14‏/02‏/2008

الاجتماع الثاني عشر للجنة التنفيذية بمنظمة المؤتمر الإسلامي



ورقة عمل
الاجتماع الثاني عشر للجنة التنفيذية الاتحاد مجالس الدول العربية
بمنظمة المؤتمر الإسلامي
بيروت:27-28-2-2005

اعداد:الدكتور خليل حسين
بيروت:11-12-2004

تواجه الأمتين العربية والإسلامية تحديات هائلة كما دولها التي تتعرض لضغوط لم يسبق لها مثيل،ففي فلسطين حيث انتهكت الأرض واستبيحت القيم والشعائر الدينية بفعل الغطرسة الإسرائيلية وتماديها في اغتصاب الحقوق المشروعة التي كرستها المواثيق والأعراف الدولية،فالقدس مهبط الرسالات السماوية تتعرض للتهويد والحرم القدسي تتهدده المشاريع والأطماع الصهيونية،والأرض تقطع وتقسم وتصادر بفعل الجدار العنصري،والشعب الفلسطيني كله في معتقل كبير حيث الممارسات غير المشروعة التي لا يقرها شرع ولا قانون،وسط تهرب إسرائيلي واضح من كل مشروع تسوية يطرح من هنا او هناك،وفي وقت لا زالت الحكومات الإسرائيلية تبني المزيد والمزيد في ترسانات الأسلحة غير التقليدية مع رفض قاطع لكل الاتفاقات الدولية التي ترعى مثل تلك الحالات والإصرار على عدم إخضاع منشآتها للرقابة الدولية.
وفي المقلب الآخر للدول العربية والإسلامية هناك العراق النازف، حيث يختلط اللحم بالحديد والدم بالنار،وسط احتلال لا أفق له، وفي وقت يحتاج الشعب العراقي لأي مساعدة للخروج مما يعاني منه.وبين العراق وفلسطين وعلى امتداد مساحات كبيرة من الدول العربية والإسلامية حيث مقاومة الاضطهاد والاحتلال تحاول الكثير من القوى المزج بين المقاومة والإرهاب لغاية في نفس يعقوب كما يقال.
وبين هذا وذلك،متغيرات كبيرة في النظام العالمي وادواته حلت على منطقتنا ،نظريات تروج لأساليب ومبادئ ومدارس اقتصادية ومالية، يقابلها عقائد وطروحات تدعو لصراع الحضارات وتروج لمفاهيم وعقائد بعيدة كل البعد عن قيمنا ومبادئنا العربية والإسلامية.
فأين نحن اليوم من كل ما يجري فينا وعلينا؟ وما هو ردنا على ذلك؟وما السبل الكفيلة بتحقيق ما نصبو إليه؟ ألسنا امة حكمت العالم يوما بالقلم والحرف؟ وألا تستحق شعوبنا ان تدفع عنها ما يفترى عليها به؟ان دورتنا هذه معنية بالإجابة على الكثير من التحديات التي نأمل ان نوفق بها.

اولا: اغتصاب الأقصى.. الجذور والأسباب
الحرم القدسي الشريف والمقدسات المسيحية والإسلامية في القدس القديمة، كانت وما زالت موضوع المعركة الراهنة، في الصراع العربي الاسرائيلي الممتد، وهي معركة بدأت مباشرة مع مفاوضات الوضع النهائي في عملية التسوية ، وقد خطط لها التحالف الإسرائيلي- الأمريكي منذ بدء العملية وأطلق عليها اسم "سلام الشرق الأوسط" وباشرت الإدارة الأمريكية تنفيذها في مؤتمر مدريد في 30/10/1991.
هدف التحالف الإسرائيلي- الأمريكي الرئيس في هذه المعركة هو اغتصاب الحرم القدسي الشريف، وفرض السيادة الإسرائيلية عليه. وقد تجلى هذا الهدف بجلاء في مفاوضات "كامب دافيد" الثانية التي جرت بين 11 و25/7/2000.
وتكشف التقارير عن أن الرئيس الامريكي انذاك بيل كلينتون لم يتخل عن أفكاره بشأن الحرم القدسي التي طرحها في "كامب دافيد" وعن طلبه نقل المسجد من مكانه لتمكين الإسرائيليين من إقامة الهيكل في مكانه!على الرغم من الغضب العربي والإسلامي الذي واجهه.ا
وتلبس اسرائيل جريمتها وحربها ثوبا دينيا، فيعبئ اليهود في اسرائيل وخارجها على شعار إعادة بناء هيكل سليمان والذي يسمى الحرم القدسي "جبل الهيكل"،ويقف وراء ذلك ثلاثة اسباب:
- الأول اقتصادي؛ عبر تحكم اسرائيل والسيطرة على الحج المسيحي وزيارة المسلمين إليها لتقديس حجهم، وهذا يعني ثروة طائلة مالية تأتي من المسلمين والمسيحيين فضلا عن السياحة العالمية.
- الثاني سياسي؛ يتمثل في جعل القدس القديمة بمكانها المتميز وتاريخها الممتد عاصمة إسرائيل "الأبدية.
- الثالث تاريخي؛ متصل بالصراع الحضاري، فاغتصاب الحرم القدسي، والسيادة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في بيت المقدس يرمز إلى انتصار الغرب الحضاري على الحضارة العربية الإسلامية.
والحق أنه إذا كانت المعركة الراهنة قد خطط لها هذا التحالف منذ الشروع في عملية التسوية التي أطلق عليها اسم "سلام الشرق الأوسط" عام 1991، فإن التخطيط لاغتصاب الحرم بدأ مع دعم بريطانيا الاستعمارية للحركة الصهيونية حال قيامها أواخر القرن التاسع عشر، وقد تولى "باركر" البريطاني عام 1911 رئاسة بعثة بريطانية لإجراء حفريات في منطقة الحرم، وفلسطين لا تزال جزءا من الدولة العثمانية، ولكن عمليات البعثة أخفقت نتيجة رد الفعل المحلي الفلسطيني، والقضية في مجلس المبعوث العثماني.
واذ سلطنا الضوء على تاريخ القضية لاثبات المسعى الإسرائيلي الدائم للاستيلاء على الأماكن المقدسة إسلامية كانت ام مسيحية ،لا سيما في الفترة الأخيرة حيث تسعى جاهدة وتحت مبررات وظروف شتى الإيحاء تصريحا وتلميحا أن هذه ألاماكن لم يعد بإمكانها الصمود وبعضها آيل للهبوط،في محاولة للتدخل والاستيلاء وفي أحسن الأحوال تغيير المعالم لتكريس تزوير التاريخ والجغرافيا في آن معا.
ان القدس والمقدسات فيها من القضايا المركزية التي يجب ايلائها الاهمية القصوى في مواقفنا واعمالنا لذا نقترح.
- تفعيل وتدعيم لجنة القدس في مجال دفاعنا عن الاماكن المقدسة.
- متابعة تنفيذ القرارات الدولية بهذا الشان.
- متابعة ترميم الاماكن المقدسة.
- اقامة حملات اعلامية دولية لاطلاع الرأي العام العالمي حول الاعمال التخريبية التي تقوم فيها اسرائيل في محيط الاماكن المقدسة من حفريات وشق طرق ما يهدد صمودها.
ثانيا.جدار الفصل العنصري
يستقطب موضوع إنشاء جدار الفصل العنصري بين إسرائيل والفلسطينيين في الضفة الغربية، اهتماما خاصا على كل المستويات الفلسطينية والعربية والدولية وحتى الإسرائيلية نفسها، بعد أن أخذت تعبيراته المادية تتجلى كأسوار سجون ومعتقلات، وبعد أن أحال التجمعات السكانية الفلسطينية إلى مناطق معزولة ومنفصلة عن بعضها البعض، واقتطع أكثر من 58% من مساحة الضفة، وحوّل حياة الفلسطينيين فيها إلى نموذج للمعاناة اليومية التي لا تطاق، إلى جانب تحويله موضوع الفصل العنصري وبناء الجدار إلى عنصر مركزي من عناصر الصراع الذي يخوضه الفلسطينيون ضد الاحتلال الإسرائيلي. وغني عن القول إن موضوع الفصل العنصري ليس جديدا في المشروع الصهيوني، إذ يقع في صلب العقيدة والممارسة، ويشكل مرتكزاً في الخطاب السياسي الإسرائيلي، القائم في الأساس "على سيكولوجية الفيتو"، وفصل اليهود عن الشعوب التي ينتمون إليها، وعلى إقامة دولة لليهود في فلسطين، على قاعدة مقولة هرتزل "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض".
أن إنشاء الجدار الفاصل، وتنفيذ خطة الفصل العنصري بين إسرائيل والفلسطينيين في الضفة الغربية بدأ عمليا في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، إثر اندلاع الانتفاضة الأولى وما تركته من تداعيات خطيرة على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني الإسرائيلي، حين عرض حزب العمل خطة لفصل الضفة الغربية عن الأراضي المحتلة عام 1948 تحت إسم "خطة هالوفيم" وذلك بهدف عزل الضفة عن مناطق عام 1948، والحيلولة دون قيام الفلسطينيين بعمليات عسكرية داخل مناطق ما سمي (بالخط الأخضر) أي العمق الإسرائيلي.
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى أدرك حزب العمل، واتجاهات مؤثرة داخل الليكود أيضا، أن موضوع الفصل، وتحديداً بناء الجدار الفاصل، أصبح موضوعاً ملحاً لا مفر منه؛ وكان باراك الأكثر حماساً لتطبيق هذه الخطة عندما شرع بتكليف مستشاره الأمني، بوضع وثيقة نظرية لموضوع الفصل وبناء الجدار العازل. ويمكن اعتبار كتابه "الفصل الإجباري بين إسرائيل والكيان الفلسطيني" وثيقة نظرية مفصّلة لجميع جوانب الفصل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية والجيوسياسية والأمنية. والواقع أن نظرة متفحصة على جدار الفصل بعد أن تم إنشاء مقاطع طويلة منه، تبين إن ما يحصل على الأرض من تجليات وتداعيات لسياسات الفصل وبناء الجدار التي دعا إليها حزب العمل وتبناها وأشرف على تنفيذها الليكود ورئيس الحكومة الإسرائيلية شارون، هو تطبيق حرفي لما ورد في وثيقة "دان شفتان". اما ابرز أهداف خط الفصل.
- تحديد ممرات عبور خاضعة للرقابة تساعد إسرائيل على منع دخول الأشخاص غير المرغوب بهم، وإدخال البضائع والأشخاص من هذه المعابر فقط.
­- وضع دوريات مجهزة بوسائط كشف متطورة، لتراقب حركة المرور على هذه الممرات، وإقامة سياج ملائم في جزء صغير من هذه المناطق.
- ­ تحديد نقاط دخول الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة عام 1948، وتحديد أعداد ونوعيات الذين سيسمح لهم بالدخول بناء على الأوضاع والتقارير الأمنية اليومية.
وقد انطوت الخطة على أبعاد أمنية أهمها:
­- إقامة منطقة معظمها في الضفة الغربية يعلن عنها منطقة عسكرية مغلقة.
- ­ إقامة معابر منظمة تحت مسؤولية الشرطة بحيث تستوعب وتفتش وتصادق على دخول الأشخاص والسيارات والبضائع، مع الحفاظ على المستوى الأمني المطلوب.
- ­ يتولى الجيش مسؤولية الأمن بين المعابر وذلك بتشغيل أجهزة ووسائط كشف ووضع عوائق وسد المعابر غير القانونية.
- ­ تطوير القدرات الاستخبارية التي تخدم أغراض الخطة، مع التأكيد على مكافحة ما سمي "العمليات الإرهابية" من خلال تعزيز عناصر الاستخبارات، والتحقيق عند المعابر وفي المنطقة.ولم ينسَ واضعو الخطة إخراج مدينة القدس العربية منها ، على اعتبار أنها عاصمة "موحدة" لإسرائيل وذلك حسب البنود التالية :
- ­ عدم وجود أي فصل ضمن الحدود البلدية للقدس، لكي تبقى مدينة موحَدة ضمن حدودها التي حددها القانون الإسرائيلي.
­ -إغلاق معظم الطرق الفرعية المؤدَية إلى القدس من الضفة الغربية.
- ­ تحديد ستة مداخل إلى القدس حول الحدود البلدية للمدينة،تحت اشراف الشرطة.
- ­ تشديد القيود على دخول القدس والهجرة إليها (من جانب العرب طبعاً) والتشدّد في تنفيذ ذلك.
ولم يتم تنفيذ الخطة في حينه لأسباب عديدة، سياسية ومالية. وساعد على تناسيها انتهاء الانتفاضة الفلسطينية الأولى وبدء مفاوضات أوسلو ومن ثم متابعة المفاوضات في طابا وشرم الشيخ وسواها. وبعد قمة كامب ديفيد الثانية شهدت المنطقة أزمة سياسية حادّة بسبب رفض الحكومة الإسرائيلية الاستجابة للمطالب الفلسطينية وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، التي هي أساسا مرجعية لعملية السلام الفلسطينية­الإسرائيلية. وتعود أسباب الرفض الإسرائيلي للحقوق الوطنية الفلسطينية، إلى الاختلاف الأساسي في المواقف، وعدم الثقة بعملية السلام من قبل إسرائيل، ومحاولتها الدائمة التنصّل من تنفيذ الاتفاقات والتعهّدات التي التزمت بها، ولاسيما تلك التي تتعلق بالتنمية الاقتصادية في فلسطين، وعدم الإفراج عن السجناء، والاستمرار في عملية الانتهاكات المختلفة، وخصوصاً التوسّع الاستيطاني في المناطق كافة.
أدّى ذلك كله إلى اتساع الهوّة في المواقف بين الشارع الفلسطيني والقيادة الفلسطينية من جهة، و الحكومة الإسرائيلية من جهة أخرى. ومما زاد الأمر تعقيدا قيام "شارون" تحت حراسة المئات من الجنود الإسرائيليين بزيارته الاستفزازية إلى المسجد الأقصى، الأمر الذي ألهب الشارع الفلسطيني ودفع الآلاف إلى التظاهر احتجاجاً على تلك الزيارة، مما تسبب بسقوط عدد من القتلى والجرحى برصاص الجنود الإسرائيليين، فكان أن اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية "انتفاضة الأقصى".
وفي ظلّ اشتداد الانتفاضة والمقاومة الشعبية الفلسطينية، بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي، "إيهود باراك" عام 2000 بالحديث عن خطة فصل من جانب واحد كرد فعل على الانتفاضة الشعبية. وأوعز إلى مؤسساته الأمنية بتطبيق خطّة للفصل تتمثّل في إجراءات عملية تكرّس هذا الفصل وتخلق واقعا سياسيا وجغرافيا وعسكريا جديدا بقوة الدبابات.
المضمون السياسي لخطّ الفصل
تدل القراءة السياسية العامة للجدار بأنه تصميم لنماذج معسكرات الاعتقال التي كانت تؤسس في التاريخ للدولة القاهرة الفاشية.
قصد من خط الفصل أن يضع وراءه معظم المستوطنات الإسرائيلية التي بنيت شرق الخط الأخضر، ومن ثم ضمّها إلى إسرائيل. ويبلغ طول الخط الأخضر.
وإذا ما أخذنا القرارات الصادرة عن مجلس الأمن مثل 338 و 242 والتي تعتبر الضفة الغربية وقطاع غزة "أراضٍ فلسطينية محتلة"، فسنجد أن قيام إسرائيل ببناء جدار الفصل هو سرقة موصوفة للأراضي الفلسطينية تحت شعار الأمن، وانتهاك لحقوق الإنسان، وتخريب للبيئة الفلسطينية، لأن السلطات الإسرائيلية تقتلع مئات الآلاف من الأشجار لكي تبني هذا الجدار، وهي مستمرة ببناء مستوطنات جديدة وشق طرق التفافية وبناء نقاط تفتيش وحواجز عسكرية ومناطق مغلقة، لتضع أكثر من مليوني مواطن تحت رحمة 400 ألف مستوطن إسرائيلي غير شرعي (200 ألف منهم في القدس الشرقية).ولكي تؤكد السلطات الإسرائيلية على أن خط الفصل ليس ترسيخاً للحدود (لأنها تنوي ضم المزيد من الأراضي)، فهي تكرر مقولة إن الخط يهدف إلى ضمان تحقيق امن إسرائيل والمستوطنين. وباختصار، ينطوي البعد السياسي لبناء الجدار على تكريس الحقائق المادية التي أوجدتها سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية منذ حرب حزيران، من استيطان ومصادرة أراضي وإجراءات عقابية بحق الفلسطينيين، كالحصار والعزل والأطواق والاعتقالات الجماعية وبالتالي تقطيع أوصال الضفة الغربية، وتحويلها إلى معازل على مساحة لا تتجاوز نسبة 42% من مساحة الضفة وفق رؤية وبرنامج شارون للحل المؤقت. ويحول هذا الجدار دون قيام أي شكل لدولة فلسطينية عاصمتها القدس، فالجدار يطمس فكرة قيام الدولة نهائيا.
الآثار الاقتصادية والاجتماعية
أسهمت خمسة وثلاثون عاما من الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية في تحويل الاقتصاد الفلسطيني إلى مأساة حقيقية بلغت ذروتها في أعمال التدمير والقتل الجماعي وحظر التجول وحرمان العمال من حرية الذهاب إلى أعمالهم .
إن مساحة الأراضي التي ستتم مصادرتها لبناء المرحلة الأولى فقط من الجدار سوف تزيد عن 160 ألف دونماً وليس 90 ألف دونماً كما يشيع الإسرائيليون، لأن الرقم الأخير يشير إلى المساحات التي صودرت من أجل تنفيذ القسم الأول من المرحلة الأولى، أما الأراضي المحيطة بالجدار، والتي لن تصادر، فسيصبح الوصول إليها صعباً للغاية إن لم يكن مستحيلا، بسبب وجود قوات عسكرية على مساحات عرضها بين 4 و 8 كلم على جانب الجدار .
ولن تقتصر أضرار جدار الفصل على المجالات الاقتصادية والسياسية فقط، وإنما ستطال الأوضاع الاجتماعية لسكان الضفة الغربية. فالقيود على الحركة وسياسة عزل القرى والمدن وتشديد عمليات الحصار على السكان، ستؤدي إلى المزيد من البطالة والتدهور، وستنعكس على نفسية وعقلية الفرد والعائلة والمجتمع ككل.
ولن يقتصر الأمر على ذلك، بل سيؤدي إلى إضعاف الخدمات الصحية وتدهور البنى التحتية، وتراجع العملية التعليمية بسبب عدم قدرة التلاميذ على الوصول إلى صفوفهم بشكل مستمر. وربما سيؤدي ذلك إلى حرمان الكثيرين من حق التعليم الجامعي .كما إن بناء الجدار سيسهم بشكل غير مباشر في حرمان الكثيرين من الوصول إلى دور العبادة، وبالتالي سينقطعون مكرهين عن ممارسة شعائرهم الدينية والالتقاء بأقاربهم وأهلهم في المناسبات الرسمية والدينية، أي أنهم سيفقدون الشعور بالانتماء والمواطنة وسيدفعهم ذلك إلى التفكير بالهجرة وترك الأراضي للجنود والمستوطنين. وهذا أحد الأهداف غير المباشرة لسياسات شارون لحل المشكلة الديموغرافية (الترانسفير الطوعي) .
ثالثا :الزام اسرائيل باتفاقيات جنيف
بعد حوالي اربع سنوات من توقيع ميثاق الامم المتحدة عقد مؤتمر جنيف لتدعيم قواعد القانون الدولي لحماية ضحايا الحرب واسفر عن توقيع اتفاقيات اربع في 12 اغسطس 1949 هذه الاتفاقيات اصطلح على تسميتها بـ "القانون الدولي الانساني" والاولى تتعلق بتحسين حال الجرحى والمرضى من افراد القوات المسلحة في الميدان اما الثانية فهي بشان تحسين احوال الجرحى والمرضى والغرقى من افراد القوات المسلحة من البحار، والثالثة بشان معاملة الاسرى واخيرا الرابعة وهي بشأن حماية الافراد المدنيين وقت الحرب، اجمالي مواد الاتفاقيات الاربع، 400 مادة تنظم حقوق ضحايا العمليات العسكرية فضلا عن انها تتناول حماية المدنيين من الاراضي التي يتم احتلالها.
1 - التزام “اسرائيل” باتفاقيات جنيف 1949
متى ارتضت الدولة الالتزام بالمعاهدات الدولية اصبحت تلك المعاهدات ذات قوة الزامية قانونية للدولة، بحيث تصبح جزءا من القانون الوطني المحلي للدولة وقد نصت المادة 27 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الصادرة في 23 مايو عام 1969 على انه لا يجوز لطرف من معاهدة ان يتمسك بقانونه الداخلي كسبب لعدم تنفيذ هذه المعاهدة مما يتضح معه ان القانون الدولي العام لقواعد الاتفاقية او العرفية ذو الزام قانوني بالنسبة للمخاطبين به ، أي تصبح تلك القواعد في ذات القوة الالزامية للقانون الوطني المحلي.
وانه ذات مواد الاتفاقات الدولية وخاصة تلك التي تتصدى لحقوق الانسان او حماية الانسانية والجنس البشري وتكون الحقوق الواردة فيها سارية لكي تتمتع بها الدول وكذلك الافراد ويترتب على مخالفة الدولة لاي من هذه القواعد تقرير مسؤوليتها الدولية وقد التزمت “اسرائيل” باتفاقيات جنيف الاربعة والتصديق عليها في 6 يوليو 1951 واصبحت نافذة في حقها ولا يجوز لها ان تتحلل من هذا الالتزام باي حجة كانت خاصة لو كانت قوانينها الداخلية. كما ان التزامها ينعقد بموجب نص المادة الاولى من الاتفاقية الثالثة بشأن اسرى الحرب والتي تنص على ان يتعهد الاطراف السامية المتعاقدون باحترام وضمان احترام احكام هذه الاتفاقية في جميع الاحوال.
2 - مسؤولية “اسرائيل” الناتجة عن عدم التزامها مواد اتفاقات جنيف
نصت المادة 13 من الاتفاقية الثالثة على ان "يجب معاملة اسرى الحرب معاملة انسانية في جميع الاوقات. ويحظر ان تقترف الدولة الحاجزة أي فعل او اهمال غير مشروع يسبب موت اسير في عهدتها، ويعتبر انتهاكا جسيما لهذه الاتفاقيات..
وعلى الاخص لا يجوز تعريض أي اسير حرب للتشويه البدني او التجارب الطبية او العلمية من أي نوع مما لا تبرره المعالجة الطبية للاسير المعني او لا يكون من مصلحته وبالمثل يجب حماية اسرى الحرب في جميع الاوقات وعلى الاخص ضد جميع اعمال العنف او التهديد وضد السباب وفضول الجماهير وتحظر تدابير الاقتصاص من اسرى الحرب.
ولما كانت الكثير من الادلة كاعترافات العسكريين والساسة “الاسرائيليين” ومن خلال الصحافة “الاسرائيلية” وكذلك شهادات الشهود والنتائج الحية لجرائم الحرب “الاسرائيلية”، سواء الموثقة اعلاميا وعالميا وكذلك شهادة بعض المجني عليهم الذين نجوا وظلوا احياء وسواء كانوا مدنيين او عسكريين.
فان مسؤولية “اسرائيل” كدولة عن تلك الجرائم تنعقد بموجب مواد الاتفاقية فطبقا لنص المادة 12 فان الاسير يقع تحت سلطة الدولة المعادية لا تحت سلطة الافراد او الوحدات العسكرية التي اسرتهم. وبخلاف المسؤوليات الفردية التي يلقاها الاسير تكون الدولة الحاجزة مسؤولة عن المعاملة التي يلقاها الاسير.

3 - المسؤولة الفردية الجنائية الدولية لمجرمي الحرب “الاسرائيلية”
اخذت اتفاقية جنيف الثالثة بمبدأ مسؤولية الفرد الجنائية عن الافعال التي يأتيها بالمخالفة لنصوصها وقد وردت هذه الافعال على سبيل الحصر في المادة 130 من الاتفاقية حيث نصت على ان تتضمن المخالفات الجسيمة احد الافعال التالية اذا اقترفت ضد اشخاص محميين او ممتلكات محمية بالاتفاقية وهي القتل العمد والتعذيب او المعاملة اللاانسانية. وتعمد احداث الام شخصية وارغام الاسير على الخدمة لدى الدولة المعادية وتعمد حرمانه من حقه في محاكمة قانونية عادلة.
كذلك تنعقد المسؤولية الفردية طبقا لما جاء بلائحتي نورمبرغ وطوكيو حيث تقرر من صدورهما مبدأ مسؤولية الفرد عن مخالفات الالتزامات الدولية، وكذلك جاء نص المادة 12 من الاتفاقية وتقع المسؤولة الجنائية الدولية على الفرد ايا كان مركزه، فالمركز الرسمي لمقترف الجريمة لا يعفيه من المسؤولية والعقاب وهو ذات المبدأ الذي اقرته لجنة القانون الدولي ومؤخرا المحاكمة الجنائية الدولية لمجرمي حرب البوسنة من الصرب وقد نصت على "لا يعفى مقترف الجريمة الدولية من تحمل المسؤولية الدولية ولو كان قد تصرف بوصفه رئيسا للدولة او حاكما اثناء ارتكابها" وهذا ما اكدته المادة 129 من اتفاقية اسرى الحرب بقولها "يلتزم كل طرف من الاطراف المتعاقدة بالبحث عن الاشخاص المتهمين باقتراف مثل هذه المخالفات التي امروا بها" والاتفاقية هنا لا تكتفي بمسؤولية مرتكبي الجرائم بل تقرر مسؤولية الرؤساء الذين يامرون بارتكابها، بل ان اتفاقية اسرى الحرب قد اضافت بعدا جديدا من تأثيم الجرائم وفي نطاق مسؤولية مرتكبيها او الامرين بارتكابها.
وطالما ان دولة “اسرائيل” والشعب اليهودي قد اصموا آذان العالم بالصراخ والعويل وظلوا وما يزالوا يطاردون مجرمي النازية في ارجاء المعمورة، مستخدمين كل صغيرة وكبيرة وردت في فقه القانون الدولي واعرافه واعتصروا نتائج محكمتي نورمبرغ وطوكيو، واستندوا الى اتفاقيات جنيف الاربعة.
فلسنا اقل من ان نستخدم حقوقنا المتاحة طبقا للقانون الدولي والاعراف الدولية وجرائم “اسرائيل” سواء مع المدنيين او العسكريين الاسرى او تحت ظروف الاحتلال تكاد لا تعد ولا تحصى، وتكاد تكون ثابتة بادلة قطعية، والامر بايدينا، ملف الجريمة امامنا ثابت وموثق، يبقى ان نستخدم عقولنا وارادتنا، حق المحاكمة متاح، تجربة البوسنة، ما تزال تفرض نفسها على الاعلام العالمي.
يمكننا ان نطالب بتشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق طبقا لنص المادة 90 من البروتوكول الاول الملحق باتفاقيات جنيف، بل علينا واجب المطالبة بالتعويضات وتوقيع الجزاءات الجنائية، علينا تحدي “اسرائيل” في المحافل الدولية والاعلام والرأي العام العالمي، وفضحها من كونها الضحية بين العرب الارهابيين، الى كشف جرائمها الجنائية الدولية، انها فرصة دولية نادرة للمطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب “الاسرائيليين”.
سيعرف العالم ان ثمة مسؤولين “اسرائيليين” سابقين وحاليين متورطين في تلك الجرائم، وهذا العالم هو الذي ارتضى طبقا للقانون الدولي اختطاف “اسرائيل” لا يخمان بالقوة من الارجنتين ونقله ومحاكمته في “اسرائيل” امام "محكمة القدس “الاسرائيلية”" ولكن طبقا للقانون الدولي لمحاكمة مجرمي الحرب.
بينما المتهم المختطف لم يكن اسرائيليا، والجرائم التي ارتكبها لم تقع في او على "الاراضي المحتلة" ولم تكن الافعال التي ارتكبها محرمة بمقتضى القانون المحلي “الاسرائيلي” لان دولة “اسرائيل” لم تنشأ اثناء الحرب العالمية الثانية. فهل سيكيل العالم بمكيالين.
وهل ستقبل مؤسسات القانوني الجنائي الدولي ومؤسسات الامم المتحدة خاصة المعنية بالقانون الانساني الدولي او بحقوق الانسان. هل سيقبل ضمير العالم استمرار مجرمي الحرب “الاسرائيليين” يرتعون احرارا دون تلقي الجزاء الجنائي الدولي العادل ودون ان تدفع “اسرائيل” تعويضات عن جرائمهما.
رابعا: التسوية في المنطقة
بصرف النظر عن وجود او عدم وجود مكونات نجاح التسوية واستمرارها ، فقد لجأت بعض الاطراف العربية الى اتفاقات ثنائية سلمية مع الدولة العبرية تاركة ورائها اطرافا اخرى لا زالت في قلب الصراع ومجالاته في ظل دوام تعثر سبل التسوية وازدياد عناصر فشلها.
وعلى الرغم من مرور ما يزيد ثلاثة عشرة سنة على بداية عملية التسوية السلمية الشاملة للصراع العربي- الاسرائيلي عام 1991، فإن المنطقة لا تزال أقرب إلى "حالة الحرب" منها إلى "حالة السلم"، خاصة أن الإطار السياسي لعلاقات الدول، والذي يفترض أنه "الموجه" للتفكير والتعامل مع التفاعلات المسلحة القائمة والمحتملة، لا يزال يتسم بالتعقيد الشديد، مع تحديد الدول المعنية خياراتها الإستراتيجية بشكل نهائي، ما أدى إلى استمرار "أجواء الحرب" في المنطقة. وتتمثل بعض مؤشرات ذلك فيما يلي :
1- أن الوضع القانوني لعلاقات الكيان الصهيوني مع كل من سوريا ولبنان لا يزال رسميا هو "حالة الحرب"، إضافة إلى علاقاته مع الدول العربية الأخرى عموما.
2- أن التفكير شبه الرسمي السائد بشأن "خيار السلام"، ضمن "الخيارات الإستراتيجية" يحمل جوانب معقدة، فلم يحدث أن كان خيار السلام يمثل بالنسبة للكيان الصهيوني "الخيار الإستراتيجي" الرئيسي دون محددات، فاعتبارات الأمن تحتل أولوية متقدمة على مقتضيات السلام، واستخدام القوة المسلحة لا يتعارض في المفهوم "الإسرائيلي" مع المفاوضات السياسية، كما أن مفهوم الكيان الصهيوني للسلام نفسه يثير ارتباكات لا نهاية لها في المنطقة العربية.
3- أن الحرب لا تزال أقرب إلى الأذهان، لدى بعض قطاعات النخبة والرأي العام في الجانبين، من السلام، فلا تزال التقديرات الرسمية الصادرة عن جهات تقييم المواقف تميل نحو التحذير من مخاطر نشوب حرب في المنطقة، في تعاملها مع أي موقف طارئ، أو مفاجئ، أو تحرك عسكري محدود .
واذا كانت هذه الملامح تشكل رؤية العقد الاخير من تاريخ الصراع ومشاريعه السلمية وما احاط به من متغيرات وظروف، فان مستقبل مسار الصراع والسلام هو اشد خطرا وغموضا لما تشهده المنطقة من تداخل في ادوات الصراع وتوزيع لمغانمه المباشرة غير المباشرة .
فاذا كانت الخلفيات غير المعلنة لحرب الخليج الثانية جر العرب لمفاوضات مع الدولة العبرية والوصول بها الى ما وصلت اليه من تداعيات سلبية على مجمل الوضع العربي ؛ فان من الخلفيات غير المعلنة لحرب الخليج الثالثة الحاصلة الآن محاولة جرّ ما تبقى من الدول العربية والاسلامية الى تنازلات استراتيجية في هذا المجال .
ان تعثر المفاوضات على المسارين السوري واللبناني مع الدولة العبرية في المفاوضات الثنائية من خلال مؤتمر مدريد في منتصف التسعينات نتيجة لانحراف اسرائيل عن الاسس التي قامت عليها، أدّى الى تجميد عملية التسوية مع ابقاء العديد من الاشارات المتفرقة بين الحين والاخر للايحاء بان اهتماما اميركيا لا يزال يأخذ مجراه في هذا الصدد ؛ الا ان التدقيق في الوقائع يثبت عكس ذلك وبخاصة في الفترة التي وصل فيها الجمهوريون الى سدة الرئاسة الاميركية ووصول ارييل شارون الى رئاسة الحكومة العبرية، الامر الذي اكد الانطباع بأن تسوية مؤتمر مدريد قد ماتت ودفنت .
ان مسار التسوية ان كان هناك من مسار لها ، فهي محكومة حاليا بالكثير من القضايا التي لا تقل تعقيدا عما سبقها ، وهي بطبيعة الحال تستلزم جلاء العديد من القضايا الجارية حاليا او التي يجري تثبيتها، اما ابرزها فهي:

1) نتائج العدوان على العراق: لم يعد خافيا على احد ان ابرز الاهداف غير المعلنة لغزو العراق هي النتائج السياسية التي تطمح اليها الادارة الاميركية والكيان الصهيوني ، بحيث أنّ إنهاء المسألة العراقية سينجم عنه ترتيب اوضاع المنطقة وفقا للكيفية التي تخدم الاستراتيجية الصهيونية.

2) تداعيات العدوان على العراق: وكما هو واضح في الاساس في السر والعلن ، ان حدود الطموحات الاميركية- الصهيونية لن تقف عند حدود النفط العراقي وامكاناته الهائلة، فان ما يخطط له سيشمل المنطقة بأسرها ، بحيث لن توفرا اي فرصة لزجّ الاطراف العربية والاسلامية في معركة وفقا للتوقيت الاميركي - الصهيوني ؛ وبالكيفية التي تخدم توجهات الكيان الصهيوني المباشرة. وهنا لا بد من الاشارة الى ان هذه المشاريع ليست بجديدة ولا هي بسر على احد .
ان الضغوط الاميركية - الصهيونية ستزداد شيئا فشيئا على كل الاطراف المعنية بشكل فعلي في الصراع العربي الصهيوني، كلما اقتربت نهايات نتائج العدوان على العراق ، مما سيؤسس لوقائع جديدة في المنطقة لن يكون لها اي علاقة بمسار التسوية ، ان كان الطرفان الاميركي و"الاسرائيلي" ما زالا يفكران بها حتى الآن .

3) النظام الاقليمي الشرق اوسطي: ان استمرار اي تسوية ما بين العرب واسرائيل مرتبطة ايضا بالنظام الاقليمي الجاري التحضير له على قاعدة النتائج المحتملة لغزو العراق ، وفي ظل ما يحاك له وسط اختلال كبير وواضح في موازين القوى لمصلحة اسرائيل ، والسلام في هذه الحالة لن يكون سوى تسوية مفروضة غير قابلة للحياة .
ان مسار السلام في الشرق الاوسط يبدو ضربا من ضروب الخيال في هذه المرحلة بالذات للعديد من الاعتبارات والخلفيات ابرزها :
- ان الاتفاقيات التي عقدت بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني لم توصل الى سلام حقيقي الا بين الموقعين عليها، وباتت شعوب الدول العربية بعيدة كل البعد عن هذه التسويات المجتزأة ، بل جذرت العداء الذي اتّخذ اشكالا متعددة ، تمثلت بالانتفاضة الفلسطينية في الداخل كتعبير عن رفض هذه التسويات وعدم جدواها في الوصول الى ما تهدف اليها .
- ان الموقف المتخذ من قبل سوريا ولبنان تجاه عملية السلام وشروطها ، هو انعكاس للموقف المبدئي الذي دخلا به الى مفاوضات مدريد وما تبعها، ويمثل السقف الذي لا يمكن اختراقه او التنازل عنه ؛ لاعتبرات كثيرة ابرزها ، ان الموقف اللبناني والسوري يمثل قرارات الشرعية الدولية بدءا من قرار التقسيم (181) مرورا بحق العودة للاجئين الفلسطينيين ( 194) وانتهاءا بالقرارات ( 242 و338و 425) . الامر الذي تتهرب منه الدولة العبرية والادارة الاميركية ، ما يزيد الامر تعقيدا وغموضا بمسار التسوية السلمية.
- ان ما آل اليه "اتفاق اوسلو" بين السلطة الفلسطينية واسرائيل قد ادى الى تصلب اسرائيلي متزايد في شروطه ومطالبه ، حتى بات مشروع الدولة الفلسطينية مرتبط بخرائط طرق .
- اما الجانب الاكثر اهمية في هذا السياق، هو ما حققته المقاومة الوطنية اللبنانية من انجازات هائلة باجبار الدولة العبرية على الانسحاب من معظم الاراضي اللبنانية المحتلة دون قيد او شرط، وهي سابقة في تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي ، الامر الذي اسس قاعدة ونموذجا يحتذى به في الصراع مع اسرائيل، كما ساعدت بشكل مباشر على اظهار روح العداء المكبوتة لدى الجماهير العربية ضد هذا الكيان، الامر الذي سيزيد الامر تعقيدا في وجه كل باحث عن تسوية بأي شروط وبأي تنازلات .

ان مسار السلام ومستقبله في ظل هذه الظروف السالفة الذكر امر صعب ان لم يكن امرا مستحيلا، صحيح ان ظروف الدول العربية وما يحيط بها لا يتناسب مع حجم طموحات جماهيرها ، الا ان الارادة والتصميم والاستفادة من كافة الدروس الماضية كفيل بتحقيق الكثير.ولتفادي المزيد من الضغوط وبالتلي التنازلات نقترح التالي:
- التمسك بقرارات الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة.
- التمسك بروحية مؤتمر مدريد للسلام واعتباره مرجعا لعملية التسوية.
- التشديد على وحدة المصير والمسار بين لبنان وسوريا وفقا للمبادئ السالفة الذكر.
- التواصل مع السلطة الفلسطينية ودعمها في المحافل الدولية لا سيما ما يطرح من مشاريع تسوية .
- دعم جهود المقاومة في لبنان لتحرير ما تبقى من مزارع شبعا.
- دعم الانتفاضة الفلسطينية باعتبارها وسيلة ضغط على اسرائيل لجرها لطاولة المفاوضات مجددا.

خامسا: اسلحة الدمار الشامل
باتت اسلحة الدمار الشامل حجة ومبررا للحروب الاستباقية التي تروج لها الولايات المتحدة وتقوم بها؛كما ان السمة السائدة في ظل النظام العالمي القائم حاليا الكيل بمكيالين نحو هذا الملف.فمن جهة تتغاضى واشنطن وبطبيعة الامر الوكالة الدولية للطلقة الذرية عن اسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها اسرائيل وتطلق العنان بتهديداتها للكثير من الدول العربية والاسلامية على قاعدة افتراض امتلاكها لبرامج اسلحة غير تقليدية.

وتمتلك إسرائيل أكثر من أربعمئة قنبلة نووية بينها قنابل هيدروجينية، وفق نشرة عسكرية أميركية، تصدر عن مركز مكافحة انتشار الأسلحة النووية التابع لسلاح الجو الأميركي. وبحسب النشرة فإن حجم الترسانة النووية الإسرائيلية يبلغ ضعف حجم التقديرات الاستخبارية الشائعة، التي كانت تتحدث عن مئتي قنبلة نووية إسرائيلية.
ويتحدث التقرير عن انه كان لدى إسرائيل عام 1967 خمس عشرة قنبلة نووية وأنها امتلكت عام 1980 حوالى مئتي قنبلة. ولكن إسرائيل تمكنت من تجميع أكثر من 400 قنبلة نووية حتى العام 1997. غير ان أهمية التقرير تتمثل في توصيف نوعية هذه القنابل. وبحسب التقرير فإنه في عام 1969 كانت لدى إسرائيل خمس الى ست قنابل تبلغ قوة كل واحدة منها 19 كيلوطن. وفي عام 1973 امتلكت عشرين صاروخا نوويا وطورت <<القنبلة الحقيبة>>. وأشار الى انه في عام 74 أقامت إسرائيل ثلاث وحدات مدفعية نووية تحوي كل منها اثنتي عشرة فوهة من عيار 175 ملم و230 ملم. وأوضح التقرير انه في عام 1984 امتلكت إسرائيل 31 قنبلة بلوتونيوم وانتجت عشر قنابل يورانيوم أخرى. وفي عام 1986 كان لدى إسرائيل ما بين مئة الى مئتي قنبلة منشطرة وعدد من القنابل المنصهرة. وفي عام 1994 صنعت ما بين 64 112 قنبلة برأس حربي صغير وكان لديها خمسون صاروخا نوويا من طراز يريحو. وأنجزت إسرائيل كل ما تبغيه من مشروعها النووي عام 1995 عندما أنجزت إنتاج قنابل نيوترونية، وألغام نووية وقنابل الحقيبة، وصواريخ تطلق من الغواصات. ويشير التقرير الى امتلاك إسرائيل لحوالى 50 الى 100 صارٍوخ (يريحو 1) و30 الى 50 صاروخا (يريحو 2). وامتلاك إسرائيل للقنابل الهيدروجينية يتضمن بعدا نوعيا. إذ ان قوة كل قنبلة هيدروجينية تزيد مئة الى ألف مرة عن القنبلة النووية الاعتيادية.
ويعتبر التقرير ان أخطر ما في الموضوع النووي الإسرائيلي هو أن إسرائيل طورت قنابل نيوترونية تكتيكية قادرة على تدمير القوات المعادية بأقل قدر ممكن من الخسائر والأضرار في الممتلكات. ويستذكر التقرير توصية جنرال إسرائيلي في حرب الخليج عام 1990 للأميركيين باستخدام <<أسلحة نووية تكتيكية غير إشعاعية>> ضد العراق. وأشار الى التقديرات بأن إسرائيل توجهت نحو <<القنابل النووية الصغيرة>> والتي تعتبر مفيدة لصد هجوم موضعي أو لاستخدامها كألغام. وأشار التقرير ايضا الى وصول غواصات <<دولفين>> الألمانية الصنع لإسرائيل والتي تمكن إسرائيل من امتلاك القدرة على توجيه الضربة النووية الثانية. وأوضح ان إسرائيل عملت على تطوير صواريخ تطلق من البحر منذ الستينيات.
وخلص التقرير الى انه بصرف النظر عن أنواع وأعداد الأسلحة النووية الإسرائيلية، فإن الإسرائيليين طوروا منظومة معقدة بأساليب سحرية، وغدوا قوة يعتد بها. وقد خدم الغموض النووي سياسة إسرائيل لكنها الآن تدخل مرحلة الشفافية. وهذه الشفافية في نظر الكاتب، ليست في مصلحة الولايات المتحدة. لأن الكثيرين يتنبأون بأن الترسانة النووية الإسرائيلية ستغدو أقل أهمية إذا خرجت من القبو لأنها ستفجر سباقا على التسلح. إذ ان إسرائيل تتقدم على محيطها في هذا المجال بخمس الى عشر سنوات.
إن المرحلة الراهنة من الصراع العربي. الإسرائيلي تستدعي استحضار جملة اعتبارات إنسانية وطرحها على الرأي العام العالمي (والأميركي خصوصاً) وعلى المنظمات الدولية الإنسانية. وفي طليعة هذه الاعتبارات:
1- الضرورة الحياتية الملحة لتحري كميات وأضرار ومناطق انتشار والآثار الحالية والمستقبلية للنفايات النووية المتخلفة عن حرب الخليج الثانية. واتخاذ الخطوات الوقائية الممكنة حيالها.
2- ضرورة إزالة أسلحة الدمار الشامل من منطقة الشرق الأوسط، والتزام دولها بالمعاهدات الدولية الموقعة في هذا المجال. مع التنبيه إلى ضرورة مراعاة النقاط الآتية:
أ - تحري التسربات والحوادث الإشعاعية الحاصلة في المفاعلات الإسرائيلية.
‌ب - التثبت من مراعاة الشروط الدولية في تعامل إسرائيل مع نفاياتها النووية.
ج - مراعاة التمييز الناجم عن عدم ملكية الدول العربية للأمصال والأقنعة وصواريخ باتريوت… إلخ.
‌د - تجنب الضغط باتجاه واحد والبدء بمراقبة دولية لإنتاج هذه الأسلحة (تكون عادلة).
‌ه- الالتزام بالإعلان عن الاستخدامات السرية لهذه الأسلحة.
سادسا:: اعادة اعمار العراق
بعد مرور اقل من سنتين على سقوط بغداد وتشريع الاحتلال الأمريكي للعراق لا يبدو في الأفق القريب أي بادرة جادة لإعادة بناء العراق اقتصاديًّا، بل دخلت البلاد في دوامة من العنف وعدم الاستقرار؛ ما ينذر باحتمالات استمرار الأوضاع الى مزيد من
فمنذ أن تولى بريمر السلطة في العراق خلفًا للأمريكي جاي جارنر وهو يطلق تصريحات براقة حول اهتمامه بمسألة إعادة الإعمار، فالأوضاع ساءت أكثر مما كانت عليه إبان النظام العراقي البائد؛ وذلك نظرًا لعاملين هما:
· استمرار أعمال السلب والنهب والتخريب، سواء بأيدي قوات الاحتلال الأمريكي أو بأيدي الفئات العراقية.
· حالات الفوضى التي تسود المدن العراقية بين الحين والآخر والتي تنجم عن هجمات المقاومة العراقية؛ وهو ما قد ينبئ باستمرار مسلسل الانشغال الأمريكي بها على حساب البدء في مشاريع إعادة الإعمار بافتراض وجود نية لذلك أصلا.
ويبدو الفشل الأمريكي في إدارة دفة الأمور في العراق واضحًا فيما يخص إعادة الإعمار، وقد أصابت مجلة الإيكونومست المتخصصة كبد الحقيقة حين أشارت إلى أن "عملية إعمار العراق سوف تكون أصعب بكثير من الحرب عليه".
كما بات الفراغ الأمني الذي نجم عن انهيار السلطة في بغداد هو الهاجس الأساسي في تعطيل جهود الإعمار؛ فحتى هذه اللحظة لم تنجح الولايات المتحدة في توفير الأمن والأمان اللذين تشدقت بهما إبان حملتها على العراق، بل وأكد العديد من خبراء هيئات المعونة الإنسانية في العراق على أن جهود إعادة الإعمار ترتطم بالتسيب الأمني الواضح في المدن العراقية.
كما أنه منذ أن تولت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "American Aid" شئون الإعمار في العراق وفقًا لقرار الاحتلال رقم 1483 الذي انتزعته الولايات المتحدة من مجلس الأمن تحت مسمع ومرأى من العالم كله.. والغموض هو سيد الموقف فيما يخص عمليات إعادة الإعمار في العراق.وحتى الآن لم تشرع الوكالة في بدء تقديم العون والمساعدات للعائلات العراقية سوى إعلانها عن تخصيص 35 مليون دولار لخمس من وكالات الإغاثة لبدء بعض المشاريع الاجتماعية في العراق المتعلقة بتوفير الاحتياجات الأساسية للشعب العراقي.
ويمكن التعرف على مؤشرات الفشل الأمريكي في إعادة إعمار العراق من خلال توضيح ما يجري على أرض الواقع،
- ما زال مسلسل التدهور في تقديم الخدمات الأساسية مستمرًّا دون إحراز أي تقدم يذكر، وما زالت المرافق الأساسية العراقية تعاني من إهمال شديد وفي حاجة لمبالغ هائلة لإصلاحها؛ فعلى سبيل المثال يحتاج قطاع الكهرباء في العراق إلى استثمارات تبلغ 5 مليارات دولار على 5 سنوات لتأمين الحاجات المتزايدة في البلاد. وقطاع الكهرباء هو واحد من القطاعات التي عانى كثيرًا من الإهمال. وفي هذا السياق صرّح خبراء الطاقة بأن العراق يحتاج إلى توليد طاقة إضافية من الكهرباء تتراوح ما بين 10 و15 ألف ميجاوات حتى عام 2015 لتلبية النقص الكبير في هذا المورد الحيوي.
- ما زال القطاع المصرفي العراقي يعاني من أعمال السلب والنهب التي جرت عقب سقوط بغداد، وما زالت البنوك العراقية مرفوعة من الخدمة وهو ما ينعكس بالضرورة على المناخ العام للاستثمارات في العراق.
- ما زال ملف الديون العراقية عالقًا حتى الآن، وذلك على الرغم من عمليات إعادة الجدولة التي أعلن عنها نادي باريس. ومن الجدير بالذكر أن إجمالي ديون العراق لأعضاء النادي تقدر بـ21.18 مليار دولار من حوالي 120 مليار دولار هي إجمالي الديون العراقية، وتعدّ ديون أعضاء نادي باريس جميعها تقريبًا من الديون المتأخرة، كما أنها شاملة لعملية إعادة الجدولة المطبقة على الديون المتراكمة من الحقبة السوفيتية، وذلك طبقًا لمنهجية عمل النادي. .
- ما زالت مرافق الصحة والتعليم تعاني من القصور الشديد نتيجة لخلل الأوضاع وعدم وجود ضوابط إدارية بعدما عمت الفوضى جميع أرجاء البلاد، مع العلم أن أنظمة الصحة ‏‏والتعليم في العراق تحتاج ما بين مليارين إلى ثلاثة مليارات دولار سنويًّا لإعادة ‏‏تأهيلها بشكل كامل، وفقًا لما أعلنه البنك الدولي.
‏- ما زال القطاع النفطي العراقي يعاني من تدهور شديد وصل في بعض الأحيان إلى درجة استيراد العراق للبنزين من الدول المجاورة ،اضافة الى العمليات التي تتعرض لها الامدادات النفطية في الداخل.
وخلاصة القول: إنه على الرغم من الإعلان بين الفينة والأخرى عن قيام واشنطن بهندسة وتخطيط عمليات الإعمار في العراق؛ فإن الواقع يشهد عكس ذلك، وليس من المستبعد أن تهتم إدارة الاحتلال بترتيب أمور الحكم فقط في العراق دون الاهتمام بملف إعادة الإعمار، وهو ما قد ينبئ بأن يلقى العراقيون مصير أفغانستان وما وعدت به من اعمار.

سابعا :الارهاب والاحتلال والمقاومة
‍1- حق الدفاع عن النفس في القانون الدولي
ان واجب الامتناع عن استخدام القوة في العلاقات الدولية وارد في الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة. تنص هذه الفقرة على ما يلي: "يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقتهم الدولية من التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة". ويعتبر هذا الواجب موجبا أساسيا ملزما للأمم المتحدة وللدول الأعضاء على السواء.
وأجازت المادة (42‌)، من الفصل السابع من الميثاق، لمجلس الأمن استخدام ما يلزم من القوة العسكرية عن طريق القوات التابعة للأمم المتحدة أو للدول الأعضاء، لغاية حفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما. إلا أن على المجلس، وقبل استعمال القوة وفقا لهذه المادة، اتباع خطوات معينة تعتبر شرطا مسبقا لتطبيق الفصل السابع من الميثاق. على المجلس وفقا للمادة (39) أن يقرر ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به، أو ما إذا كان قد وقع عمل من أعمال العدوان. وعليه وفقا للمادة (40) ان يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضروريا أو مستحسنا من تدابير مؤقتة منعا لتفاقم الموقف. عليه فان استخدام القوة من قبل الدول استنادا للمادة (42‌) لا يجوز إلا بقرار صادر عن مجلس الأمن، وفي حال حصوله يكون مشروعا في القانون الدولي.
وأجازت المادة (51‍) من الميثاق للدول استخدام القوة في حال الدفاع عن النفس . تنص هذه المادة على ما يلي: "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم في حال وقوع اعتداء مسلح على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك ان يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين. والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا…".
ولإعطاء الفاعلية لأحكام ميثاق الأمم المتحدة، يجب تفسير المادة (51) بصورة ضيقة. فحظر استخدام القوة هو المبدأ، وحق الدفاع عن النفس هو الاستثناء. عليه يجب استخدام القوة في حالة الدفاع عن النفس ضمن الشروط المحددة في المادة (51) وأحكام الميثاق الأخرى، وأيضا وفقا للشروط ( The use of peaceful procedures) إذا كانت متوفرة، وثانيا، الضرورة ( Necessity) ، وثالثا، التناسب ( Proportionality).
يتطلب الشرط الأول للجوء إلى الوسائل السلمية، إذا كانت متوفرة، لرد أو منع ما تتعرض له الدولة. في حال فشل هذه الوسائل أو عدم توفرها، يمكن ان تستخدم الدولة القوة للدفاع عن نفسها. ويكون هذا الاستخدام مشروعا إذا توفر فيه شرطا الضرورة والتناسب.
وتأتي المادة (51) من الميثاق لتطلب درجة أعلى من الضرورة لما يتطلبه القانون الدولي العرفي. فحق الدفاع عن النفس وفقا لهذه المادة لا يمكن ان يستخدم إلا "في حال وقوع اعتداء مسلح" ( if an armed attack accurse) ، أي وقوع اعتداء حقيقي وليس متوقعا.
2) بطلان ادعاء "إسرائيل" بالدفاع عن النفس
تتذرع "إسرائيل" بحق الدفاع عن النفس وفقا للمادة (51) من الميثاق لتبرير استخدامها للقوة وقيامها بالأعمال العسكرية ضد لبنان وغيره. وتدعي ان غايتها من هذه الأعمال حماية أرواح مواطنيها. ولتقييم ادعاء "إسرائيل" هذا، علينا ان نبحث في شروط الدفاع عن النفس المحددة في القانون الدولي وتطابقها على الأعمال التي تقوم بها، أي الرد القسري التي تواجهه به الاعتداءات عليها.
(أ) شرط اتباع الإجراءات السلمية: يفرض هذا الشرط على الدولة أثناء حصول اعتداء مسلح حقيقي عليها ان تلجأ إلى الوسائل والإجراءات السلمية لرده، في حال توفر مثل هذه الوسائل والإجراءات.
ان ادعاء "إسرائيل" أولا، بعدم توفر الوسائل والإجراءات السلمية لرد الاعتداءات التي تشن عليها، وثانيا، بفشل هذه الوسائل في حال توفرها من منع حصول الاعتداءات، هو ادعاء باطل وغير صحيح. "فإسرائيل" لا زالت تحتل جزءا من أراضي لبنان، وما الأعمال التي يقوم بها المقاومون اللبنانيون سوى ردة فعل على هذا الاحتلال . فتوقف أعمال المقاومة مرتبط بانسحاب "إسرائيل" من الأراضي التي تحتلها.
(ب) شرط الضرورة الحقيقية للرد القسري: يفرض هذا الشرط ان يكون الرد "الإسرائيلي" القسري ضروريا لمواجهة الهجوم المسلح الحقيقي الخطير الموجه ضد سلامة أراضيها واستقلالها. فأعمال المقاومة يجب ان تكون الطارئ الذي لا يمكن "لإسرائيل" رده إلا بالأعمال القسرية. الحقيقة ان أعمال المقاومة كانت ولا تزال محدودة ان من ناحية عدد المشتركين في كل عملية، ونوعية السلاح المستخدم، أو من ناحية الأهداف المستهدفة ويتضح ان نوعية الأعمال التي تقوم بها المقاومة ليست من النوع الذي يهدد وجود دولة "إسرائيل"، وهي بالتالي ليست الطارئ الذي لا يمكن رده،

(ج) شرط التناسب : يتطلب هذا الشرط ان تكون تدابير الرد القسرية متناسبة بالنوع والكم لنوع العمل أو التهديد الذي استوجب القيام بالرد القسري .وعادة ما تقوم اسرائيل برد كبير مستعملة اكثر ما توصلت اليه التكنولوجيا العسكرية الاسرائيلية.
2 - القوة والعنف ومفهوم الإرهاب
تتفق كل التعاريف المتعلقة بالإرهاب على العناصر المادية والمعنوية لمفهوم الإرهاب. فالإرهاب أولا، عمل عنف منظم أو التهديد به، وثانيا، يخلق حالة من الخوف والقلق والذعر لدى من يطالهم الإرهاب، وثالثا، يهدف لتحقيق أغراض عامة أو سياسية لمرتكبي الإرهاب. فعمل العنف المستخدم هو وسيلة مادية تتسبب بحصول حالة نفسية (معنوية) تؤدي لتحقيق غايات مادية أو معنوية.
إلا ان هذه التعاريف وان اتفقت على العناصر الأساسية لمفهوم الإرهاب، فهي قد اختلفت على مصدر العنف والجهة التي يطالها. فمن التعاريف من توسع في مفهوم الإرهاب ليشمل كل عمل عنف يصدر عن أفراد أو جماعات أو حكومات أو دول. ومنها من حصر الإرهاب بأعمال العنف التي يقوم بها أفراد أو جماعات فقط دون الأعمال التي تقوم بها الحكومات أو الدول.
ومن التعاريف من توسعت في مفهوم الإرهاب واعتبرت كل عمل له طابع العنف عملا إرهابيا، فيما تفرق أخرى بين العنف الإرهابي (اللاشرعي) والعنف المشروع (الشرعي).
ان عدم الاتفاق على تعريف موحد للإرهاب، جعل لكل دولة مفهومها الخاص بالإرهاب. فالولايات المتحدة الأمريكية تركز جل اهتمامها على الإرهاب اللارسمي. ففي مشروع قرار عن الإرهاب، ومشروع معاهدة لمنع ومعاقبة بعض أعمال الإرهاب الدولي، المقدمين من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية للجمعية العام للأمم المتحدة في 26 أيلول (سبتمبر) 1972، حصرت هذه الحكومة اهتمامها بالإرهاب الذي يرتكبه الأشخاص والجماعات والذي تسميه بالإرهاب اللارسمي. وحجتها في ذلك ان هذا النوع من الإرهاب خطير لما يشمله من أعمال القتل الغير مشروعة، الأذى الجسدي الخطير، والخطف، والتي تهدد الأمن والسلم الدوليين. وفي هذين المشروعين لم تميز الولايات المتحدة الأمريكية بين أعمال العنف المشروعة وأعمال العنف الإرهابية، واعتبرت كل أعمال العنف أعمالا إرهابية يجب منعها ومعاقبة مرتكبيها.
هذا الموقف الأمريكي رفضته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 3034 تاريخ 18 كانون الأول (ديسمبر) 1972. إذ تناول هذا القرار موضوع الإرهاب الدولي، الرسمي واللارسمي، بكل أشكاله وأنواعه، ودعا الدول إلى التعاون من اجل استنباط الإجراءات الفعالة لمنع وقوع الإرهاب ومعاقبة مرتكبيه، والى دراسة أسباب الإرهاب الأساسية من اجل إيجاد الحلول العادلة والشاملة لها.وفيما اخرج القرار نضال الشعوب من إطار الإرهاب الدولي بإعلانه شرعية نضال حركات التحرر الوطني، اعتبر إرهابا دوليا أعمال القمع التي تمارسها الأنظمة الاستعمارية وأنظمة التمييز العنصري والهيمنة الأجنبية.
وجاء بنص القرار الآتي:
1. تعرب الجمعية العامة عن قلقها العميق من تزايد أعمال العنف التي تهدد أو تقضي على أرواح بشرية بريئة أو تعرض الحريات الأساسية للخطر.
1. تحث الجمعية العامة الدول على تكريس عنايتها الفورية لإيجاد حلول سلمية عادلة للأسباب التي تسبب أعمال العنف.
1. تعيد الجمعية العامة التأكيد على الحق الثابت في تقرير المصير والاستقلال لجميع الشعوب التي ترزح تحت الاستعمار وأنظمة التمييز العنصري وأنواع الهيمنة الأجنبية الأخرى، وتعلن عن دعمها لشرعية نضال هذه الشعوب خصوصا نضال حركات التحرر الوطني.
1. تعلن الجمعية العامة عن إدانتها لاستمرار أعمال القمع والإرهاب التي تمارسها الأنظمة الاستعمارية والعنصرية في إنكار حق الشعوب الشرعي في تقرير المصير والاستقلال وغيره من حقوق الإنسان الأساسية.
1. تدعو الجمعية العامة الدول إلى اتخاذ كل التدابير الملائمة على المستوى الوطني من اجل إزالة مشكلة الإرهاب الدولي بصورة سريعة ونهائية، واضعة نصب أعينها نصوص هذا القرار.
بناء على ما تقدم، يمكن تعريف الإرهاب الدولي بأنه كل عمل عنف منظم، أو التهديد به، يقوم به أفراد أو جماعات أو حكومات أو دول لخلق حالة من الخوف أو الذعر أو اليأس بقصد تحقيق أهداف عامة، سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية . وتعتبر أعمالا إرهابية أعمال القمع والتوسع والاحتلال والاستغلال والهيمنة بكل أشكالها التي تمارسها الأنظمة الاستعمارية وأنظمة التمييز العنصري والهيمنة الأجنبية. ولا تعتبر أعمالا إرهابية نضال الشعوب وحركات التحرر الوطني لأجل تقرير المصير والتحرير والاستقلال.
وفقا لهذا التعريف، يمكن تقسيم الإرهاب الدولي إلى قسمين:
أ) الإرهاب الرسمي أو إرهاب الدول: الذي تمارسه الحكومات أو الدول بما فيها الأنظمة الاستعمارية وأنظمة التمييز العنصري والهيمنة الأجنبية.
ب) الإرهاب اللارسمي: الذي تمارسه الجماعات أو الأفراد، غير الذين يناضلون في سبيل تقرير المصير والتحرير والاستقلال.
ان ما تقوم به اسرائيل من اعمال احتلال غير مشروع للاراضي العربية،وما تمارسه من اعمال عنف منظم ضد الفلسطينيين،وما تقوم به عربدة وتصعيد ضد كل دول المنطقة لا يمكن وصفه سوى بالاعمال الارهابية الموصوفة وفقا للاعراف والقرارات الدولية السالفة الذكر،وعليه من الطبيعي مجابهتها بكافة الوسائل ومنها المقاومة في سبيل استعادة كافة الحقوق المشروعة .ولتحديد توصيفات معينة ودقيقة لكل من الكلقاومة والارهاب نقترح التالي:
1 - السعي لوضع مفهوم متفق عليه للإرهاب، وتمييزه عن المقاومة المشروعة .
2- المبادرة السريعة والجادة إلى تعزيز التفريق بين الممارسات الإرهابية التي تقوم بها إسرائيل وغيرها من الدول، وأعمال المقاومة المشروعة التي تقوم بها حركات التحرير الوطنية لتحقيق أهدافها في تقرير المصير والاستقلال، حتى لا تختلط المفاهيم كما هو الحال في فلسطين وغيرها.
3- تمكين الشعوب الواقعة تحت الاحتلال أو الاستعمار من تحقيق استقلالها ونيل حقها في تقرير المصير، حتى لا يكون ذلك ذريعة لأعمال عنف يختلف الناس في تسميتها بالإرهاب أو المقاومة المشروعة.
4- تفعيل التعاون الدولي المنظم على أساس العدل والمساواة ورعاية المصالح المشتركة دون هيمنة أو انتقائية، وتفعيل القانون الدولي فيما يتعلق بحماية حق الشعوب في نيل استقلالها وتقرير مصيرها.
5- السعي لتوفير الحماية الكافية للمدنيين في الحروب بما في ذلك تأمين إيصال المساعدات الطبية والإنسانية للمحتاجين منهم.
6- مواجهة إرهاب الدولة والحد من تفاقمه بالعمل على بلورة موقف دولي موحد ضد الدول التي تمارسه وبخاصة إسرائيل، والعمل على عزل هذه الدول حتى تتوقف عن ممارسة الإرهاب ورعايته.
7- التوقف عن التهديد بالقوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية ضد الدول الضعيفة، واستغلال مواردها من جانب الدول الأقوى بصورة استعمارية، والعمل بدلا من ذلك على تشجيع إقامة علاقات التعاون والسلم الدوليين.
8- توسيع دوائر الحوار الثقافي والحضاري بين العالم العربي والإسلامي من جهة، والعالم الغربي من جهة أخرى، لتقليل الحاجة إلى اللجوء إلى القوة والعنف في أي خلافات بين الجانبين.
ثامنا: العولمة الاقتصادية والأقطار الإسلامية
تمثل العولمة التي يشهدها الاقتصاد العالمي تحدياً خارجياً وخطيراً للبلدان الإسلامية واقتصادياتها. فالعالم الإسلامي مراقب ومهدد في نفس الوقت، ويعيش مرحلة من التناحر والتآكل والتهميش فاقداً لآية استراتيجية اقتصادية سياسية دينامية للدفاع أو للهجوم. أن عمليات الضغط والإضعاف التي تستهدف وطننا الإسلامي من اجل زعزعة استقراره وتعطيل مؤهلاته حتى لا يبقى أمامه سوى الاندماج السلبي في آليات العولمة وبالصيغة التي يعرفها الأقوياء تحت اسم التدويل الشامل للاقتصاد أو (العولمة الاقتصادية)(22)
وما زال الجدل قائماً بين ثلاثة تيارات فكرية متقابل حول ظاهرة العولمة وأثرها الاقتصادي على بلداننا الإسلامية فيرى التيار الأول أن العولمة أمر مفيد على وجه العموم. ذلك لأننا سنستفيد من التقدم التكنولوجي المتسارع ومن تكامل الاقتصاد العالمي الذي ربما يقدم فرصة لم يسبق لها مثيل للتخلص من الفقر ومنح ملايين البشر حياة أفضل. بالرغم من أن العولمة ستؤدي حتماً إلى خسارة الأقطار الإسلامية لبعض سادتها في توجيه اقتصادياتها كما تريد. ويدافع عن هذا التيار/ مؤسسات العولمة الثلاث والولايات المتحدة الأمريكية وبعض رجال الأعمال والتكنوقراط.
أما التيار الثاني فهو يرى أن العولمة أمر واقع ونتيجة موضوعية لتطور قوى الإنتاج في الرأسمالية والتقدم العلمي والتقني، وتقود إلى مزيد من التشابك والاندماج بين الاقتصادات المختلفة ألا أن هذه العولمة بأبعادها الحالية تثار حولها ملاحظات وانتقادات جديدة وجدية أهمها أن مكاسبها تطال عدداً قليلاً من الدول عدد سكانها لا تتجاوز 20% من إجمالي سكان العالم. في حين سلبياتها تطال معظم البلدان النامية وتؤدي إلى زيادة مشاكلها الاقتصادية وتعيق عملية التنمية فيها. ويتبنى هذا التيار بعض المفكرين في بلدان العالم الثالث وبعض القوى اليسارية والاشتراكية في الدول الرأسمالية.اما التيار الثالث فيرى أن العولمة هي أحد شرور النظام الرأسمالي العالمي، لأنها تسعى إلى تعويض اقتصادات الدول الرأسمالية المتقدمة عن انكماش أسواقها الداخلية، وذلك بنقل المزيد من عمليات الإنتاج بكاملها (وبخاصة الصناعات القذرة) من المراكز الرأسمالية الرئيسة إلى البلدان النامية مع الاحتفاظ بقيادة العملية الإنتاجية في العالم، فالرأسمالية عن طريق العولمة تحاول حل مشاكلها الاقتصادية بتصديرها إلى بلدان العالم الثالث. وهذا بدورة يؤدي إلى زياد الأغنياء غنا والفقراء فقرا يتبنى هذا التيار معظم القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلدان النامية التي تعلم درجة الفقر وسوء التغذية والبطالة والأمراض المنتشرة والتبعية، والنهب المستمر لخيرات بلدان العالم الثالث عن طريق الشركات متعددة الجنسية والتبادل التجاري غير المتكافئ.
1ـ أهداف العولمة الاقتصادية ونتائجها المستقبلية في الأقطار الإسلامية
في ظل العولمة ظهرت بيئة ضاغطة تتراجع فيها مهمات الدولة في الأقطار الإسلامية لتصبح منحصرة في مجرد التسيير الإداري اليومي لسياسات وبرامج مفروضة من مؤسسات العولمة الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمنظمة العالمية للتجارة ومؤسسات مالية دولية أخرى مثل هيئة المعونة الأمريكية وطبقاً لشروط ومتطلبات الشركات متعددة الجنسية حتى تستثمر في الأقطار الإسلامية (وبعبارة أخرى فإن المهمة الملقاة على الدولة في الأقطار الإسلامية وغيرها أضحت مجرد إدارة للازمة أو سياسة إدارة الأزمات. ذلك أن إدارة الأزمة الاقتصادية تشير من وجهة النظر الرأسمالية، إلى أهمية تجنب تصاعد تراكم الفائض الهائل والمتنامي للرأسمال غير المستثمر، أو الذي يمكن استثماره، في عملية توسيع النظام الإنتاجي وهذا يعني أن سياسات تحرير التبادل التجاري والتدفقات العالمية لرأس المال والنسب العالية للفوائد وتنامي الديون الخارجية، ما هي الا أساليب ووسائل ابتكرها النظام الرأسمالي العالمي بهدف الحيلولة دون فشل هذا النظام ولو كان ذلك على حساب البلدان النامية).
ويمكننا تحديد أهم الأهداف والنتائج التي تحصل عليها الأقطار الإسلامية في ظل العولمة وفقاً لما يلي:
1 ـ في ظل تعدد أنماط الإنتاج في كافة الأقطار الإسلامية (نمط الإنتاج الرأسمالي، نمط الإنتاج ما قبل الرأسمالي، نمط الإنتاج غير الرأسمالي) فان العولمة تهدف إلى تصفية أنماط الإنتاج غير الرأسمالية وتصفية شروطها لصالح سيادة نمط الإنتاج الرأسمالي وحده وشروطه.
2 ـ في ظل التزايد السريع لعدد السكان في الأقطار الإسلامية فيجب أن يظل هذا الحجم الكبير من الكتل البشرية يعمل وينتج ويستهلك في ظل شروط رأسمالية كلاسيكية أو شبه كلاسيكية.
3 ـ تهدف العولمة إلى تحويل كل المنتجين المباشرين في الأقطار الإسلامية إلى العمل المأجور، أي جعل دخولهم تعتمد على السوق فقط مع التراجع السريع للترتيبات الاجتماعية والقانونية والعرفية التي كانت تضمن للفرد حقا في دخل ما بمعزل عن اعتبارات السوق.
4 ـ ستؤدي العولمة حتماً في الأقطار الإسلامية إلى تزايد البطالة بجميع أشكالها وأنواعها لان التحول في شكل ملكية وسائل الإنتاج لصالح الملكية الخاصة سيؤدي إلى أن الطلب على قوة العمل في ظل العولمة ستكون اقل بكثير من عرض قوة العمل.
5 ـ من المتوقع أن تؤدي العولمة إلى تعميق التخلف الاقتصادي في الأقطار الإسلامية فقدان الترابط بين قطاعات الاقتصاد الوطني (حيث يصبح ارتباط قطاع الفوسفات في بلد ما بالمركز أقوى بكثير من ارتباطه بقطاع النفط مثلا في البلد ذاته، وهو القطاع الذي يرتبط بدوره بالسوق العالمية للنفط بالمراكز اكثر من ارتباطه بقطاع الزراعة المحلي وفي البلد نفسه).
6 ـ سيكون من نتائج العولمة تصدير الصناعات الأكثر تلويثاً للبيئة من المركز إلى الأقطار الإسلامية والعالم ثالثية وتصدير الصناعات التي تتطلب كثافة عالية في اليد العاملة بدلاً من الكثافة العالمي لرأس المال.
7 ـ سترتفع فاتورة الغذاء المستورد للأقطار الإسلامية، بسبب تحرير التجارة في المواد الغذائية وإلغاء سياسات الدعم للصادرات في دول المركز.
8 ـ سيكون الميل إلى تراجع الصناعات التحويلية في الأقطار الإسلامية بسبب عدم قدرتها على المنافسة، بسبب اعتمادها على السياسات الحمائية لفترة طويلة من الزمن.
9 ـ من المتوقع تراجع أهمية النفط الإسلامي وذلك لان أهمية النفط الإسلامي مرتبطة بمدى حاجة دول المركز الرأسمالي لهذا النفط. وربما يتم اكتشاف بدائل للنفط بسبب التقدم العلمي السريع والهائل.
أدى انتشار نمط الاستهلاك الغربي في الأقطار الإسلامية إلى استنفاذ مواردها المالية وتشويه بنية الطلب في هذه البلدان وبخاصة الطلب الفعال والكبير للشرائح الغنية التي تتميز بشراهتها لاقتناء كل ما هو مستورد وكل ما هو غالي الثمن. فالمظهرية الزائفة والإنفاق التفاخري لدى معظم هذه الفئة الاجتماعية متفشية بين الرجال والنساء سواء بالنسبة لشراء آخر صرعات (موضة) الملابس المصنوعة في الغرب أم اقتناء أحدث موديلات السيارات وأجهزة الاتصال وأجهزة (الكومبيوتر) الحاسوب وأدوات التسلية وتكديس السلع الاستهلاكية الكمالية غالية الثمن في مختلف أركان المنزل. ونجد في بعض الأسر أن كل فرد فيها يمتلك جهاز كمبيوتر أو جهاز تلفزيون في غرفته وأحياناً هاتف وأجهزة تسلية أخرى.
2ـ كيف نواجه العولمة الاقتصادية في الأقطار الإسلامية:
ينظر العالم إلينا اليوم كأمة إسلامية واحدة لها حضارة عريقة ورغبة في بناء مستقبل أجيالها. ولابد من التكتل الاقتصادي الإسلامي لمواجهة التكتلات الاقتصادية العالمية العملاقة بدلا من تكريس السياسات القطرية الضيقة. ولابد من اغتنام الفرصة لوضع أسس التعاون الاقتصادي الإسلامي للدخول في النظام العالمي الجديد (العولمة)، ونحن ندخل الألفية الثالثة يمكننا الإشارة إلى عدد من الإجراءات التي بواسطتها يمكن مواجهة العولمة:
ــ دعم الإصلاحات الاقتصادية في الأقطار الإسلامية وتأهيل الاقتصاد الإسلامي للدخول في القرن الحادي والعشرين ضمن التكتلات الاقتصادية العالمية العملاقة.
ــ قيام سوق إسلامي لرأس المال وحركته في إطار الأقطار الإسلامية، وضع إطار قانوني وتشريعات جديدة تتلاءم مع المتغيرات الحاصلة في الأسواق العالمية.
ــ حرية انتقال عناصر الإنتاج والإنتاج وقوة العمل والأشخاص ورأس المال فيما بين الأقطار الإسلامية إضافة إلى حرية التملك والإرث.
ــ توحيد السياسات النقدية والمالية والجمركية والنقل والترانزيت والتجارة الخارجية.
ــ خلق مرصد إسلامي اقتصادي اجتماعي مهمته تقييم واقتراح السياسات الاقتصادية الإسلامية، وتحديد الاختلافات وعوامل تلافيها. وهذا يتطلب خلية استشارية تضم الخبراء الإسلاميين تكلف بالتفكير في السياسات الاقتصادية الإسلامية في ظل المتغيرات الدولية. ويمكن أن يكون للأقطار الإسلامية دور هام في إنجاز مثل هذا الأمر.
ــ لابد من استشراف آفاق المستقبل ووضع تصور مستقبلي لموقع الأقطار الإسلامية في المحيط الإقليمي والدولي وتصور مفهوم محدد للأمن الإسلامي وتوقع مدى إمكانية قيام السوق الإسلامية المشتركة وما يرتبط بها من قضايا الحماية والدعم والمنافسة والحرية الاقتصادية(23).
- وضع استراتيجية بناء القدرة التنافسية والتي تعد من أهم عناصر الاستراتيجية العليا للتنمية الشاملة في الأقطار الإسلامية.
ــ الارتقاء بالقدرات البشرية على مستوى الأقطار الإسلامية.
ويمكن أن يكون الدرس الذي تقدمه التجربة الصينية في تعاملها مع العولمة درساً هاماً بالنسبة لجميع الدول النامية والأقطار الإسلامية خاصة. إذ تمكن هذا البلد من إطلاق عملية التنمية بجناحيها الاقتصادي والاجتماعي فنجح، واعتمد على إمكاناته وطاقاته الذاتية بالدرجة الاولى، كما حاول إصلاح بنى اقتصاده الاشتراكي من دون أن يدمرها فأصلح وأراد أن يتعامل مع العولمة بعقل مفتوح ومن موقع قوة الاقتصاد الصيني فأضحت سوقه جاذبة للاستثمارات الخارجية الخاصة والعامة.
إن عالم المستقبل هو عالم التكتلات الاقتصادية، عالم الشركات والاستثمارات الكبرى، عالم التقانة والمعلوماتية، عالم الإدارة القادرة والقرار النافذ. لذلك يتوجب على الأقطار الإسلامية أن تخطو خطوات حاسمة في استمرارية لا رجعة فيها لتحقيق هدف التكامل الاقتصادي الإسلامي والوحدة الاقتصادية الإسلامية التي بدونها لن يستطيع الإسلام بناء اقتصاد إسلامي قادر على البقاء والمنافسة في عالم الاقتصاد المعاصر.
تاسعا:حوار الحضارات
رغم أن "حوار الأديان" في العصر الحديث نشأ من خلال فكرة أخلاقية بحتة تولدت من الإحساس بقرب نهاية العالم نتيجة سيطرة الشر عليه، إلا أن تفعيل مفهوم "حوار الأديان" جاء لأسباب وظروف تاريخية. فمن ناحية، أدى تصاعد موجة الاستعمار الغربي وسيطرته على معظم أنحاء العالم القديم، إلى تفعيل فكرة حوار الأديان في محاولة لاكتشاف الآخر الشعوب المُستعمَرة - والتي كانت موزعة على عدد كبير من الديانات المختلفة لم يكن العالم الغربي على دراية كافية بها، فكان الاتجاه إلى تفعيل الحوار حتى يمكن بناء رؤية معرفية حول هذه الأديان ومعتنقيها ويشبه ذلك الموقف - إلى حد كبير- ظروف نشأة علم الانثربولوجيا الذي بدأ كعلم استعماري أنشأته القوى الاستعمارية الغربية في محاولة منها لدراسة الشعوب المغلوبة ومعرفتها؛ ومن ثم تحديد الكيفية التي يمكن أن تتعامل بها معها.
وتفسر تلك الرؤية تزايد اتجاه منظمات حوار الأديان العالمية لإشراك الإسلام في منظومة الحوار الديني بعد أن كان مقتصرًا على اليهودية والمسيحية وبعض الديانات الوضعية كالبوذية والهندوسية والشنتو..إلخ، يرتبط ذلك إلى حد كبير بتزايد المد الإسلامي وظهور الحركات الإسلامية التي رأى فيها الغرب تهديدًا للمصالح والمشروعات الغربية في العالم الإسلامي، وهو ما يفسر أيضا اتجاه منظمات الحوار الديني لأن يكون ممثلو الإسلام في الحوار شخصيات إسلامية من خارج المؤسسات الرسمية لضمان اكتشاف مساحات أوسع من الآراء ووجهات النظر خارج الدائرة الرسمية.
ومن ناحية أخرى، مثل مفهوم حوار الأديان انعكاسًا للظروف التاريخية التي عاشت فيها أوروبا حالة من الصراع المذهبي والاضطهاد الديني؛ دفعت ببعض المذاهب الدينية التي عانت من الاضطهاد الديني في أوروبا كالبروتستانتية إلى تبني فكرة "حوار الأديان" بغرض إقرار مبدأ القبول بالآخر؛ حتى يتسنى لها البقاء كأقليات دينية، والحصول على حقوقها في المجتمعات الأوروبية ذات الأغلبية الكاثولوكية. وساعد على رواج فكرة "حوار الأديان" مؤخرًا - بعد الحرب العالمية الثانية - محاولة بعض الدول الكبرى كاليابان تعريف نفسها ثقافيًّا وحضاريًا للعالم من خلال حوار الأديان (طرح الذات من خلال الآخر) ومؤشرات ذلك تظهر في تصدرها قائمة الدول الممولة لمنظمات حوار الأديان ومؤتمراتها بميزانيات ضخمة، في محاولة منها للوصول إلى الصدارة العالمية، ولكن من بوابة حضارية ثقافية تتناسب وأوضاع النظام الدولي الجديد .
لقد كانت هناك العديد من التجارب الواعدة في مجال حوار الأديان ، وشملت العديد من المناطق على مستوى العالم كما تنوعت مجالات الحوار بين اطرافه الرئيسيين،وفي هذا المجال نذكر على سبيل المثال لا الحصر تجربة ، الحوار الاسلامي - المسيحي في لبنان التي قطعت اشواطا كبيرة في هذا المجال، وتجربة اللجنة المصرية للعدالة والسلام وكذلك التجربة الانجيلية في مصر، وتجربة الفريق العربي – الاسلامي - المسيحي ، وتجربة المنتدى العالمي للدين والسلام، وتجربة المجلس العالمي للمسيحيين واليهود ، وتجربة الحوار العربي - الاوروبي الشعبي التي تميزت عن غيرها بآليات العمل ونوعية المتحاورين وطبيعة النشاط الذي قامت به ، اذ تعتبر من التجارب الريادية اللافتة باعتبارها منظمات اهلية وتعبر عن واقع معاش بين فئات اجتماعية متجانسة نسبيا من حيث المستوى الاجتماعي والاقتصادي ، حيث بدأت في اوروبا وامتدت نشاطاتها الى تونس والمغرب وكذلك في كوسوفا والبلقان بشكل عام، وتشجع هذه التجربة التعارف بين الثقافات والأديان، ومن أمثلة مشاريعها في هذا الصدد ما قامت به بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين من خلال زيارات متبادلة للأماكن المقدسة ودور العبادة، وشرح ميداني لأهمية وقيمة هذه الأماكن لدى أتباع كل دين، وتاريخ البقاع المقدسة المهمة لدى المسلمين والمسيحيين .
ان تجربة حوار الأديان ليست بجديدة على مجتمعاتنا العربية والاسلامية ، وهي ليست ظاهرة عابرة ، وبقدر ما هي ظاهرة هامة يجب ان تكون ضرورية لايصال افكارنا ومعتقداتنا في ظل الظروف القاسية التي تمر بها امتينا العربية والاسلامسة، لذا يجب التركيز على هذا الجانب وايلائه الأهمية المناسة،على الصعيدين الرسمي والاهلي.
ان مجتمعاتنا ومنظماتها الاهلية قادرة ومهيأة اكثر من أي بيئة اخرى لنقل حوار ألاديان الى أبعاد اخرى اكثر فعالية، كالانتقال بالحوار الديني الى الحوار الحضاري ، وهذا ما يستدعي نقلات نوعية وأساسية خلاقة ومبدعة أبرزها:
- الانتقال من حوار الأنا وألآخر الى حوار الذات الانسانية .
- التوفيق بين العقائد والواقع المعاش .
- الانتقال من حوار الكتل الحضارية الى حوار القيم الحضارية .
- ايلاء القضاية الثقافية اهمية قصوى وابرازها الى جانب القضايا العقائدية .
- التركيز على حوارات القاعدة الشعبية بدلا من الحوارات النخبوية من دون اغفال هذه الأخيرة ، اذ ان الحوار القاعدي يتضمن الفعل المشترك اليومي والتعاون على البر والتقوى ، وتحسين ظروف العيش وحل المشكلات الواقعية، ونمو التعارف والتواصل العميق الذي يحترم التنوع ويستثمره لمصلحة الجماعة الوطنية ، بدلاً من أن يكون هذا التنوع سببًا ومقدمة للشقاق والحرب الأهلية المسلحة أو الثقافية كما يعني الانتقال إلى القواعد ، الانتقال من الطابع الاحتفالي لحوارات الأديان إلى إيقاع يومي نشط.
- التركيز على المؤسسات الاهلية بدلا من الرسمية لأقامة الحوارات ومتابعاتها ، اذ يجب أن تعمل المؤسسات الدينية الرسمية وأقسامها المهتمة بالحوار جنبًا إلى جنب مع الفعاليات الأهلية الناشطة فيه.. واحتكار المؤسسات الرسمية يضر الحوار ولا ينفعه، وكذلك فإن التضارب وعدم التنسيق يبدد الطاقات، ويشتت الجهود، وينخفض بالنتائج إلى ما دون مستوى المقدمات والتوقعات. ويستلزم هذا التعاون تنمية وتطوير القطاع الأهلي الذي يعاني من التهميش، وأحيانا الحصار ومحاولات الإلغاء.
ان نجاح أي عملية حوارية بين الاديان والحضارات والثقافات تتطلب امكانات يجب تهيئة البيئة المناسبة لها ، ونقترح بعض الاوجه للمساعدة في هذا المجال :
- تأليف كتاب مرجعي عن الأديان كثقافة وتجليات مشتركة أو مختلفة في الأقطار والأجناس المختلفة على مستوى الممارسة اليومية: أزياء – أطعمة – احتفالات ، عادات .
- تدريب فريق من الناشطين والباحثين في الجوانب العملية والنظرية المتعلقة بحوار الأديان، ونقله إلى مجال "حوارالحضارات".
- دراسة وتقييم وتطوير الحركات الدينية ، بوصفها حركات اجتماعية وثقافية ، لا مجرد حركات معارضة سياسية ، والمساهمة في جذب اهتمامها لحوار الأديان والحضارات.
- تنشيط الدعوة التي تبناها الأمين العام للأمم المتحدة لتكوين مفوضية أو مستشارية خاصة بالأمم المتحدة ، تكون خاصة بالأديان والقيادات الروحية ، مع التشديد على أهمية أن يشمل التمثيل الناشطين في المجال الثقافي والاجتماعي أهليًا.
- السعي لإصدار إعلان عالمي ، على غرار إعلان حقوق الإنسان وغيره ، يتناول إبراز وتوجيه دور الأديان في حوار الشعوب وتعاونها من أجل الحرية والعدالة والتنمية المتوازنة، ولعل هذا يكون تتويجًا مناسبًا لجهود حوار الحضارات .
ان دعوتنا هذه للانفتاح يجب ان لا تبعدنا عن التفكير ببعض المحاذير التي يجب علينا التنبه لها،باعتبارها تشكل وجها سلبيا يمكن ان يستغل لغير مصلحة الحوار والتقدم المرجو ومنها:
– قد يتّخذ الحوار وسيلة لقضاء مصالح خاصّة ، وقد يكون ذريعة لتمرير خطط ومشروعات ؛ نظرا لما قد يحمله هذا المصطلح المبهم من دسائس ومؤامرات يستغلّ في إذابة بعض الحضارات ، وإلغاء الخصوصيّات والهويّات.
– كما ان من آثار الحوار بين طرفين غير متكافئين فرض الطّرف القويّ على الطّرف الثّاني اختراق سّيادته الثّقافيّة بالتّدخّل في مناهج التعليم مثلا ، وتوجيه منظومته الإعلاميّة ، وترتيب علاقته بفئات المجتمع ، وتحديد نمط معيشته ، والتّدخّل في وضع قوانينه . كما قد تستغلّ التّقارب المكاني لنشر نموذجه الثّقافي في الحياة على حساب خصوصيّتة الثّقافيّة .