14‏/02‏/2008

قراءة في مشروع تنظيم الجامعة اللبنانية

قراءة في مشروع تنظيم الجامعة اللبنانية

الدكتور خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب

شهدت الجامعة اللبنانية تطورات هامة خلال الخمسين سنة من حياتها، فتعددت كلياتها ومعاهدها واختصاصاتها وفروعها وتوسَّعت هيئاتها التعليمية والإدارية وبات طلابها يشكلون 71 الف من إجمالي طلاب التعليم الجامعي اي ما نسبته 60% في لبنان. وترافق التوسع الكمي تطور نوعي في اكثر من مجال أكاديمي عزز موقع الجامعة اللبنانية في نطاق التعليم الجامعي في لبنان. غير ان التوسع الكمي الهائل في حجم الجامعة والذي تمَّ في ظروف استثنائية كالحرب وما بعدها، انتجت مجموعة من الإختلالات البنيوية والاكاديمية التي شوَّهت الى حد بعيد الأوجه الايجابية في حياة الجامعة اللبنانية.
ان موقع الجامعة اللبنانية ودورها وحجمها في الحياة العامة يفرض معالجة الإختلالات بهدف تمكينها من ممارسة دورها بشفافية وفعالية. وهذه الإختلالات متعددة الأوجه بعضها قانوني وتنظيمي وبعضها مالي وبعضها أكاديمي وبعضها اجتماعي وسياسي ؛فالمشكلات والتحديات التي تواجهها معروفة وجرى تشخيصها وبحثها في العديد من المؤتمرات والأبحاث. وبالرغم من وعي الدور المركزي للجامعة في المجتمع، ومن الدعوات العديدة لتعزيزها وتفعيل دورها والصادرة عن كل المراجع الرسمية والأهلية المعنية، فان الجامعة ما زالت بحاجة إلى رعاية وعناية كبيرتين لا سيما في المجالات المالية والإدارية والأكاديمية. كما وتتطلب معالجة قضاياها عبر تصور عام لدورها الأكاديمي والوطني وإطار عام شامل للإصلاحات المطلوبة في المجالات الأكاديمية والإدارية والمالية وأوضاع الهيئات التعليمية والإدارية وشؤون الطلبة والبيئة التعليمية من أبنية وتجهيزات وتسهيلات على ان المعالجات الجزئية لن تجدي نفعا لقضية وطنية بحجم قضية الجامعة اللبنانية.فهل أتى مشروع تنظيم الجامعة اللبنانية لبسهم في حل تلك المشكلات ام لا؟ ان قراءة موضوعية تلقي الضوء على العديد من النقاط الواردة فيه.ومهما يكن من أمر لا بد من تسجيل بعض الأمور ومن بينها:
- ان أهمية المشروع يأتي. من كونه سيكون وريثا للقانون الذي ما زال معتمدا في الجامعة منذ 39 عاما اي القانون رقم 75/67.
- يفتح المشروع النقاش واسعا حول إزالة المعوقات في وجه مؤسسة تحتضن حوالي 60 بالمئة من طلاب التعليم العالي وتملك 17 وحدة ما بين معهد وكلية، إضافة إلى 55 فرعا منتشرة على الأراضي اللبنانية كافة بدءا من الجنوب وصولا إلى الشمال.
- ينبغي الملاحظة أن المشروع ليس هو الاول من نوعه. اذ من المهم التذكير ان عدة مشاريع وضعت ودفنت قبل أن ترى النور،اما بفعل القرار السياسي أو بفعل الخلافات التي اثيرت بين أهل الجامعة والمعنيين بشؤونها من مسؤولين وغيرهم.
- يأتي المشروع للبناء على الأمر الواقع القائم، خلافا للقانون السابق. أي ان الجامعة اللبنانية خلال مسيرتها منذ حوالي ستين عاما، وصولا إلى الأربعين عاما التي عاشتها في ظل النص، باتت تملك تجربتها الخاصة الايجابية منها والسلبية، وهي بطبيعة الأمر رصيد يمكن البناء عليه والاستفادة منه.
وفيما يختص بوجهات النظر حول المشروع من قبل المعنيين به من أساتذة وقوى سياسية داعمة لهم، فيمكن ملاحظة التالي:
- وجهة نظر ترفض من الناحية المبدئية الدخول في نقاش المشروع قبل صدور مشروع قانون المجالس التمثيلية العالق في مجلس النواب منذ اربعة أعوام.
- وجهة ثانية تعتبر المشروع واسعا ومتشعبا ويقود إلى مزيد من الروتين الإداري ويفاقم الوضع الراهن، علماً إن روحية المشروع لافتة وتستند الى مبدأ انتخابي ويتخوف أصحاب هذه الوجهة من تعقيدات إضافية متعلقة بالروتين الإداري وغيرها.
- وجهة ثالثة تعتبر ان الاشكالية الاساسية في المشروع في انها تزيد من حدة االمستويات في اتخاذ القرار الاكاديمي، علما انه في غالبية جامعات العالم ذات الشأن تعتمد على ثلاثة مستويات هي: مجالس الجامعة، الكلية والقسم. بينما المشروع يقترح خمسة مستويات. كما يؤخذ على المشروع إقامة خمس وحدات تحت عنوان التقارب أو التجاور ما يؤدي إلى إرباكات كبرى.
- وجهة رابعة تصف المشروع بالمعقد الذي يتطلب الكثير من المراسيم للشرح، ما يؤدي إلى ضياع المسائل وتعذر تبيان الحدود والصلاحيات. هذه الوجهة تتخوف من عواقب المركزة المطلوبة، وهذه تؤثر سلباً كما هو واقع الحال، فيما ستصبح مستقبلاً أشد تأثيراً على تسيير العمل. إذ أن كل معاملة تحتاج إلى مراقبة مما يؤدي إلى تأخرها وعدم حصولها على الوقت الكافي لدراستها.
إن القراءة الدقيقة والموضوعية في نصوص المشروع المقترح تقودنا إلى تسجيل العديد من الملاحظات أبرزها:
- أتى في المادتين (6) و (7) في مقدمة المشروع حول دور الجامعة " مواكبة أهم المشكلات والخيارات المتداولة لمواجهتها في الإقليمين" الحضاري والجغرافي اللذين ينتمي اليهما لبنان والمشاركة في ترشيد التعامل معها بالبحث وباقتراح الخطط والحلول".و" تتبع الظواهر العامة والخيارات الاستراتيجية المتصلة بمصير الحضارة والبيئة البشريتين وبمسائل الحرب والسلام".ثمة لَبس وغموض في المفاهيم أية حضارة المقصود بها هل هي العربية او غيرها؟وما هي علاقتها مثلا بالتعددية أو التعايش أو حوار الحضارات أو صدامها؟ وما هو المقصود بالجغرافي هنا؟ أهو المحيط العربي أم الشرق أوسطي سيما إذا تمَّ ربطه بالخيارات الاستراتيجية التي على الجامعة تتبعها لجهة خيارات الحرب والسلام؟ كما اتى في المشروع.
- حول إدارة الجامعة يلاحظ استحداث نواب للرئيس ورؤساء وحدات وعميد بحث ونائب عميد، فالمهام تكاد تكون متشابهة بشكل لافت إلا من الناحية التراتبية والصلاحيات. كما يلاحظ في المادة (32) توسيع صلاحيات مجلس الجامعة لجهة التقرير على حساب صلاحيات الرئيس، ما يؤدي إلى صعوبة اتخاذ القرارات.كما يلاحظ في المواد (43) و(58) و(81) و (64) تشابهاً وتكراراً في الصلاحيات بين رئيس الوحدة والعميد ونائبه. وكذلك في مهام مجالسهم دون التقرير أو الفصل بينها.
- في مهام سلطة الوصاية يلاحظ في المواد (10) و (11) و (12) و(13) التي ترتبط بالتعيينات في عدة مستويات كالرئيس ورئيس الوحدة والملاك وعميد البحث، وبتوقيع وزير الوصاية أيضا، العمداء، اختيار الباحثين، الإفادات الشهادات المادتين (42) و(54). وكذلك في الرقابة على مالية الجامعية. أن مبدأ الاستقلالية والرقابة الذاتية لجهة الشفافية والأكاديمية ما زالت غير واضحة المعالم، وهي تعيق تطوير الأداء الجامعي وتجعله أكثر ارتباطاً بالسياسة والمحاصة.
- في المواد (38) و(41) و(42) لا توجد خيارات أو ترشيحات لتعيين مدير البحث بل يعتمد على اقتراح عميد البحث، وهذا يعطيه سلطة انتقائية واستنسابية. وينطبق الأمر نفسه على اختيار الباحثين أيضا.
- في الهيئة التعليمية ثمة عدة ملاحظات منها، الفقرة الخامسة من المادة (76) "تقتصر مهام المتعاقدين بالساعة على التعليم والمهام المرتبطة به على أن لا تتجاوز الأنصبة المخصصة لهم نسبة تحدد في نظام كل كلية".فما المقصود بتحديد الأنصبة في كل كلية وماذا إذا تقرر حدا أقصى لا يساوي النصاب القانوني لإمكانية التفرغ؟.وفي المادة (78) تمَّ تقسيم رتب الأساتذة إلى فئتين في رتبة الأستاذ المشارك والأستاذ وربطها بسنوات التدريس والأبحاث،وهو أمر جيد ومطلوب لما شاب هذه العملية من شوائب في الفترات الماضية، والعبرة تكمن في الجهة المخولة لهذا التقويم وصلاحياتها ونزاهتها ومكانتها العلمية.
- إن الفقرة (2) من المادة (79) " يخضع التعاقد بالتفرغ لشرط استيفاء مواصفات الأستاذ المساعد ويتم ذلك من خلال مباراة مفتوحة على أساس الألقاب" .إن خضوع الأستاذ الجامعي لشرط المبارة للدخول إلى الملاك تجعل منه موظفا كسائر الموظفين وتنفي عنه صفة الأكاديمي.
- تعطي المادة (84) حقا للأساتذة في الملاك أو المتفرغين" كأعضاء غير متفرغين في مجالس إدارة المؤسسات العامة والمصالح المستقلة أو اللجان المتخصصة التي تشكل في الإدارات العامة".وهاتين الفئتين من الأساتذة التي يجاز لها ينبغي توافر رتبة معينة فماذا لو كان في الملاك أو التفرغ في الفترة الانتقالية وهو معين في أحدى هذه المؤسسات؟ وهل إدارة المجالس توجب الرتبة الأكاديمية الأعلى؟ وماذا لو لم تكن موجودة في بعضها؟
- ثمة علامات استفهام حول الفقرة الثالثة من المادة (11) "فتح دورات دراسية خارج نطاق العام الدراسي، على ان لا تدخل في احتساب الأرصدة والمقررات المحددة" وبما انها دورات غير محددة لجهة عدد الاختصاصات او غايتها فمن الممكن استغلالها بهدف التعاقد المفتوح حسب رغبة أهل الحل والربط في الجامعة.
- كما تثار ملاحظات لافتة على المادة (79) التي تشير الى "الاستعانة بأفراد الهيئة التعليمية للقيام بأعمال إدارية او فنية" لجهة امكانية استخدامها من اصحاب القرار في الجامعة عبر تكليف اساتذة بمهام ادارية لا اكاديمية ربما تصل الى اعمال الاستكتاب او الصيانة مثلا وما الذي يمنع ذلك في بلد كلبنان؟.
- في مجلس الجامعة كما ورد في المادتين (95) و(96) " يمارس مجلس الأمناء دوراً استشارياً ومعنوياً داعماً للجامعة ولمتطلبات تطورها" فما هي حدود الدور الاستشاري والمعنوي،وهل هي مقدمة لوضع سلطة فوق مجلس الجامعة؟
ثمة العديد من الملاحظات الصغيرة المتعلقة بالرقابة وغيرها لم نسردها في هذه العجالة، إلا أننا وبهدف الإسهام في تقويم الوضع نقترح التالي :
- إلغاء وظيفة نواب الرئيس وربطها فقط بالشؤون الإدارية على إن يبقى نائب واحد.
- تعزيز صلاحيات مجلس الجامعة باعتباره أعلى سلطة في الجامعة
- ربط التعاقد بمجلس الكلية والتفرغ بمجلس الجامعة والملاك بمجلس الوزراء.
- إنشاء مراكز أبحاث في الفروع.
- إعادة النظر في تقسيم الكليات والمعاهد ضمن الاختصاصات المتشابهة.
- إنشاء مراكز أو معاهد متخصصة للدراسات العليا.
- إنشاء مجمعات جامعية في المناطق.