10‏/02‏/2008

الأغلبية الواجب توافرها في انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان

دراسة
الأغلبية الواجب توافرها في انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان
د.خليل حسين
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

تنص المادة (49) من الدستور على أن يكون انتخاب رئيس الجمهورية بأغلبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، فهل المقصود بهذه الأغلبية أغلبية أصوات الحاضرين أم أغلبية مجموع الأعضاء الذي يتألف منهم المجلس؟
لم توضح المادة (49) بشكل صريح هذا الامر وبالتالي لم تبين المقصود بالأغلبية هل هي أغلبية الحاضرين أم أغلبية أعضاء المجلس جميعاً،فاذا كان عدد اعضاء مجلس النواب 128. فان انتخاب رئيس الجمهورية في الدورة الأولى وفقا لتوافر غالبية ثلثي الأعضاء الحاضرين وكان عدد الحاضرين 65 عضواً على أساس أن انعقاد المجلس يكون صحيحاً بتوافر هذا العدد فإن ثلثي أصوات الحاضرين يكون 44 صوتاً، أما إذا كان بنيغي توافر ثلثي أصوات الحاضرين فإنه يجب أن يحصل رئيس الجمهورية على 86 صوتاً وهي أغلبية ثلثي الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً.
أن الأغلبية المطلوبة تبعاً للمادة (49) هي غالبية أعضاء المجلس جميعاً ومن ثم يستلزم انتخاب رئيس الجمهورية توافر ثلثي الأعضاء الذي يتألف منهم المجلس قانونا.للقرائن التالية:
- لقد وضع الدستور في المادة (34) نصاباً عادياً لقانونية اجتماع المجلس وهو النصاب الذي يتألف من أكثرية عدد أعضائه، وتتألف هذه الأكثرية من النصف زائد واحد. كما حدد أكثرية عادية قانونية للقرارات هي أكثرية الأصوات الممثلة بالحاضرين الذين يؤلفون الأكثرية القانونية.
- اضافة الى الأكثرية العادية لحظ الدستور حالات أوجب فيها توافر غالبيات كبرى تفوقها إما لخطورة الموضوع وتأثيره في النظام وفي مصير البلاد وأما دعم الموضوع بقوة كافية لتأمين استمرار النظام وقيام التوازن بين السلطات ولا يتحقق القصد من ذلك إلا إذا انبثقت هذه الغالبية الاستثنائية من مجموع ممثلي الشعب لا من اكثريتهم العادية والقول بعكسه لا يؤدي إلى الغرض المنشود لأن أكثرية ثلثي الأصوات فيه قد لا تزيد بضعة أصوات عن الأكثرية العادية. - لقد اعتمد الدستور اللبناني النظام البرلماني الذي يقوم على فصل السلطات وعلى انتخاب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب وأن عبارة "غالبية الثلثين من مجلس النواب" الواردة في النص لا تفيد المرجع الذي يعود إليه حق الانتخاب بقدر ما تعني أصل النصاب الذي يجب توافره للانتخاب ولو كان أمرها ينحصر بالمرجع الصالح للانتخاب لجاءت العبارة بالصيغة التي تفيده كما يأتي:"ينتخب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب بالاقتراع السري بغالبية ثلثي الأصوات".
- استند من قال بأنه لا يعتبر إلا بالأكثرية العادية إلى المقارنة بين المادة (49) وبين المواد (60) و(70) و (77) و (79) من الدستور من جهة وإلى النص الفني لهذه المادة من جهة ثانية في حين أن المعنى الذي يبدو متوافقاً مع روح الدستور هو أن هذا النصاب إنما يتناول مجموع أعضاء مجلس النواب.
أ‌. المواد (60) و(70) و (77) و (79) من الدستور:
- تنص الفقرة الثانية من المادة 60 من الدستور العائدة للقواعد المتبعة في كيفية اتهام رئيس الجمهورية بخرق الدستور والخيانة العظمى بأن يتخذ مجلس النواب قراره بالعدد "بغالبية ثلثي مجموع أعضائه".
كما أن المادة (70) المتعلقة بكيفية اتهام الوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو إخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم تنص على أنه لا يجوز أن يصدر قرار الاتهام إلا "بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس".
وفي القواعد المنصوص في الفقرة (ب) من الفصل الثالث العائد لتعديل الدستور قضت المادة (77) بوجوب إصدار اقتراح مجلس النواب بتعديل الدستور بأكثرية الثلثين من مجموع الأعضاء التي يتألف منها المجلس قانوناً".
وفي المرة الثانية وبعد إعادة مشروع التعديل إلى المجلس إذا لم توافق عليه الحكومة وإن أصر المجلس على مشروعه وجب عليه أن يصدره عندئذ بأكثرية ثلاثة أرباع من مجموع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانوناً".
كما أن المادة (79) الواردة في الفقرة (ت) المتعلقة "بأعمال مجلس النواب" قد نصت على انه يجب أن تتألف الأكثرية المطلوبة في حال طرح مشروع يتعلق بتعديل الدستور – من قبل الحكومة- "من ثلثي الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً ليصح التئام المجلس مع الإضافة انه يجب أن يكون التصويت بالغالبية نفسها.
يبدو الاختلاف في هذه النصوص الأربعة في صياغتها ففي حين أن المادتين (60) و (70) تنصان على أغلبية تتألف من مجموع أعضاء مجلس النواب كما تنص المادتان (77) و(79) الأخيرتان بأنه يقتضي أن تتم أكثرية الثلثين والثلاثة أرباع ومن مجموع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانوناً أو "ثلثي الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً".فبين الفئتين من النصوص الأربعة اختلاف إذن في أشكالها.كما أن الاختلاف وقع بين هاتين الفئتين من النصوص، كذلك قد وقع بينها وبين نص المادة (49) من الدستور.
أن المادة (49) بدلاً من أن تستعمل إحدى الصيغ الواردة في المواد (60)و (70) و (77) و(79) قد اتبعت طريقة أخرى للدلالة على أن النصاب هو في مجموع النواب بنصها على غالبية الثلثين "من مجلس النواب أي من أعضائه كافة".فيتضح إذن أن جميع هذه النصوص قد ارتدت أشكالا مختلفة للتعبير عن قاعدة واحدة هي أن الأكثرية في الأحوال التي وصفتها لا يكتمل إلا بالنسبة إلى مجلس النواب بجميع أعضائه.
ب‌. النص الفرنسي للمادة (49) من الدستور.
ثمة من أخذ بالاختلاف الواقع بين النص العربي للمادة (49) وبين نصها الفرنسي السابق إذ أن النص الفرنسي قد نظم الاقتراع بأكثرية الثلثين من أصوات suffrage مجلس النواب بينما جاء القول في النص العربي بأن هذا الانتخاب يتم بغالبية الثلثين من مجلس النواب وبعد أن أصبحت اللغة العربية لغة لبنان الرسمية الوحيدة المادة (11) من الدستور اللبناني فيكون النص العربي للمادة (49) النص المعوّل عليه وحده دون النص الفرنسي الذي أصبح لاغياً.
- لتفسير القوانين تفسيراً موضوعياً، قواعد علمية أصبحت شائعة في القانونين الخاص والعام ومنه القانون الدستوري.
استندت الطريقة القديمة في تفسير القوانين أولاً على ما يحتويه النص من العناصر اللغوية والقانونية وإذا أشكل عليهم فهمه وتعذر تطبيقه لجأوا عندئذ إلى الأعمال التحضيرية أو التمهيدية لهذا القانون من تقارير موضوعة قبل صدوره لأجل إصداره ومناقشات برلمانية أو غير برلمانية قد تقدمته.وفي هذه الأعمال التحضيرية كان يتحرى المفسرون عن قصد المشترع عندما اعتزم وضع هذا القانون، وعن الغاية لكل حكم من أحكامه.
وكان لا بد لهذه الطريقة الشكلية الضيقة من أن تؤدى إما إلى الأشكال في معرفة تلك المقاصد لأن المشترع لم يلحظها وإما إلى إعسار في تكييفها وبالتالي في تطبيق القانون الذي ينطوي عليها لأن الزمن قد تطور وأن حالاً جديداً قد ظهر.وبالتالي يبدو القانون غير متوافق مع مقتضيات الزمن وغير متجاوب مع حاجات المجتمع.
ولذلك تحول رجال القانون منذ أوائل هذا القرن إلى طريقة علمية كانت أنجع وأخصب من الأولى تتلخص باعتبار القانون مؤسسة institution اجتماعية أضحت مستقلة عن أصولها التاريخية ولا سيما عن الأسباب التي دعت الشارع إلى وضعها، وهي تحيا حياتها الذاتية فتقوم بوظيفتها الاجتماعية الجوهرية في المجتمع الذي يحيط بها، فتلبي حاجاته وتقدم له ما تتطلبه مشكلاته من حلول ملائمة.
وبما أن الغاية من القانون هي خدمة المجتمع وتذليل متناقضاته فإن الطريقة الواجب إتباعها لإدراك هذه الغاية لم تكن في التعلق تعلقاً شكلياً بعيداً عن الوقائع الاجتماعية بأسباب القانون الأولى التي دفعت إلى إصداره وإنما باستنباط تفسير له يتوخى المجتهد في اعتماده إحقاق الحق وتحكيم العدل والوجدان في إطار المصلحة العامة العليا".
ولتفسير المادة (49) على ضوء تلك القواعد فإنه ينبغي اولا التذكير بما نصت عليه المادة (75) من ذات الدستور من:"أن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية".
هذا النص وحده كافٍ لإزاحة المادة (34) من الدستور عن التطبيق في مجال المادة (49) لأن المادة (34) مرتبطة بقيام المجلس بوظيفته التشريعية في حين أن المادة (49) ترسم له كيفية توليه وظيفته الإضافية وهي انتخاب رئيس الجمهورية المستقلة دستورياً ومنطقياً عن وظيفته التشريعية.
- وقد فرضت المادة (49) صراحة أكثرية خاصة من مجلس النواب بحيث تكون الأغلبية المفروضة للدورة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية الثلثين من هذه الأكثرية أي من عدد أعضاء مجلس النواب.وقد أشار النص بعد ذلك إلى أنه يكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، ولا بد هنا من تطبيق ذات الحكم قياساً واعتبار الأكثرية في الدورات التي تلي مؤلفة من مجلس النواب أيضاً لأن المنطق لا يستسيغ الاختلاف في القاعدة العائدة لحالة دستورية متعاقبة بقيت واحدة في جوهرها.وبعد، فهل من المعقول بل من المصلحة الوطنية أن يأتي رئيس الجمهورية منتخباً بنتيجة اقتراع جاء على أساس النصاب العادي لا شك بأن سيكون معبراً عن إرادة نفر من النواب وممثلاً بالتالي لأقلية من الشعب؟
إن عملية انتخاب رئيس الجمهورية هي من العمليات الأساسية في حياة لبنان لأن الدستور قد أراد أن يكون رئيس الجمهورية رئيساً للدولة وليس لفئة معينة من الناس وبنزعه عن كل مسؤولية برلمانية قد رفعه إلى مصاف الحكم الأعلى لتوحيد كلمة الوطن بين عناصره وأحزابه كافة.
ولأنه شعر بوصية هذه اللحظة التي يتم فيها اختيار الرئيس الأعلى فإن الدستور قد أحاط هذه المهمة بسياج من التدابير الواقية:
- كتحويل المجلس النيابي إلى هيئة انتخابية خصيصاً لهذه الغاية المادة (75).
- وذلك مع وجوب الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر (المادة ذاتها).
- وفرض أجراء هذا الانتخاب في مدد قصيرة المادتان (73 و74).

أن الأكثرية مقررة لانتخاب رئيس الجمهورية هي أكثرية ثلثي مجموع أعضاء المجلس لا ثلثي الأعضاء الحاضرين.
- إن هذا الرأي هو الرأي الأصوب باعتباره يتفق مع النص ومع الغاية من وجوب توافر أكثرية كبيرة في انتخاب الرئيس ليأتي تمثيله للبلاد سنداً للغالبية الكبرى من الشعب".
- أن النص العربي للمادة (49) وهو النص الذي يفيد في معناه أن الغالبية المشترطة تتم بغالبية مجموع عدد أعضاء المجلس ذلك أن هذه المادة قد أوردت عبارة (من مجلس النواب) وهي تفيد في معناها المجلس كهيئة كاملة أي مجموع أعضاء هذا المجلس.
وعليه أن الأكثرية المطلوبة هي ثلثي عدد النواب لأن الغاية من النص هي توافر أكثرية كبيرة في انتخاب رئيس الجمهورية لأن في ذلك تدعيماً لسلطة الرئيس التي أرادها الدستور قوية ومعتد بها.كما بستبعد الأخذ بالنصاب العادي في الانتخابات الرئاسية مما يشكله من مخالفة للمبادئ والأسس التي قام عليها الدستور.كما إن المعنى الأكثر توافقاً مع روح الدستور هو أن هذا النصاب إنما يتناول مجموع أعضاء مجلس النواب الذي يؤلفونه قانوناً أي مجموع عدد النواب الأحياء.