الآثار المحتملة للعقوبات الاقتصادية على ايران
د.خليل حسين
أستاذ في كلية الحقوق بالجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
على الرغم من ان العقوبات الاقتصادية على ايران لا تعتبر شيئا جديدا يضاف الى نوعية العلاقات الايرانية مع الغرب وبخاصة الولايات المتحدة الامريكية،فلا زالت واشنطن تسعى بشكل جدي عبر مجلس الامن لولوج هذا الخيار،سيما وان قانون دامتو الذي فرضته على طهران لم يتمكن من تحقيق نتائجه المرجوة بفضل العديد من الاعتبارات التي ساعدت ايران على تخطية والافلات من آثاره.وبصرف النظر عن جدوى هذا الخيار فان الولايات المتحدة تعتبر هذا الخيار اهون الشرين مقابلة مع الخيار العسكري عير مضمون النتائج، لكن في المقابل تثار العديد من الاسئلة المتعلقة بآثار هذه العقوبات على الاقتصاد العالمي بشكل عام والاقتصاد الامريكي بشكل خاص.وهل من الممكن ان تذهب بعيدا بعد القوى الغربية في مسايرة الموقف الامريكي – الاسرائيلي في موضوع الملف النووي الى اقصى الحدود؟ وما هي قدرة ايران على الصمود في وجه العقوبات اذا ما فرضت؟ وما هي الوسائل التي يمكن ان تلجأ اليها لمواجهة هذه الخيارات؟.
صحيح ان هدف هذه الخيارات يكمن في حرمان طهران من الاستفادة من صادراتها النفطية وبالتالي من الحصول على العملات الاجنبية، الا انه في المقابل يثار التساؤل حول قدرة الغرب على تحمل غياب النفط الايراني اولا ومن ثم كذلك النفط العربي لاحقا،ان الامر متعلق بتحديد احتياطات النفط والغاز الايرانيين وكيفية توزعه على اقتصاديات العديد من دول الغرب.
ان انتاج ايران لاربعة ملايين برميل من النفط يوميا يضعها في المرتبة الرابعة بعد المملكة العربية السعودية ووسيا والولايات المتحدة، اذ يشكل الإنتاج النفطي الإيراني نحو5% من الإنتاج النفطي العالمي. وهي نسبة يصعب علي الاقتصاد العالمي الاستغناء عنها, وبخاصة ان الغالبية الساحقة من الإنتاج النفطي الإيراني تذهب للتصدير وتشكل نحو8.5% من الصادرات النفطية العالمية.
ثمة اسباب واعتبارات جوهرية ستؤثر على سوق النفط العالمي ومن بينها، الارتفاع الكبير في أسعار النفط في الأعوام الأخيرة التي تجاوزت 60 دولارا للبرميل في العام 2006، وكذلك استمرار العوامل المؤثرة في ارتفاع النمو الاقتصادي العالمي وما ترتب عليه من نمو سريع نسبيا في الطلب علي النفط، وكذلك تعطل صادرات النفط العراقية بالشكل المطلوب نتيجة الاوضاع الامنية،والتوترات الأمنية والعرقية والسياسية في العديد من البلدان المصدرة للنفط بما يثير المخاوف بشأن استقرار تدفقات النفط منها وكذلك الدور الذي تقوم به شركات النفط من أجل إبقاء أسعار الخام مرتفعة لتحقيق أرباح استثنائية خاصة بالنسبة للشركات التي تملك احتياطيات نفطية كبيرة من خلال اتفاقيات التنقيب والاستكشاف وتقاسم الإنتاج التي تبرمها مع العديد من الدول النامية المنتجة للنفط .
اما بالنسبة للغاز الطبيعي فإن إيران تصدر نحو80 مليار متر مكعب سنويا اي ما يوازي نحو3% من الصادرات العالمية . كما تأتي إيران في المرتبة السادسة عالميا في تصدير الغاز الطبيعي بعد روسيا و الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا والجزائر. وتأسيسا على ذلك فإن خروج الغاز الإيراني سيؤدي الى تضرر الاقتصاد العالمي بشكل لافت لا سيما اقتصاديات الدول التي تعتمد بشكل مباشر على الغاز الايراني..
إن غياب الغاز الإيراني وغياب نحو3.5 مليون برميل من الصادرات النفطية الإيرانية عن السوق العالمية سوف يشعل الأسعار, ويرتفع بها إلي مستويات قياسية جديدة قد تتجاوز مستوي 100 دولار لبرميل النفط،وعلى الرغم من ان الدول المستوردة ةفي طليعتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين واليابان وكوريا الجنوبية يمكنها ان تستخدم مخزوناتها التجارية والاستراتيجية من النفط لتعويض غياب النفط الإيراني ولتهدئة الأسعار, الا ان هذا الاستخدام له حدود، كما ان تضامن العرب في جنوب العراق مع إيران من خلال إشعال المقاومة ضد قوات الاحتلال الأمريكي ـ البريطاني وإيقاف صادرات النفط العراقي التي تتدفق عبر شط العرب, سيزيد الوضع تغقيدا في سوق النفط العالمي.
ان مخزون النفط العالمي الذي بلغ 4865 مليون برميل لن تكون كافية لاحتياجات الاستهلاك العالمي لأكثر من 60 يوما،كما ان امريكا الشمالية وأوروبا بمخزوناتها التجارية البالغة2201 مليون برميل لن تكفي لتغطية استهلاكهما الفعلي لأكثرمن ثلاثة اشهر كذلك. أما بعد هذه الأشهر الثلاثة فإن الاثر لن يكون ارتفاع الأسعار بصورة مذهلة فقط، بل سيكون الاثر مباشرا على الجهاز الإنتاجي وتغيير نمط الحياة المترفة في الغرب بتقليل الاعتماد علي وسائل النقل والأدوات والأجهزة المعتمدة علي النفط او علي توليد الطاقة . وهذا الوضع بالذات في جانبه المتعلق بتعطل قسم من الجهاز الإنتاجي يمكن ان يخلق حالة من الركود الاقتصادي العالمي،الرتبط بارتفاع الاسعار نتيجة ارتفاع اسعار النفط كمدخل رئيس في إنتاج عدد كبير من السلع والخدمات، ما يعني علي ظهور الركود التضخمي الذي يعد الحالة الأسوأ التي يمكن ان يواجهها أي اقتصاد.
أما بخصوص البلدان الأكثر اعتمادا علي النفط الإيراني كاليابان التي بلغت قيمة واردتها النفطية من إيران نحو 10 مليارات دولار عام2005، والصين التي زادت قيمة وارداتها النفطية من إيران علي 5 مليارات وجنوب إفريقيا التي تجاوزت قيمة وارداتها النفطية من إيران نحو3.3 مليار دولار، وكذلك كل من كوريا الجنوبية 3.1 مليار دولار , وتركيا 2.5 مليار دولار , وحتي بعض الدول الأوروبية مثل هولندا واليونان وفرنسا واسبانياجميعها ستتعرض لأزمات اقتصادية فعلية ةلن يكون بمقدورها تخطي هذه المصاعب في ظل الظروف الدولية الراهنة المحيطة بسوق النفط، وستكون السياسة المرجحة لمواجهة غياب النفط الإيراني هي تقليل الاستهلاك والتضحية ببعض عناصر الرفاهية وبالنمو الاقتصادي نفسه في بعض الحالات.
لقد حلت إيران حتي عام 1999 في المرتبة الخامسة بين الدول المالكة لأكبر الاحتياطيات النفطية في العالم بعد أربع دول عربية هي: السعودية والعراق والإمارات والكويت, لكنها تقدمت للمرتبة الثالثة عام 2000, ثم قفزت للمرتبة الثانية منذ عام 2003 وحتي الآن باحتياطي نفطي بلغ 125.8 مليار برميل تشكل نحو11.8% من إجمالي الاحتياطي النفطي العالمي. أما بالنسبة للاحتياطيات الإيرانية من الغاز الطبيعي فإنها تبلغ نحو 26618 مليار متر مكعب ، ما يشكل نحو15.5% من إجمالي الاحتياطي العالمي من الغاز, وبما يضع إيران في المرتبة الثانية عالميا بعد روسيا التي تحتل مركز الصدارة .ان هذه الاحتياطيات الهائلة من النفط والغاز تعني أن ايران تشكل ركنا اساسيا لاستقرار إمدادات النفط والغاز عالميا في الأجل الطويل. ما يعني ان أي حظر اقتصادي عالمي يشمل قطاع النفط والغاز لايمكن ان يكون إجراء طويل الاجل باعتبار أن العالم لا يملك بديلا من النفط والغاز الإيرانيين اللذين يشكلان نسبة كبيرة من إجمالي الاحتياطي العالمي.
ان شبكة العلاقات السياسية والتجارية التي تمكنت إيران من نسجها مع العديد من الدول المتقدمة والنامية قد مكنتها من وصول قيمة الواردات السلعية الإيرانية نحو38.3 مليار دولار عام 2004 منها 14.8 مليار دولار واردات قادمة من دول الاتحاد الأوروبي. كما تعد ألمانيا المورد الأول للسلع لإيران اذ بلغت قيمة الصادرات الالمانية نحو4.9 مليار دولار عام 2004. وفي العام نفسه بلغت قيمة صادرات فرنسا لإيران نحو 3.2 مليار دولار, وإيطاليا نحو3 مليارات دولار ،والصين نحو2.8 مليار دولار، وبلغت قيمة الصادرات الإماراتية لإيران نحو2.8 مليار دولار, والصادرات الكورية الجنوبية لإيران نحو2.4 مليار دولار، وبلغت قيمة صادرات روسيا لإيران نحو2.1 مليار دولار, وصادرات البرازيل 1.3 مليار دولار، وبلغت قيمة صادرات الهند نحو1.3 مليار دولار أيضا, وصادرات اليابان لإيران نحو1.2 مليار دولار في العام 2004. ومن المؤكد ان هذه الدول وشركاتها لها مصلحة اقتصادية كبيرة في عدم تعرض إيران لأي حظر علي صادراتها النفطية، باعتبار ان إيران إذا فقدت إيراداتها النفطية فلن يكون باستطاعتها تمويل وارداتها،وبالتالي ستتقلص وربما تنهار وارداتها من شركائها التجاريين الرئيسيين المشار اليهم.
أما لجهة قدرة الاقتصاد الإيراني علي التعامل مع أي عقوبات اقتصادية محتملة فتتوقف علي مدي تنوعه وحدود قدرته علي النمو الذاتي المتواصل. وتشير بيانات البنك الدولي في تقريره عن التنمية في العالم 2006 إلي أن الناتج القومي الإجمالي الإيراني قد بلغ نحو 154 مليار دولار عام 2004, وبلغ متوسط نصيب الفرد منه نحو 2300 دولار في العام نفسه. ووفقا لمعدل النمو الحقيقي للناتج الإيراني المقدر من قبل صندوق النقد الدولي, فإن الناتج القومي بالأسعار الجارية من المرجح ان يكون قد بلغ نحو 170 مليار دولار علي الأقل في عام 2005. اما الناتج القومي الإجمالي المحسوب بالدولار طبقا لتعادل القوى الشرائية بين التومان الإيراني والدولار، فبلغ نحو505 مليارات دولار, وبلغ متوسط نصيب الفرد منه نحو 7550 دولارا سنويا في عام2004 . كما تحقق إيران فائضا تجاريا كبيرا وفائضا في ميزان الحساب الجاري في ظل استمرار المستوى المرتفع لأسعار النفط والغاز اللذين يشكلان الغالبية الساحقة من صادرات إيران. وقد تراجعت الديون الخارجية الإيرانية كثيرا لتبلغ أقل من 10 مليارات دولار عام 2005, وهي ديون متواضعة للغاية لايمكن استخدامها كآلية للضغط علي إيران، وبخاصة ان الاحتياطيات التي راكمتها في ظل ارتفاع اسعار النفط في السنوات الأخيرة تمكنها من دفع هذه الديون إبشكل عام لو ارادت ذلك. وقد بلغ متوسط معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي الإيراني نحو6.4% سنويا في الفترة من عام 2002 حتي عام2005 وفق لبيانات صندوق النقد الدولي, وهو مستو لافت للنمو. أما معدل التضخم فما ازال عند مستويات مرتفعة حيث بلغ نحو18.5% في عام2005, ومن المتوقع ان يظل في العام الحالي عند نفس هذا المستوى.
أما ما يتعلق بمعدل تكوين رأس المال الذي يعني نسبة الاستثمارات الجديدة من الناتج المحلي الإجمالي, فقد بلغ 36% عام 2004 وهو معدل كبير يفوق المتوسط العالمي البالغ21% ويقترب من المستويات المتحققة في الاقتصادات سريعة النمو في شرق آسيا. وان كانت إيران تعاني من معدل مرتفع للبطالة بلغ12.3% في الفترة من عام 2000 إلى 2002,، كما تعاني من سوء توزيع الدخل حيث يحصل أغنى 20% علي نصف الدخل في إيران بينما يحصل80% من السكان علي النصف الباقي, ويحصل أفقر 10% من السكان علي مجرد 2% من الدخل الإيراني, ومقابل33.7% لأغنى 10% من سكان إيران. ويسهم قطاع الزراعة بنحو11% من الناتج المحلي الإجمالي, بينما يسهم قطاع الصناعة التحويلية بنحو13% منه, وتسهم الصناعات الاستخراجية بنحو 28% من هذا الناتج ويسهم قطاع الخدمات بنحو 48% من الناتج المحلي الإجمالي الإيراني. وهذا الهيكل للناتج المحلي الإجمالي الإيراني يعد نموذجا تقليديا لهيكل الناتج في دولة نامية.
ومن المؤكد ان الاقتصاد الإيراني المعتمد بشدة علي تصدير النفط والغاز سوف يتعرض لهزة عنيفة لو اتخذ مجلس الأمن قرارا يقضي بحظر استيرادهما من إيران, وذلك علي الرغم من كل المؤشرات الإيجابية في هذا الاقتصاد التي أشرنا إليها. لكن هناك الكثير من الشكوك المبررة تماما في أن يجرؤ أحد علي اتخاذ مثل هذا القرار الذي لن تستفيد منه سوى إسرائيل التي ترغب في ايقاف تنامي قوة إيران وعرقلة دخولها النادي النووي, وكذلك شركات النفط الأمريكية التي ستستفيد من إرتفاع أسعار النفط ومعها الدول المصدرة للنفط. وبالمقابل فإن الاقتصاد العالمي سيصاب بهزة عنيفة وستتعرض المصالح الاقتصادية للكثيرين من شركاء إيران الاقتصاديين في أوروبا وآسيا وبينهما دولة تملك حق النقض هي الصين, لضرر بالغ ليس من مصلحتهم التعرض له بأي حال من الأحوال.
ان الامر يبدو اكثر خطورة اذا ما تطوزت الازمة واتجهت الى الخيارات العسكرية فمن الممكن ان تشكل ايران تهديدا جديا لتدفق النفط العربي عبر الخليج ولحركة ناقلات النفط فيه، وعندها فإن الاقتصاد العالمي سيتعرض لصدمة كبيرة، فاللجوء لهذا الخيار العسكري يعد ضربا من الجنون, اضافة الى كونه عملا إجراميا ضد دولة مستقلة لها كل الحق في المضي قدما في برنامجها النووي السلمي، ما دام لم يتم إخلاء المنطقة برمتها من الأسلحة النووية وفي طليعتها الأسلحة النووية الإسرائيلية.
د.خليل حسين
أستاذ في كلية الحقوق بالجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
على الرغم من ان العقوبات الاقتصادية على ايران لا تعتبر شيئا جديدا يضاف الى نوعية العلاقات الايرانية مع الغرب وبخاصة الولايات المتحدة الامريكية،فلا زالت واشنطن تسعى بشكل جدي عبر مجلس الامن لولوج هذا الخيار،سيما وان قانون دامتو الذي فرضته على طهران لم يتمكن من تحقيق نتائجه المرجوة بفضل العديد من الاعتبارات التي ساعدت ايران على تخطية والافلات من آثاره.وبصرف النظر عن جدوى هذا الخيار فان الولايات المتحدة تعتبر هذا الخيار اهون الشرين مقابلة مع الخيار العسكري عير مضمون النتائج، لكن في المقابل تثار العديد من الاسئلة المتعلقة بآثار هذه العقوبات على الاقتصاد العالمي بشكل عام والاقتصاد الامريكي بشكل خاص.وهل من الممكن ان تذهب بعيدا بعد القوى الغربية في مسايرة الموقف الامريكي – الاسرائيلي في موضوع الملف النووي الى اقصى الحدود؟ وما هي قدرة ايران على الصمود في وجه العقوبات اذا ما فرضت؟ وما هي الوسائل التي يمكن ان تلجأ اليها لمواجهة هذه الخيارات؟.
صحيح ان هدف هذه الخيارات يكمن في حرمان طهران من الاستفادة من صادراتها النفطية وبالتالي من الحصول على العملات الاجنبية، الا انه في المقابل يثار التساؤل حول قدرة الغرب على تحمل غياب النفط الايراني اولا ومن ثم كذلك النفط العربي لاحقا،ان الامر متعلق بتحديد احتياطات النفط والغاز الايرانيين وكيفية توزعه على اقتصاديات العديد من دول الغرب.
ان انتاج ايران لاربعة ملايين برميل من النفط يوميا يضعها في المرتبة الرابعة بعد المملكة العربية السعودية ووسيا والولايات المتحدة، اذ يشكل الإنتاج النفطي الإيراني نحو5% من الإنتاج النفطي العالمي. وهي نسبة يصعب علي الاقتصاد العالمي الاستغناء عنها, وبخاصة ان الغالبية الساحقة من الإنتاج النفطي الإيراني تذهب للتصدير وتشكل نحو8.5% من الصادرات النفطية العالمية.
ثمة اسباب واعتبارات جوهرية ستؤثر على سوق النفط العالمي ومن بينها، الارتفاع الكبير في أسعار النفط في الأعوام الأخيرة التي تجاوزت 60 دولارا للبرميل في العام 2006، وكذلك استمرار العوامل المؤثرة في ارتفاع النمو الاقتصادي العالمي وما ترتب عليه من نمو سريع نسبيا في الطلب علي النفط، وكذلك تعطل صادرات النفط العراقية بالشكل المطلوب نتيجة الاوضاع الامنية،والتوترات الأمنية والعرقية والسياسية في العديد من البلدان المصدرة للنفط بما يثير المخاوف بشأن استقرار تدفقات النفط منها وكذلك الدور الذي تقوم به شركات النفط من أجل إبقاء أسعار الخام مرتفعة لتحقيق أرباح استثنائية خاصة بالنسبة للشركات التي تملك احتياطيات نفطية كبيرة من خلال اتفاقيات التنقيب والاستكشاف وتقاسم الإنتاج التي تبرمها مع العديد من الدول النامية المنتجة للنفط .
اما بالنسبة للغاز الطبيعي فإن إيران تصدر نحو80 مليار متر مكعب سنويا اي ما يوازي نحو3% من الصادرات العالمية . كما تأتي إيران في المرتبة السادسة عالميا في تصدير الغاز الطبيعي بعد روسيا و الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا والجزائر. وتأسيسا على ذلك فإن خروج الغاز الإيراني سيؤدي الى تضرر الاقتصاد العالمي بشكل لافت لا سيما اقتصاديات الدول التي تعتمد بشكل مباشر على الغاز الايراني..
إن غياب الغاز الإيراني وغياب نحو3.5 مليون برميل من الصادرات النفطية الإيرانية عن السوق العالمية سوف يشعل الأسعار, ويرتفع بها إلي مستويات قياسية جديدة قد تتجاوز مستوي 100 دولار لبرميل النفط،وعلى الرغم من ان الدول المستوردة ةفي طليعتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين واليابان وكوريا الجنوبية يمكنها ان تستخدم مخزوناتها التجارية والاستراتيجية من النفط لتعويض غياب النفط الإيراني ولتهدئة الأسعار, الا ان هذا الاستخدام له حدود، كما ان تضامن العرب في جنوب العراق مع إيران من خلال إشعال المقاومة ضد قوات الاحتلال الأمريكي ـ البريطاني وإيقاف صادرات النفط العراقي التي تتدفق عبر شط العرب, سيزيد الوضع تغقيدا في سوق النفط العالمي.
ان مخزون النفط العالمي الذي بلغ 4865 مليون برميل لن تكون كافية لاحتياجات الاستهلاك العالمي لأكثر من 60 يوما،كما ان امريكا الشمالية وأوروبا بمخزوناتها التجارية البالغة2201 مليون برميل لن تكفي لتغطية استهلاكهما الفعلي لأكثرمن ثلاثة اشهر كذلك. أما بعد هذه الأشهر الثلاثة فإن الاثر لن يكون ارتفاع الأسعار بصورة مذهلة فقط، بل سيكون الاثر مباشرا على الجهاز الإنتاجي وتغيير نمط الحياة المترفة في الغرب بتقليل الاعتماد علي وسائل النقل والأدوات والأجهزة المعتمدة علي النفط او علي توليد الطاقة . وهذا الوضع بالذات في جانبه المتعلق بتعطل قسم من الجهاز الإنتاجي يمكن ان يخلق حالة من الركود الاقتصادي العالمي،الرتبط بارتفاع الاسعار نتيجة ارتفاع اسعار النفط كمدخل رئيس في إنتاج عدد كبير من السلع والخدمات، ما يعني علي ظهور الركود التضخمي الذي يعد الحالة الأسوأ التي يمكن ان يواجهها أي اقتصاد.
أما بخصوص البلدان الأكثر اعتمادا علي النفط الإيراني كاليابان التي بلغت قيمة واردتها النفطية من إيران نحو 10 مليارات دولار عام2005، والصين التي زادت قيمة وارداتها النفطية من إيران علي 5 مليارات وجنوب إفريقيا التي تجاوزت قيمة وارداتها النفطية من إيران نحو3.3 مليار دولار، وكذلك كل من كوريا الجنوبية 3.1 مليار دولار , وتركيا 2.5 مليار دولار , وحتي بعض الدول الأوروبية مثل هولندا واليونان وفرنسا واسبانياجميعها ستتعرض لأزمات اقتصادية فعلية ةلن يكون بمقدورها تخطي هذه المصاعب في ظل الظروف الدولية الراهنة المحيطة بسوق النفط، وستكون السياسة المرجحة لمواجهة غياب النفط الإيراني هي تقليل الاستهلاك والتضحية ببعض عناصر الرفاهية وبالنمو الاقتصادي نفسه في بعض الحالات.
لقد حلت إيران حتي عام 1999 في المرتبة الخامسة بين الدول المالكة لأكبر الاحتياطيات النفطية في العالم بعد أربع دول عربية هي: السعودية والعراق والإمارات والكويت, لكنها تقدمت للمرتبة الثالثة عام 2000, ثم قفزت للمرتبة الثانية منذ عام 2003 وحتي الآن باحتياطي نفطي بلغ 125.8 مليار برميل تشكل نحو11.8% من إجمالي الاحتياطي النفطي العالمي. أما بالنسبة للاحتياطيات الإيرانية من الغاز الطبيعي فإنها تبلغ نحو 26618 مليار متر مكعب ، ما يشكل نحو15.5% من إجمالي الاحتياطي العالمي من الغاز, وبما يضع إيران في المرتبة الثانية عالميا بعد روسيا التي تحتل مركز الصدارة .ان هذه الاحتياطيات الهائلة من النفط والغاز تعني أن ايران تشكل ركنا اساسيا لاستقرار إمدادات النفط والغاز عالميا في الأجل الطويل. ما يعني ان أي حظر اقتصادي عالمي يشمل قطاع النفط والغاز لايمكن ان يكون إجراء طويل الاجل باعتبار أن العالم لا يملك بديلا من النفط والغاز الإيرانيين اللذين يشكلان نسبة كبيرة من إجمالي الاحتياطي العالمي.
ان شبكة العلاقات السياسية والتجارية التي تمكنت إيران من نسجها مع العديد من الدول المتقدمة والنامية قد مكنتها من وصول قيمة الواردات السلعية الإيرانية نحو38.3 مليار دولار عام 2004 منها 14.8 مليار دولار واردات قادمة من دول الاتحاد الأوروبي. كما تعد ألمانيا المورد الأول للسلع لإيران اذ بلغت قيمة الصادرات الالمانية نحو4.9 مليار دولار عام 2004. وفي العام نفسه بلغت قيمة صادرات فرنسا لإيران نحو 3.2 مليار دولار, وإيطاليا نحو3 مليارات دولار ،والصين نحو2.8 مليار دولار، وبلغت قيمة الصادرات الإماراتية لإيران نحو2.8 مليار دولار, والصادرات الكورية الجنوبية لإيران نحو2.4 مليار دولار، وبلغت قيمة صادرات روسيا لإيران نحو2.1 مليار دولار, وصادرات البرازيل 1.3 مليار دولار، وبلغت قيمة صادرات الهند نحو1.3 مليار دولار أيضا, وصادرات اليابان لإيران نحو1.2 مليار دولار في العام 2004. ومن المؤكد ان هذه الدول وشركاتها لها مصلحة اقتصادية كبيرة في عدم تعرض إيران لأي حظر علي صادراتها النفطية، باعتبار ان إيران إذا فقدت إيراداتها النفطية فلن يكون باستطاعتها تمويل وارداتها،وبالتالي ستتقلص وربما تنهار وارداتها من شركائها التجاريين الرئيسيين المشار اليهم.
أما لجهة قدرة الاقتصاد الإيراني علي التعامل مع أي عقوبات اقتصادية محتملة فتتوقف علي مدي تنوعه وحدود قدرته علي النمو الذاتي المتواصل. وتشير بيانات البنك الدولي في تقريره عن التنمية في العالم 2006 إلي أن الناتج القومي الإجمالي الإيراني قد بلغ نحو 154 مليار دولار عام 2004, وبلغ متوسط نصيب الفرد منه نحو 2300 دولار في العام نفسه. ووفقا لمعدل النمو الحقيقي للناتج الإيراني المقدر من قبل صندوق النقد الدولي, فإن الناتج القومي بالأسعار الجارية من المرجح ان يكون قد بلغ نحو 170 مليار دولار علي الأقل في عام 2005. اما الناتج القومي الإجمالي المحسوب بالدولار طبقا لتعادل القوى الشرائية بين التومان الإيراني والدولار، فبلغ نحو505 مليارات دولار, وبلغ متوسط نصيب الفرد منه نحو 7550 دولارا سنويا في عام2004 . كما تحقق إيران فائضا تجاريا كبيرا وفائضا في ميزان الحساب الجاري في ظل استمرار المستوى المرتفع لأسعار النفط والغاز اللذين يشكلان الغالبية الساحقة من صادرات إيران. وقد تراجعت الديون الخارجية الإيرانية كثيرا لتبلغ أقل من 10 مليارات دولار عام 2005, وهي ديون متواضعة للغاية لايمكن استخدامها كآلية للضغط علي إيران، وبخاصة ان الاحتياطيات التي راكمتها في ظل ارتفاع اسعار النفط في السنوات الأخيرة تمكنها من دفع هذه الديون إبشكل عام لو ارادت ذلك. وقد بلغ متوسط معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي الإيراني نحو6.4% سنويا في الفترة من عام 2002 حتي عام2005 وفق لبيانات صندوق النقد الدولي, وهو مستو لافت للنمو. أما معدل التضخم فما ازال عند مستويات مرتفعة حيث بلغ نحو18.5% في عام2005, ومن المتوقع ان يظل في العام الحالي عند نفس هذا المستوى.
أما ما يتعلق بمعدل تكوين رأس المال الذي يعني نسبة الاستثمارات الجديدة من الناتج المحلي الإجمالي, فقد بلغ 36% عام 2004 وهو معدل كبير يفوق المتوسط العالمي البالغ21% ويقترب من المستويات المتحققة في الاقتصادات سريعة النمو في شرق آسيا. وان كانت إيران تعاني من معدل مرتفع للبطالة بلغ12.3% في الفترة من عام 2000 إلى 2002,، كما تعاني من سوء توزيع الدخل حيث يحصل أغنى 20% علي نصف الدخل في إيران بينما يحصل80% من السكان علي النصف الباقي, ويحصل أفقر 10% من السكان علي مجرد 2% من الدخل الإيراني, ومقابل33.7% لأغنى 10% من سكان إيران. ويسهم قطاع الزراعة بنحو11% من الناتج المحلي الإجمالي, بينما يسهم قطاع الصناعة التحويلية بنحو13% منه, وتسهم الصناعات الاستخراجية بنحو 28% من هذا الناتج ويسهم قطاع الخدمات بنحو 48% من الناتج المحلي الإجمالي الإيراني. وهذا الهيكل للناتج المحلي الإجمالي الإيراني يعد نموذجا تقليديا لهيكل الناتج في دولة نامية.
ومن المؤكد ان الاقتصاد الإيراني المعتمد بشدة علي تصدير النفط والغاز سوف يتعرض لهزة عنيفة لو اتخذ مجلس الأمن قرارا يقضي بحظر استيرادهما من إيران, وذلك علي الرغم من كل المؤشرات الإيجابية في هذا الاقتصاد التي أشرنا إليها. لكن هناك الكثير من الشكوك المبررة تماما في أن يجرؤ أحد علي اتخاذ مثل هذا القرار الذي لن تستفيد منه سوى إسرائيل التي ترغب في ايقاف تنامي قوة إيران وعرقلة دخولها النادي النووي, وكذلك شركات النفط الأمريكية التي ستستفيد من إرتفاع أسعار النفط ومعها الدول المصدرة للنفط. وبالمقابل فإن الاقتصاد العالمي سيصاب بهزة عنيفة وستتعرض المصالح الاقتصادية للكثيرين من شركاء إيران الاقتصاديين في أوروبا وآسيا وبينهما دولة تملك حق النقض هي الصين, لضرر بالغ ليس من مصلحتهم التعرض له بأي حال من الأحوال.
ان الامر يبدو اكثر خطورة اذا ما تطوزت الازمة واتجهت الى الخيارات العسكرية فمن الممكن ان تشكل ايران تهديدا جديا لتدفق النفط العربي عبر الخليج ولحركة ناقلات النفط فيه، وعندها فإن الاقتصاد العالمي سيتعرض لصدمة كبيرة، فاللجوء لهذا الخيار العسكري يعد ضربا من الجنون, اضافة الى كونه عملا إجراميا ضد دولة مستقلة لها كل الحق في المضي قدما في برنامجها النووي السلمي، ما دام لم يتم إخلاء المنطقة برمتها من الأسلحة النووية وفي طليعتها الأسلحة النووية الإسرائيلية.