من حضورهم وربما كان الحق لجانبهم، فيما رأى بعضهم الآخر عدم الفائدة في متابعة اعمال القمة وكأن قدر العرب شعوبا وجماهير ان تظل اسيرة المزاج السياسي المتقلب تكيفا مع التطورات والظروف التي لا تعد ولا تحصى في تاريخنا العربي الحديث كما القديم.فما كان يؤمل من هذه القمة؟وهل باستطاعتها تقديم ما تطمح اليه جماهير انظمتها؟ او بمعنى آخر هل ان هذه القمة هي قمة الممكن ام قمة الوقت الضائع بانتظار احداث كبيرة منتظرة؟
ففي العراق حيث يمتزج الدم بالنار واللحم بالحديد، لم يجد من مقررات القمة الا الدعوة لانهاء الاحتلال " في اقرب فرصة ممكنة" وكأن اعلان الولايات المتحدة عزمها على نقل السلطة للعراقيين آخر حزبران القادم ، موعدا منزّلا لا لِبسَ فيه، لا تصريحا ولا تأويلا، وكأن العرب قد نسوا او تناسوا ، ان احتلال العراق بعكس ما يقال ، اول الدنيا وآخرها لدى الامريكيين. وأن مشروع الشرق الاوسط الكبير بداياته عراقية المركز والمنطلق ونهاياته عربية المساحة وقارية الاهداف، فهل لا يستحق العراق ان يكون ما خصه من مقررات بمستوى القضية؟ ام ان تعامل العرب مع" القضية العراقية" سيظل حدثا عابرا في التاريخ العربي كما غيرها من القضايا الكبيرة التي عمرها من عمر الكيانات السياسية في المنطقة؟.
اما في فلسطين حيث حفلات الابادة الجماعية المنظمة، لم يتغير المشهد العربي المتفرج لا كللا ولا مللا، ونالت القضية الفلسطينية نصيبها المعتاد من العبارات المتخمة بالرتابة، مع تسجيل الجديد منها معبرا عنه تأويلا بالدعوة الى تحييد المدنيين ،خوفا من ذكر المدنيين الاسرائيلئئيين والعمليات الاستشهادية الفلسطينية.
اما في سوريا ولبنان حيث لا زالت بعض الاراضي محتلة، والضغوط والعقوبات الامريكية جارية على قدم وساق، فنالا الدعم المعنوي المعتاد الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. وكأن تحرير الارض والتحرر من العقوبات والضغوط رأسماله كلام معسول وعبارات ووعود.
اما الجامعة العربية ومؤسساتها فحديث بلا حرج ،مؤسسة عمرها من عمر الازمات العربية وقضاياها، حتى باتت قضية بذاتها، وكأن العرب لا يدركون انها انعكاسا لواقع الانظمة المزري ، فلا حول ولا قوة لها ، وفي احسن الاحوال يترك لها مسائل متفق عليها من باب تحصيل الحاصل؛ فنالت هي الاخرى توقيعا وزاريا للتطوير والاصلاح على قاعدة مكره أخاك لا بطل.
ان انعقاد القمة بحد ذاته امر ايجابي بصرف النظر عن مقرراتها او نتائجها، الا انه يمكن تسجيل العديد من المسائل المتعلقة بها وأبرزها:
- ان الظروف الاستثننائية التي تمر بها الامة العربية لا سيما الضغوط الناجمة عن احتلال العراق وتداعياته، والوضع في فلسطين ، لا يبرر مقررات وخطوات الممكن، فالمواجهة ضد العرب جارية ومتتابعة بشراسة ، ومن هنا تبدو مقررات المواجهة والممانعة انجح في توفير المزيد من الوقت لتوفير الظروف الافضل للعرب.
- ان نصف الحضور الذي إلتأمت به القمة العربية يصف واقعا مريرا لشرذمة الموقف العربي ورؤيته للمشاريع المطروحة ، بدءا من الشرق الاوسط الكبير ،مرورا بمقررات مؤتمر القمة العربية المنعقدة في بيروت عام 2002 ، وانتهاء بقمم المجتمع المدني لا سيما قمة نصف المليون شخص في بيروت دعما للعراق وقبلها دعما للشعب الفلسطيني.
- ان الغليان السياسي التي تجلس عليه منطقة الشرق الاوسط، لا تبرر نصف قرارات تستبق ما هو آت من احداث تجبر العرب على تقديم المزيد من التنازلات، فكثيرا من القمم العربية التي عقدت قبل احداث هامة وبعدها ، بدء من قمة الخرطوم ولآتها الثلاثة المشهورة ، مرورا بقمة بغداد 1978 للتصدي والصمود وقمة الدار البيضاء 1982 ومشروع السلام العربي الذي سبق اجتياخ اسرئيل للبنان، وقمة شرم الشيخ لمكافحة "ارهاب" العمليات الاستشهادية .فهل استبقت قمة تونس ما هو آت من صيف حار على المنطقة؟ وهل ستكون قمة الجزائر في 2005 قمة ما تبقى من اوراق عربية تتهاوى واحدة تلو الاخرى؟
- ان الطلاق البائن بين الانظمة العربية وجماهيرها قد احرج كثيرين من القادة العرب، اذ بات اللحاق بمطالب الجماهير العربية امر يستلزم جهدا ومقررات مضاعفة الامر الذي يبدو صعبا ان لم نقل مستحيلا، لذا تبدو اياً من المقررات العربية هي تنازلات بطبيعتها مقارنة بالطموح الجامح للشباب العربي الذي وُلِدَ وترعرع على ازمات موروثة من الانظمة المتعاقبة.
ان الاوضاع التي تمر بها المنطقة العربية هي حرجة جدا وعلى مفترق طرق، فإما ستُجبر على المضي في تنفيذ اتفاق بوش - شارون وهواسوأ بالتأكيد من اتفاق سايكس- بيكو؛ واما على القوى الحية في المجتمعات والدول العربية ان تضع خارطة طريق لها بديلا من خرائط الطرق الامريكية ، عناوينها الاساسية الممانعة والمواجهة والمقاومة.هناك مثل عربي ذائع الصيت يقول : لا يضيع حق وراءه مطالب، واليوم نقول بكل تأكيد لا يضيع حق وراءه مقاوم.