13‏/02‏/2008

العلاقات الروسية السورية:حاجة متبادلة ام تقاطع مصالح؟

العلاقات الروسية السورية:
حاجة متبادلة ام تقاطع مصالح؟
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
بيروت:13-1-2005

ما هي حدود الحلم الروسي الدفين،اهو العودة إلى الإرث السوفيتي ومحاولة الانتقال من مجرد دولة إقليمية كبرى غير فاعلة إلى دولة عظمى مؤثرة؟وإذا ما توفرت هذه الامكانات هل باستطاعاتها تحويل هذه القوى الى قدرة ذات نتائج قابلة للحياة على الصعيد العالمي؟وما هي الأبواب المتاحة لدخولها والقابلة للاستغلال في ذلك؟واذا كان الشرق الأوسط المعروف تاريخا وجغرافيا الباب الاسهل لتعزيز قدرات الدول على المستوى الدولي متاحا لموسكو،فهل ان البواية السورية تشكل مدخلا مناسبا لذلك؟وفي المقابل ما هي حدود النجاح والفشل في استغلال المصالح السورية والروسية المشتركة ؟
لقد حاولت موسكو استغلال الكومنولث الروسي كوسيلة لوراثة الاتحاد السوفيتي على الصعيد الدولي،وبصرف النظر عن الأهداف الحقيقية التي سعى إليها بوريس يلتسين في هذا الاتجاه أم لا،إلا إن حقبة فلاديمر بوتين قد تميزت عن سابقتها بعدد من الوجوه داخلية كانت أم خارجية وجميعها شكلت إطارا لرؤية روسية متجددة بلعب دور ما على الساحة الدولية بصرف النظر عن الحجم او الفاعلية.وفي الواقع شهدت السياسة الخارجية الروسية في الفترة الأخيرة تغيرا ملحوظا وبرزت باستقلالية نسبية تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية،بدء من معارضة الحرب على العراق عبر الاتفاق الثلاثي الذي جمعها إلى جانب كل من فرنسا وألمانيا في شباط 2003، مرورا برفضها توقيف العمل في مفاعل بوشهر الإيراني إلا بموجب قرار دولي عبر مجلس الأمن يؤكد امتلاك إيران لبرنامج نووي سري،وصولا إلى الموقف من التسوية العربية الإسرائيلية ورفضها لعزل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وجعل خارطة الطريق قرارا دوليا عبر مجلس الأمن.يضاف إلى ذلك موقف الدبلوماسية الروسية تجاه الملف النووي الكوري ومحاولة حله بعيدا عن الضغوط العسكرية.وفي الجانب الآخر استعادت موسكو مكانتها الدولية في سوق السلاح الدولي، وفتح أسواق جديدة بخاصة في آسيا، ما أدى إلى استئثار روسيا بحوالي 36% من إجمالي مبيعات العالم من الأسلحة خلال عام 2002، لتحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة ولتتقدم بذلك على غيرها من الدول الغربية بعد أن كانت تحتل المرتبة الرابعة عالميا بين مصدري الأسلحة بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وقد حظيت الهند والصين بحوالى 85% من الصادرات الروسية في هذا المجال.وقد أثارت هذه الاتجاهات العديد من التساؤلات حول حقيقة السياسة الخارجية الروسية وأبعادها الإقليمية والدولية،ولإيضاح ذلك يمكن إبراز بعض الحقائق منها:
- إن تفعيل السياسة الخارجية الروسية كان ثمرة جهود سعى إليها بوتين لإعادة مكانة روسيا الدولية في نظام دولي متعدد الأقطاب إلى جانب الولايات المتحدة،ولتأكيد هذا التوجه قام بعدة زيارات من بينها كوريا الشمالية وكوبا اللتين شهدتا أزمات قوية مع واشنطن في أثنائها،ما يؤشر الى محاولة الاستقلالية الروسية في رسم علاقاتها الخارجية بمعزل عن الأجندة الأمريكية.
- اقتناع بوتين بأن عودة روسيا الى الساحة الدولية تستلزم أولا وأخيرا الاعتماد على الذات وعدم طلب أي مساعدة اقتصادية من واشنطن أو الدول الصناعية السبع الأخرى، وبالفعل تحسن أداء الاقتصاد الروسي منذ عام 2000، بل حقق نمواً بنسبة 6.9% خلال الفترة من يناير إلى أغسطس 2003. وقد كان هذا التحسن وراء إعلان روسيا نيتها الالتزام بدفع الدين الخارجي المستحق عليها عن عام 2002 والمقدر بـ 17.3% مليار دولار. كما أعلنت إلغاء 35 مليار دولار من الديون المستحقة على الدول الأفريقية، وهو ما يعادل نصف ما ألغته الدول الدائنة الأخرى مجتمعة من الديون الأفريقية. وقد كان لهذا تأثيره المباشر في قبول العضوية الكاملة لروسيا في مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى لتتحول بذلك إلى مجوعة الثمانية في حزيران 2002، والتي سوف تتولى روسيا رئاستها وتستضيف قمتها في العام القادم.
- لقد وضع بوتين الاستقرار الاقتصادي والسياسي الداخلي في برنامج أولوياته، وسعى إلى توظيف السياسة الخارجية لخدمة الإصلاح الاقتصادي ما أدى إلى هيمنة الاعتبارات المصلحية وبخاصة الاقتصادية على أولويات السياسة الروسية. وكلما تعاظمت هذه المصالح، ازدادت فاعلية الدور الروسي ومحاولات التأثير والمناورة. كما أن روسيا مالت إلى ترجمة أهدافها ومصالحها إلى علاقات تعاونية تخدم مصالحها ومصالح الأطراف الأخرى، وهي في ذلك تختلف عن المنظور الامريكى القائم على محاولة الهيمنة.
ان مجمل هذه الاعتبارات السالفة الذكر تظهر ان روسيا في الوقت الراهن سائرة في تركيز أوضاعها الداخلية للانتقال بسياسة خارجية تمكنها من حضور دولي مسموع لا يصل إلى حد المواجهة أو المنافسة مع الولايات المتحدة، لذا من الصعب توقع دور روسي كالدور الذي كان يلعبه الاتحاد السوفيتي، ليس فقط لاختلاف المقومات والإمكانيات الروسية الحالية عن تلك التي كانت متاحة للاتحاد السوفيتي، ولكن، وهو الأهم، اختلاف رؤية القيادة الروسية الحالية للدور الروسي دولياً وإقليمياً، وربطها بين هذا الدور والمصالح الروسية، وانطلاقها من منظور تعاوني غير تنافسي مع الولايات المتحدة، وذلك خلافاً لرؤية القيــادة في فترة الاتحاد السوفيتي التي هيمن عليها الاعتبارات الإيديولوجية ومقتضيات المنافسة العالمية مع الولايات المتحدة.
إن المرونة التي أبدتها موسكو في التعاطي الأمريكي مع الملف الأفغاني بداعي أحداث 11 أيلول 2001 وما أعقبه من سلسلة اختراقات أمريكية لحدود روسيا الجنوبية،ومن ثم احتلال العراق،جعل روسيا تشعر بالطوق الذي يشد الخناق من الخارج،ويحاول الإجهاز عليها من الداخل عبر تحريك العمليات الإرهابية والملفات الانفصالية لا سيما الملف الاوكراني مؤخرا،لهذه الأسباب ولغيرها أيضا لم يعد للدبلوماسية الروسية سوى فتح منافذ جديدة ربما تعيد خلط الأوراق مجددا،ومن بينها إعادة الانفتاح على قضايا الشرق الأوسط وربما من البوابة السورية هذه المرة.وما يعزز هذا القول فتور العلاقات الروسية الإسرائيلية على قاعدة منشآت فوكس البترولية الروسية ذات الرأسمال اليهودي المتورط بفضائح ضريبية كبيرة،مضاف إليها ما يحكى عن صفقة الصواريخ الروسية لسوريا ودخول تل أبيب على الخط لمنعها إذا كانت موجودة فعلا،او لابتزاز مواقف مغايرة من روسيا.
ومهما يكن من أمر المتغيرات الطارئة في الشرق الاوسط تبقى هذه المنطقة بالتحديد موقعا وموئلا تجاذبته دول كثيرة طامحة للعب ادوار إقليمية ودولية مؤثرة،ويبدو إن موسكو تحديدا آخذة في هذا الاتجاه نظرا للحاجات والمصالح المتبادلة بينها وبين دول المنطقة وتحديدا سوريا ومن يتماشى مع توجهاتها،ويظهر ذلك جليا عبر العديد من المسائل منها:
- ان الانتشار الأمريكي الكثيف جنوب روسيا في العقد الاخير من القرن الماضي،تحوَّل في كثير من مواقعه إلى قوى احتلال بعد حروب إقليمية كبيرة خاضتها بغطاء دولي،كنموذج أفغانستان والعراق،الأمر الذي حوَّل هذه القوات إلى قوة تهديد للمصالح الاستراتيجية الروسية.ومن الزاوية عينها تشكل هذه القوات خطرا مباشرا على أنظمة دول المنطقة كنموذج سوريا وإيران.
- إن حاجة روسيا للنمو الاقتصادي المستمر للتخلص من سيف المساعدات الخارجية المشروطة،مرهون بحيازتها للعملات الأجنبية الذي لا يمكن إن يتأتى إلا من مصادر بيع الأسلحة لمن يحتاجها،وفي المقابل تبدو دول المنطقة مهتمة بهذا المجال لإعادة بعض التوازن المفقود أصلا في المنطقة.
- ان تعثر مشاريع التسوية ان لم نقل إحباطها في المنطقة بقوة الدفع الإسرائيلية الأمريكية بعد مؤتمر مدريد ومدرجاته،اتاح لبعض دول المنطقة ومنها سوريا،وكذلك للدول الكبرى ومنها روسيا وتركيا،إعادة رسم سياساتها وعلاقاتها من جديد،بدافع تقاطع المصالح السياسية والاقتصادية.فتركيا الباحثة عن دور ضائع منذ قرن تقريبا وجدت النزاع العربي الإسرائيلي مدخلا له في الآونة الأخيرة للتقرب من إسرائيل وسوريا،فيما التوجه السوري شمالا نحو أنقرة وعدم ممانعتها لهذا الدور لم ينسها المتابعة شمالا باتجاه موسكو،إما الأخيرة المتوجسة من إعادة إحياء دور تركيا على حدودها الجنوبية،فلن تألو جهدا في تجاوزها للوصول نحو مركز الجذب الإقليمي المتمثل بسوريا.
- إن محاصرة سوريا شرقا بالقوات الأمريكية ،وغربا بالقرار 1559 وجنوبا بإسرائيل وبنظام لا يؤتمن كليا إليه، حدا بالدبلوماسية السورية المضي قدما عن خيارات استراتيجية بعدما جربت البرغماتية لحقبة ما ولم تعد تجدي نفعا.وفي هذا الإطار إن العودة لفترة الثمانينات من القرن الماضي لمقاربة العلاقات السورية السوفيتية آنذاك وما تخللها من معاهدة صداقة هدفت دمشق من خلالها لإنشاء توازن استراتيجي مع إسرائيل،فهل تحاول دمشق العودة على بدء في هذا المجال وتكرار التجربة؟وهل ان موسكو ستخطو في الاتجاه نفسه أيضا؟ إن تقاطع المصالح بين الطرفين هو شرط لذلك، إلا انه في المقابل غير كاف،ويستلزم شروط إضافية استراتيجية أخرى وهذا ما أتينا عليه سلفا.
- ان اقتناع موسكو بأن المشروع الإمبراطوري الأمريكي لن يتوقف عند حدود أوروبا القديمة- الجديدة،بل سيتعداه إلى روسيا نفسها،ما أوجد نقاط تقاطع كثيرة مع رؤية بعض قوى المنطقة ومنها سوريا لمشروع الشرق الأوسط الكبير،المصنف كخريطة طريق لإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة برمتها.
- كما إن إخراج روسيا عمليا من عقود نفط العراق يشكل مناسبة هامة للانفتاح الروسي على دول المنطقة ومنها إيران والسعودية،وان ترتيب بيئة اقتصادية نفطية جديدة تسلتزم تركيز بيئة سياسية ملائمة من الضروري إن تكون دمشق من بينها بالنظر لعلاقتها مع طهران وموقعها بالنسبة للرياض.
لتلك الاعتبارات ولغيرها نجد ان هناك مصلحة روسية سورية مشتركة تتقاطع في الكثير من المحطات السياسية والاقتصادية وحتى في الحسابات الجيو سياسية،وهذا ما يستدعي تقوية العلاقات القائمة ومحاولة الاستفادة من بعض المتغيرات قدر المستطاع،فهل ستتمكن سوريا من تجاوز الألغام الإسرائيلية الأمريكية المزروعة على طريق موسكو؟ وهل سيقرأ الرئيس بوتين في نفس كتاب الرئيس الأسد في زيارته القادمة لموسكو؟إن الرئيسين مضطران للقراءة في كتاب واحد،إلا إن الامتحان الإقليمي والدولي هو الذي سيحدد مستوى نجاح او فشل هذه القراءة،وبقدر ما تكون القراءة هادئة ومعمقة يأتي حساب الحقل مطابقا لحساب البيدر!.