13‏/02‏/2008

اصلاح الامم المتحدة وبيان القمة الاممية





اصلاح الامم المتحدة وبيان القمة الاممية
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني

هل يصح القول ان الامم المتحدة باتت على ابواب التقاعد في عيدها الستين ؟ام ان ما زالت هناك ضرورات توجب استرارها ولو بجرعات اضافية من الاصلاحات؟واذا كان الامر كذلك هل من مصلحة الدول المهيمنة على قراراتها فعل ذلك؟ربما التدقيق في البيان الختامي للقمة الاممية تجيب على الكثير من التساؤلات.فبعدما أمل الكثيرون من المراقبين بصدور بيان يحدد خريطة طريق اصلاح المنظمة الدولية وتحقيق بعض احلام الاغلبية من الدول المنضمة اليها،تبين مرة اخرى ان المنظمة الدولية هي واقعا انعكاس لميزان القوى الدولية ولايمكن ان تمثل آراءها وقراراتها سوى الدول او الدولة التي تمسك بناصية النظام الدولي،فالبيان الختامي كان اشبه ببيان صحفي عكس رغبات الكبار وأغفل آمال الصغار.
ان هزالة مقررات القمة لجهة محاربة الفقر وتعريف الارهاب وحقوق الانسان يعيد طرح السؤال مجددا عن كيفية إصلاح الأمم المتحدة مستقبلا في ظل سيطرة الدول الكبرى ورفضها أي مطالب جوهرية تتقدم بها غالبية دول الأمم المتحدة، وعلاقة هذا بالعدالة والديمقراطية العالمية واحترام الأقلية لمطالب الأغلبية بعيدا عن احتماء الغرب وراء القوة العسكرية والاقتصادية لرفض أي إصلاح حقيقي للأمم المتحدة خشية خسارة النفوذ والسيطرة على المنظمة.
لقد خلت الوثيقة الختامية من اي اشارة لتوسيع مجلس الأمن رغم أن آخر توسيع للعضوية جرى عام 1965 عندما أضيفت أربعة مقاعد غير دائمة، وأصبح المجلس منذ ذلك التاريخ يضم 15 دولة في عضويته ما يفسر تحكم الدول الكبرى في الأمم المتحدة، ورفض أي إصلاحات تضر بقدرتها على تسيير المنظمة.فعندما بدأت الأمم المتحدة في تشرين الاول الماضي 2004 مداولاتها حول موضوع توسيع وإصلاح مجلس الأمن ضمن الإصلاح الشامل للمنظمة، ركزت بيانات الوفود على بحث مسألة إصلاح مجلس الأمن من زاويتين رئيسيتين:الأولى هي ما إذا كان التوسيع سوف يمتد إلى فئتي العضوية الحاليتين، وهما العضوية الدائمة وغير الدائمة، وما يرتبط بذلك من قضايا مثل صلاحيات الأعضاء الدائمين الجدد، وما إذا كانوا سيحصلون على حق النقض - الفيتو أم لا؟.والثانية كانت السعي لتحسين نظام العمل بالمجلس، وجعله أكثر شفافية وديمقراطية بحيث تكون قراراته معبرة بصورة أفضل عن توافق الآراء على الساحة الدولية.
لقد اعتقدت دول الجنوب أن الصفقة الجديدة بين عدالة توزيع المقاعد الجديدة ومراعاة تمثيل جميع المناطق الجغرافية، وتفعيل عمل المجلس والحياد والموضوعية الذي كانت دول عديدة تتطلع اليه، لكن جرى إهمال كل ذلك؛ لأن الدول الكبرى استشعرت أن التوسيع معناه انضمام دول مثل الهند وألمانيا واليابان ودول إفريقية وآسيوية ولاتينية أخرى للمجلس، وهي دول تعارض مصالح الدول الكبرى. لكن عدم الاتفاق على توسيع المجلس قابله نص في البيان الختامي على عزم الأسرة الدولية على التحرك عبر مجلس الأمن الدولي بما في ذلك استخدام القوة، إذا كانت أي دولة "عاجزة بوضوح" عن حماية سكانها المهددين بحملة إبادة أو جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو بعمليات تطهير عرقي. ورغم ايجابية هذا النص، الا ان ثمة مخاوف واسعة من بعض الدول أن يكون هذا النص مبررا للمزيد من التدخل في الشئون الداخلية للدول، سيما أن هذا الأمر بيد الدول الأعضاء بمجلس الأمن دون غيرها من الدول.
وفيما يختص بالسلاح النووي التي كانت وثيقة الأمم المتحدة الأصلية تسعى لمواجهة انتشاره، فقد ادى الخلاف حوله الى نسف الموضوع من اساسه تحت ضغط الولايات المتحدة برفضها المقترح الروسي القاضي بالتخلي عن التسلح النووي أملا في السعي لوضع قيود على إنتاج دول أخرى للسلاح النووي مثل كوريا الشمالية وإيران.وهي المرة الثانية التي تفشل فيها الامم المتحدة في هذا الملف خلال العام الحالي بعد مؤتمر ايار الماضي الذي استمر شهرا.
وبالنسبة للارهاب فقد انتهى الامر الى تغليب وجهة النظر الغربية، وتجاهل وجهة نظر دول الجنوب التي شددت على استثناء "المقاومة ضد الاحتلال والعدوان من أشكال الإرهاب؛ فرغم إجماع قادة العالم على إدانة الإرهاب بكل أشكاله ومظاهره، أيا كان منفذوه ومكانه وغاياته" في الوثيقة، فإنهم اختلفوا على تعريفه وسبل مكافحته. ولقد فشلت المجموعة العربية في إدراج بند يؤكد على "حق الشعوب في مقاومة الاحتلال"؛ لأن التعريف الذي اقترحه الغربيون عام وفضفاض، ويدين مقاومة الاحتلال؛ حيث يشير إلى أن "قتل مدنيين من أجل تحقيق أهداف سياسية هو عمل إرهابي". وهو ما يعني إدانة أعمال المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي في فلسطين والعراق مثلا، ومن ثم جرى استبعاد هذه القضية من البيان الختامي، وتم الاكتفاء بالدعوة إلى إبرام معاهدة شاملة حول الإرهاب قبل أيلول/سبتمبر 2006 .
اما الفقر وسبل مكافحته عبر زيادة المساعدات الخارجية من الدول الغنية للدول النامية التي كانت إحدى النقاط المهمة التي سعت الدول الفقيرة للتشديد عليها، فقد اصطدمت برفض الولايات المتحدة الذي أغضب الدول النامية عندما تحركت واشنطن لتخفيف صياغة تحث الدول الغنية على زيادة المساعدات الخارجية إلى 0.7% من إجمالي الناتج القومي؛ وهو ما وعد به الأوربيون لتخفيف الفقر ووفيات الأطفال ووقف انتشار الإيدز بحلول العام 2015. بعبارة أخرى: سعت واشنطن لحذف أي إشارة إلى أهداف "الألفية الإنمائية" التي اتفق عليها العالم بأسره في عام 2000 من أجل الحد من الفقر والأمراض. وإزاء حملة الاحتجاجات التي واجهتها، اضطرت الولايات المتحدة إلى تقديم تنازل "شكلي"؛ حيث وافقت على ذكر أهداف الألفية الإنمائية، وعلى تضمين النص إشارات إلى تعهد الدول الغنية برفع مستوى مساعدتها العامة للتنمية إلى نسبة 0.7% من إجمالي ناتجها المحلي بحلول عام 2015 والالتزام ببروتوكول كيوتو للحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ولكنها قالت في النهاية: "إنها لا تشعر أنها ملزمة بهذه التعهدات"!.وبذلك ذهبت المطالب الإصلاحية للأمم المتحدة سدى بعد أن تم تفريغ كل شيء من محتواه بناء على رغبة الكبار فيها، وما قيل عن توافق في الآراء يعكس استمرار الديكتاتورية الدولية التي تأسست عام 1945.
ان الخلل القائم في اعمال الامم المتحدة لهو اكبر من الصلاحيات المناطة بها لاصلاح عملها،ومهما يكن من امر،فاصلاح المنظمة الدولية مرتبط باشياء كثيرة ليس لها علاقة بها اصلا،بل ان اصلاحها اولا واخيرا يستلزم اصلاح الخلل في النظام العالمي الذي انتج هذه المنظمة الدولية التي باتت على ابواب التقاعد لكن دون ان تؤدي قسطها للعلى.
ان وجود منظمة دولية امر حيوي وضروري لأدارة البيئة القانونية للنظام العالمي،ومن هذا المنطلق ان البحث عن اصلاح الامم المتحدة لتفعيل ادائها شرط اساسي لنجاحها،الا ان هذا النجاح مرتبط بتغيير الكثير من آليات عملها والتي بدورها لن تعكس بالضرورة ظروف النظام العالمي القائم ما يزيد الشك بامكانية قبول الدول الكبرى باصلاحها اصلا،فسمة المنظمات الدولية والاقليمية هي بالاساس انعكاس لموازين القوى المنضمة اليها،فكيف السبيل الى اقناع القوي بالتخلي عن قوته لصالح غيره في وقت لا تزال تعتبر القوة قيمة اضافية للقوي حتى وان استعملها تعسفا.