14‏/02‏/2008

المفاوضات العربية الاسرائيلية القادمة :الواقع وشروط النجاح

\ المفاوضات العربية الاسرائيلية القادمة :
الواقع وشروط النجاح
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
ما المستجد إقليميا ودوليا لتحريك المفاوضات بين سوريا وإسرائيل في هذه الظروف بالتحديد؟ وهل أن مجمل المعطيات والوقائع ستؤدي إلى سلام دائم وشامل؟أم في أحسن الظروف ستكون تسوية الممكن على غرار التجارب السابقة بين إسرائيل وكل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية؟وبالتالي هل إن زمرة الليكود الحاكمة في إسرائيل مستعدة للسلام قبل دعوة سوريا للمفاوضات بدون شروط مسبقة؟وإذا جاز الاسترسال بالتساؤلات هل إن أوضاع كل من سوريا ولبنان مهيأة للانخراط في المفاوضات وفقا للرؤية الأمريكية – الإسرائيلية في هذا الشأن؟وإذا كان الأمر كذلك ما هي حدود التفاوض إن لم يكن هناك شروط لها؟ وأية شروط يجب توفرها للحد من استثمار الضغوط الثقيلة على لبنان وسوريا؟
من الواضح إن كثيرا من المتغيرات قد طرأت خلال العقد الماضي إن لجهة أطراف الصراع آو أوضاع المنطقة ككل،ومن الضروري إلقاء نظرة سريعة عليها لكي نضع الأمور في نصابها الصحيح لئلا نقع في فخ"الفزاعة " الأمريكية – الإسرائيلية أو ما يطلق عليه في علم المفاوضات والسياسة بـ "سياسة حفة الهاوية" وفي هذا الإطار يمكن إدراج التالي:
- في العام 1991 تمكنت إسرائيل من قطف النتائج السياسية لهزيمة النظام العراقي في حرب الخليج الثانية بعد غزوه الكويت،وجُرَ غالبية الدول العربية إلى مفاوضات ثنائية ومتعددة الأطراف،بعضها وصل إلى نهايات محددة كالمسار الأردني والآخر لا يزال يتخبط بين مسارات اوسلو1 و2 وربما المئة وخرائط للطرق تحتاج إلى خبراء في اقتفاء الأثر لتحديد معالمها.أما اليوم وبعد إسقاط النظام العراقي بحجة أسلحة الدمار الشامل والإرهاب، فيتم تعميم هذه الواقعة على مجمل الدول والقوى العربية والإسلامية التي لا تزال تمانع وتقاوم المشروع الأمريكي –الإسرائيلي في المنطقة.
- وفي نفس السياق أيضا تمّتَ التغطية السياسية لمؤتمر مدريد 1991 تحت مسمى سياسي عرف بمشروع الشرق الأوسط الجديد،واليوم أيضا وتحت نفس المسمى وإنما بأبعاد إقليمية ودولية أوسع تسعى كل من واشنطن وتل أبيب إلى تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير وبأهداف إمبراطورية أمريكية - إسرائيلية أوسع واشمل؛بمعنى إذا كان المطلوب في السابق قبول إسرائيل كدولة وكيان في النظام الإقليمي العربي،فبات المطلوب اليوم ذوبان الدول العربية في المشروع الأمريكي- الإسرائيلي.
- كان التحالف الاستراتيجي الأمريكي - الإسرائيلي في السابق أولوية دائمة على أجندة السياسة الخارجية للإدارات الأمريكية المتعاقبة جمهورية كانت أم ديموقراطية،بينما نرى اليوم اللوبي الصهيوني هو من يحكم الولايات المتحدة وسياساتها بواسطة المحافظين الجدد.وقد تبلورت هذه الرؤية وتجسدت في إعادة انتخاب جورج بوش لولاية ثانية وما بدأ به من تغييرات في إدارته،بحيث ستتسلم مهندسة وثيقة الأمن القومي الأمريكي،كونداليسا رايس، وزارة الخارجية،وما يعنيه من إزاحة آخر رموز الحمائم إن لم نقل الأقل صقورية بين الصقور،الأمر الذي سيرخي بظلال كثيفة جدا على أسلوب ومنهج إدارة "الصراع" العربي - الإسرائيلي أو بشكل أدق المفاوضات القادمة.
- لقد اتبعت واشنطن في خلال العقدين الماضيين سياسة الاحتواء للعديد من الدول والأزمات المتعلقة بها ومن بينها إيران وسوريا، فيما انتقلت في هذه الأثناء إلى سياسة المواجهة ومحاولة قلب الأنظمة.وإذا كان مقبولا سياسات المقايضة في بعض الملفات ذات الطابع الاستراتيجي،فباتت المقايضة حتى في الملفات ذات الطابع التكتي أمرا مستحيلا.وعلى نفس المبدأ إذا كان مقبولا للعرب والمسلمين المطالبة بحقوقهم المشروعة وفقا للأعراف والقرارات الدولية، فقد تحولت هذه الأداة عبر مجلس الأمن إلى وسائل فعالة لمحاربة هذه الحقوق؛بمعنى إن القرارات الدولية 181 و194 و242 و337 وغيرها المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي لم تعد ذات جدوى بعدما تم استصدار قرارات من نفس النوع والطبيعة كالقرار 1559،إذ تتم الضغوط والمحاربة بنفس الأدوات والأساليب.
- وإذا كانت بدايات المفاوضات العربية الإسرائيلية قد بدأت مع الأقل تشددا ودامت تسع سنوات مع السوريين للوصول لـ "وديعة اسحق رابين" ، فاليوم لم تستجب إسرائيل للدعوة السورية وان كانت شكلا من دون شروط مسبقة،فكم من الوقت ستستغرق عملية جلب الإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات،وهم في الأساس يعتبرون أنفسهم منتصرون في حرب العراق وعليه.
- وإذا كانت حجة الإسرائيليين وجود ياسر عرفات على رأس السلطة الفلسطينية كعائق أمام تنفيذ التزامات إسرائيل السابقة بدء من مسلسل اوسلو وانتهاء "بزوا ريب وأحجية " خارطة الطرق،فما هي أولوية شارون في المرحلة المقبلة،وهو المصر على تنفيذ الفصل من جانب واحد،في ظل نبوءة جورج بوش بتحقيق الدولة في نهاية عهده،ألا يعني ذلك التملص نهائيا من التزام تحقيق الدولة الفلسطينية في العام 2005؟!.
- وفي الجهة المقابلة إذا كانت سوريا راغبة في الدخول في المفاوضات من دون شروط مسبقة، لأنها تعلم تماما حجم الضغوط التي تمارس ضدها،وبالتالي حجم الشروط المطروحة أو التي ستطرح لاحقا،وهي بهذا المبدأ "الشرط " ضرب دبلوماسي بالغ الذكاء لتفادي الأسوأ من الشروط القادمة.لكن في مقابل ذلك إن تجربة سوريا الناجحة في تقطيع الوقت وسياسة النفس الطويل لمواجهة الضغوط هل ستؤدي إلى نهاياتها المرجوة في ظل هذه الظروف؟
- والى جانب سوريا هل بإمكان لبنان مواجهة ومجابهة القرار 1559 في ظروف ما تعتبره الأمم المتحدة من أن القرار 425 قد طُبق،وما هي السبل التي سيعتمدها لبنان لمواجهة سيل التقارير القادمة تنفيذا للقرار 1559 هل بلعبة الأعداد والإحجام الداخلية،أم بشيء آخر لن يكون من اختصاص الدولة اللبنانية.
إن جميع هذه التساؤلات ليس الهدف منها الترويع ولا العيش في جو "الفزاعة" الأمريكية الإسرائيلية ، صحيح أن تلك المتغيرات والعوامل السابقة تستدعي التأمل مليا بما يجب فعله، لكن الأهم هو رد الفعل الممكن والمناسب مع حقيقة الضغوط ومستوى إمكانية تنفيذ التهديدات.
فالولايات المتحدة لم تكن بعيدة يوما لا عن الشرق الأوسط ولا عن الخليج،فإذا كانت قوَّاتها تحتل العراق وقواتها بين سوريا وإيران، فقد جربت نفس القاعدة والمبدأ في العامين 1958 و1982 في لبنان ولم تتمكن من صياغة النتائج السياسية لهذين الانزالين.وإذا كان التصعيد الإسرائيلي قد زادت حدته تصريحا وتلميحا ،فسياسة الردع المتبادل لم تزل قادرة على تلبية الحاجات العملية لكل من سوريا ولبنان في مواجهة بعض أنواع التصعيد.
ومن هنا يمكن القول ليس المطلوب الهرولة إلى المفاوضات باعتبارها هدفا إسرائيليا ،وفي المقابل هناك واجب على سوريا ولبنان توفير سبل المواجهة لتفادي الخسائر الممكنة في هذه الظروف بالذات،فالمفاوضات ليست حنكة وحرفة دبلوماسية بقدر ما هي مجموعة وسائل من الممكن تدعيمها بمعطيات بعيدة عن طاولة المفاوضات ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- إعادة صياغة العلاقات اللبنانية - السورية على أسس تبعد سيف القرار 1559 عن لبنان وسوريا،إذ أن ظروف القرار 1559 ليست هي متطابقة مع ظروف القرار 520 مثلا. كما إن مفتاح تحريك الوضع في المنطقة سيكون تقرير مجلس الأمن القادم في مطلع نيسان 2005،وهي فرصة نوعا ما كافية لترتيب الوضع اللبناني قبيل أي مشاريع تحريكية مستقبلية.
- ثمة ضرورة لإعادة ترتيب العلاقات السورية واللبنانية الفرنسية،واستيعاب ما تريده فرنسا من تطبيق القرار 1559،بمعنى محاولة الفهم الدقيق لنقاط التقاطع الفرنسي - الأمريكي في القرار ،إذ يجب التفرقة بين ما تريده باريس وما تستغله واشنطن.وفي الإطار عينه ليس من مصلحة لا سوريا ولا لبنان اتخاذ مواقف سلبية من فرنسا على قاعدة إقحام العلاقات المتبادلة في المساحات الضيقة لمصالح بعض الأطراف اللبنانية إن كانت معارضة بالأصالة آو بالوكالة.
- واستنادا إلى ما سبق إن وضع الطرف العربي ليس بمريح إلا انه ليس بالضرورة يستدعي التسليم،فالسلام لا يزال بعيد المنال في المنطقة،قياسا على التجارب السابقة،وفي أحسن الأحوال هناك مشاريع تسوية ليست بالضرورة أيضا نهاية الدنيا والتاريخ، وانطلاقا من ذلك إن لبنان وسوريا هما بأمس الحاجة إلى طرف دولي داعم ولو كان بقدرات محدودة بمواجهة أمريكا،واعتقد بأن فرنسا قادرة إلى حد بعيد للعب مثل ذلك الدور ولها تجارب مماثلة وناجحة في مجريات كثيرة متعلقة بهذه الملفات.
- إن إعادة وصل ما انقطع من علاقة بين لبنان وسوريا وقيادة السلطة الفلسطينية في الداخل، أمر من شأنه تدعيم الموقف العربي في المفاوضات المفترضة،وأمر من شأنه عدم ترك الفلسطينيين لقمة سائغة في فم أرئيل شارون،فالمفاوض الفلسطيني بعد ياسر عرفات بأمس الحاجة لأي دعم ولو محدود من أي جهة كانت، فكيف إذا كانت المصلحة مشتركة بين كل من لبنان وسوريا والفلسطينيين.
- إن تمتين وحدة الصف الداخلي اللبناني بكافة تلا وينه السياسية كفيلة باحتضان المقاومة في لبنان، ما يجعلها المفاوض الأكبر في خيارات الحرب والسلم في المنطقة.إذ أن تجربة الاحتضان الرسمي والشعبي للمقاومة مكنها قبل تحرير غالبية الأرض في العام 2000 من فرض شروط كثيرة تتعلق باستمرار عملها كاتفاق نيسان 1996 مثلا،واستثمار بعض العمليات النوعية في حصد نتائج سياسية وعسكرية ذات معنى كمثال توازن الرعب على الحدود وتحديد الكثير من الأطر لإدارة الصراع بين المقاومة وإسرائيل.
إن الثابت في علم المفاوضات هو عدم تمكن الدول من تحقيق مكاسب تذكر في وضع اختلال موازين القوى الإقليمية والدولية،إلا أن الثابت الآخر في نفس المجال تمكن حركات المقاومة من تأمين مستلزمات الصمود في المفاوضات وعدم كشف أوراق المفاوضين دفعة واحدة،وبالتالي إن إمكانية نجاح أي مفاوضات مفترضة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار عدم التفريط بقوى المقاومة باعتبارها الاحتياط الاستراتيجي للمفاوضين.ومن هذه النقطة بالذات وتدعيما لهذه المقولة، نتساءل ببساطة السُذّج عن سبب إصرار إسرائيل على تفكيك القوى المقاومة كشرط مسبق لأي مفاوضات مقبلة.
إن رؤيتنا هذه ليست بالضرورة أن خيار المفاوضات هو مفتوح على مصراعيه، ثمة صعوبات جمة لإقناع شارون بها، سيما وان تجارب شارون واضحة في هذا المجال،بدء من دفرسوار سيناء في العام 1973 وصولا إلى اجتياح لبنان في العام 1982 ،فكيف وان شارون اشتهر بدمويته وخبرته في تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج،فهل إن إسرائيل مستعدة قبل سوريا ولبنان للمفاوضات؟ أم إن التساؤل لا زال قائما بين خيارات الحرب التي يريدها شارون وخيارات السلام التي يريدها العرب؟أسئلة كبيرة من المبكر الإجابة عليها.