13‏/02‏/2008

استراتيجية بوش الجديدة في العراق وانعكاساتها الإقليمية

استراتيجية بوش الجديدة في العراق وانعكاساتها الإقليمية

د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

ليست استراتيجية الرئيس الأمريكي جورج بوش الجديدة في العراق أمرا طارئا،فقد سبقتها خطوات لها دلالاتها الخاصة على متطلبات تنفيذها واسقاطاتها الداخلية العراقية والإقليمية أيضا. فهي وإن بدت تطرح حلا ما من وجهة نظر الجمهوريين إلا أنها ستصيب سلسلة أهداف أمريكية متصلة باستراتيجية الأمن القومي للعام 2006،ومن الصعب فصلها أو قراءتها بمعزل عن هذه الأهداف.
فقد عمد الرئيس الأمريكي إلى أجراء سلسلة من التغييرات العسكرية والدبلوماسية في الشرق الأوسط والتي تؤشر إلى طبيعة المرحلة المقبلة في العراق وما يدور حوله. ففي الجانب العسكري عمد الرئيس بوش إلى تبديل اثنين من كبار القادة العسكريين في المنطقة حيث تمَّ استبدال الجنرال جون أبي زيد بالأدميرال وليام فالون وهو أكبر قائد عسكري أمريكي في المحيط الهادي ليصبح قائد القيادة الأمريكية الوسطى التي تدير العمليات العسكرية لأمريكا في العراق وأفغانستان، كما خلف الجنرال ديفيد بتريوس الجنرال جورج كايسي ليصبح قائدا للقوات الأمريكية في العراق.واعتبرت هذه التبديلات لا تعتمد على السيرة الذاتية والخبرات العملية بقدر ما تعتمد على القدرة على تنفيذ الإستراتيجية الجديدة.أما على الصعيد الدبلوماسي فقد عمد إلى تبديلات عبر تحريك معاونيه في الخارجية والأمن القومي الأمريكيين؛ فعين رايان كروكر الدبلوماسي المخضرم الذي بدأ حياته العملية بالسلك الدبلوماسي في سبعينيات القرن العشرين كسفير للولايات المتحدة الأمريكية بالعراق، ليحل محل زالماي خليل زاد الذي حل بدوره محل جون بولتون مندوب الولايات المتحدة الأمريكية الدائم بالأمم المتحدة.
كما أن الرئيس بوش وقع اختياره على مسئول استخبارات عسكرية رفيع المستوى كان له دور بارز في عملية عاصفة الصحراء، ثم شغل منصب مدير وكالة الأمن القومي في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون الأدميرال المتقاعد مايك كونيل ليصبح مدير الاستخبارات الأمريكية خلفا لجون نغروبونتي الذي عينه بوش في منصب نائب وزير الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس التي تريد أن تحيل عليه ملف الشرق الأوسط لتتفرغ لملفات تراها أشد سخونة وإلحاحا.
فمن الواضح أن هذه التعديلات أتت في سياق حركة أوسع يرمي بها إلى إحاطة نفسه بأكبر عدد من مؤيدي الحرب الأقوياء الذين لديهم القدرة على مواجهة الديمقراطيين الذين سيطروا مؤخرا على الكونغرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ، كما يسعى لتعزيز الفريق القانوني بالبيت الأبيض لمواجهة جملة التحقيقات التي ينوي الديمقراطيون إجراءها بشأن الحرب على الإرهاب، ولذلك عين أربعة مستشارين قانونيين جددا بالبيت الأبيض.
وانطلاقا من هذه التبديلات يمكن تفسير خطة بوش الجديدة في العراق على أنها وسيلة هجومية للدفاع عن فشل سياساته المتعاقبة في المنطقة وفي هذا الإطار يمكن تسجيل العديد من الملاحظات منها:
- لقد تمّت تهيئة مستلزمات الخطة ببيئة أمنية وعسكرية ودبلوماسية مناسبة من وجهة نظر عدم الاعتراف بالفشل والمضي في الاندفاع إلى الأمام على قاعدة أن أفضل وسائل الدفاع هو الهجوم.
- إن زيادة القوات العسكرية الأمريكية في العراق وطريقة توزيعها في بغداد والأنبار تشير إلى دلالات فارقة لجهة المهمات المحتملة إن كان على الصعيد الداخلي العراقي في العاصمة أو الخارجي لجهة الحدود مع سوريا؛كما أن اختيار بوش للأدميرال فالون قائدا للقيادة الوسطى التي تتولى إدارة العمليات في العراق وأفغانستان، له وقع خاص وليس له تفسير سوى أن بوش يولي اهتماما متزايدا تجاه إيران إذ تمَّ التركيز على الشخص المناسب لقيادة أي مواجهة محتملة ضد طهران، والتي سوف تعتمد بشكل أساسي على المقاتلات التي تنطلق من حاملات الطائرات الأمريكية المتمركزة في الخليج العربي، وسيكون للصواريخ التي تنطلق من القطع البحرية الأمريكية التي تجوب مياهه كلمة الفصل في أي ضربة عسكرية محتملة ضد إيران.
- كما بات واضحا أن الخطة الجديدة لم تأخذ بتوصيات بيكر هاملتون التي حاولت الموازنة بين عاطفة وعقل الجمهوريين والديموقراطيين على السواء،بل هي محاولة واضحة لتجاهل موقعين مؤثرين في الوضع العراقي وغيره من الملفات الإقليمية الساخنة كإيران وسوريا.
- لقد أتت الخطة على أعتاب فتح الملف النووي الإيراني على مصراعيه الشهر المقبل، وبدلا من أن تكون الخطة استجابة لمتطلبات العراق أتت لتشكل بيئة تفجيرية لملفات معقدة من الصعب إطفاء نيرانها دون دفع أثمان إقليمية كبيرة يمكن أن تطال انعكاساتها دولا ومواقع بعيدة عن المنطقة وتعيد خلط أوراق من الصعب إدارتها بيسر وسهولة.
- كما أتت الخطة في خلال تفاقم الوضع اللبناني وما له من ارتباطات إقليمية واضحة، ففي الوقت الذي تراهن المعارضة على التراجع الأمريكي في العراق وبالتالي حاجة واشنطن لدمشق في عملية إدارة الأزمة اللبنانية،تبدو الخطة كسلفة لدعم الحكومة اللبنانية في إطار شراء الوقت المستقطع في المنطقة،وبالتالي إن انعكاسات الخطة على الوضع اللبناني تبدو مؤثرة في اتجاه تمديد الأزمة،وبالتالي تجميد أو عرقلة المبادرات العربية وكذلك التركية وغيرها.
- وكما الوضع اللبناني كذلك الوضع الفلسطيني الذي سيكون له التأثير الوافر في سياق الصراع القائم بين حركة حماس والسلطة،وعليه فإن الخطة ستكون لها أبعادها الخارجية،التي ستطال أيضا القرن الإفريقي وما يجري فيه من سباق محموم حول التفجيرات الداخلية الواسعة إن كان في الصومال أو السودان.
إن مقاربة الاستراتيجية الجديدة للعراق لا تعدو كونها تفصيلا مستنسخا عن استراتيجية الأمن القومي الأمريكية التي أتت لتقفل الباب أمام كل الاحتمالات المتداولة حول نظرة المحافظين الجدد لإدارة النظام العالمي؛فالموضوع الأساس لا يراعي مصلحة العراق بقدر ما هي محاولة لترميم الإخفاقات المتتالية للإدارة الأمريكية الحالية،باعتبار أن تراجع الرئيس بوش وفريقه الحالي في العراق سيعني انهيار المشروع بكامله في المنطقة ومنها في لبنان،لذلك تبدو أن العناصر الخارجية وانعكاساتها في المشروع تبدو له الغلبة على الاعتبارات الداخلية العراقية رغم كل الإشارات والوعود الواردة فيها لجهة الأمن والنفط والانتخابات وغيرها.
ثمة العديد من أسباب الإخفاقات التي لم تتعلم منها الإدارة الأمريكية وهي قاتلة في معظمها، كاعتماد إدارة بوش إستراتيجية للتعامل مع الصراعات لا تحظى بالإجماع سواء داخل الولايات المتحدة، أو على صعيد الدول الغربية، التي تعتبر أن مبدأ "الحرب الوقائية" لا يخدم في نهاية المطاف النظام الرأسمالي ومصالحه الحيوية في المنطقة العربية، وبدا واضحا أن عديدا من الأصوات ارتفعت في الغرب لتحذر من أن الاندفاع الأمريكي اللاواعي ستكون له آثار بالغة على مستقبل العلاقة بين الغرب والعالمين العربي والإسلامي لجهة إحياء عوامل التوتر بينهما، كما أن من شأن ذلك أن يقوض الدعم الذي حظيت به الحرب الأمريكية على "الإرهاب".
ومن بين الأسباب أيضا إصرار المجموعة المهيمنة على القرار داخل الإدارة على خوض سلسلة من النزاعات في آن معا، وطرح مجموعة خطط تغييرية على المستوى الدولي من غير أن تتوفر لديها الكفاءة والقدرة على إدارة صراعات متعددة في وقت واحد، دون حلفاء أو شركاء فعليين. ومن ذلك تصعيد الأزمة مع العراق ثم احتلاله، وتصعيد الأزمة مع كوريا الشمالية وإيران وسوريا والفلسطينيين، إلى جانب استمرار المواجهات في أفغانستان، ثم السعي إلى تغيير نمط العلاقة مع الدول الأوربية، وتركيبة مجلس الأمن وأداء الأمم المتحدة، ومحاولة التأثير على المنظمات الدولية.
إن الربط بين الخطط العسكرية والمنافع الاقتصادية التي تعود في الغالب لصالح شركات لها صلة بكبار مسؤولي البيت الأبيض ووزارة الدفاع، ما راكم الإحساس لدى قطاع واسع من الرأي العام بأن الحروب التي تشنها إدارة بوش وثيقة الصلة بمطامح بعض الشركات الكبرى لجني المال، ولا شك أن طريقة توزيع العقود في العراق تعزز تلك الشكوك كما أن الاستراتيجية الجديدة لم تراع ذلك بشكل واضح.
إن الجديد في الاستراتيجية الجديدة تأكيد الولايات المتحدة مجددا بقاء القديم على قدمه،فالمحافظون الجدد لم يعد لديهم ما يخسروه في الداخل،والهروب إلى الأمام يمثل حلا ولو كان وهميا بنظر الإمبراطوريات التي تحاول دائما التطلع للخارج هربا من مآزقها الداخلية،فهل تعي الإدارة الأمريكية ذلك أم أنها تعي وتتجاهل وتمضي إلى مصيرها المحتوم؟.