10‏/02‏/2008

الأمن الاستراتيجي الدولي بعد كوريا النووية

الأمن الاستراتيجي الدولي بعد كوريا النووية

د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني


خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي ، حذر الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان من أن كوريا الشمالية سوف تمتلك أسلحة دمار شامل، وحاول أن يقوم بتوجيه ضربة استباقية أمريكية ضد المنشآت النووية الكورية الوليدة، آنذاك.. وكانت أقمار التجسس الأمريكية قد التقطت في عام 1985 صوراً لمنشأة نووية كورية شمالية بالقرب من العاصمة بيونغ يانغ، وأكدت تحليلات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ووكالة الأمن القومي الأمريكي آنذاك صحة معلومات الأقمار الصناعية. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي مباشرة، قامت أمريكا بفتح الملف الكوري الشمالي، بالتركيز على:مواضيع محددة مثل أسلحة الدمار الشامل.وحقوق الإنسان.والتحول الديمقراطي.
وادعى القادة الكوريون الشماليون آنذاك أن المنشآت النووية تهدف إلى الاستخدامات المدنية السلمية المتعلقة بتوليد الطاقة، وتحت الضغوط الدولية وافقت كوريا الشمالية على فتح منشآتها النووية أمام مفتشي وكالة الطاقة الذرية، وبعد فترة قصيرة قام هانس بليكس كبير مفتشي الوكالة بزيارة كوريا، ثم ما لبثت أن أعلنت كوريا رفضها قيام الوكالة بأي عملية تفتيش لبعض منشآتها النووية الرئيسة.
من الواضح إن الإدارة الأمريكية إبان رئاسة بيل كلينتون ، كانت أكثر ميلاً لاستخدام العقوبات الاقتصادية والسياسية في الضغط على كوريا الشمالية، واكتفت باستخدام سياسة العصا والجزرة، أي أن تتخلى كوريا الشمالية عن برنامجها النووي وتحصل على المساعدات، وبخلاف ذلك تحصل على العقوبات، ولكن أفادت تقارير أخرى بأن الإدارة الأمريكية قررت عدم اللجوء لتوجيه الضربة العسكرية ضد المنشآت النووية الكورية الشمالية، وذلك لعدة أسباب منها:
- امتلاك كوريا الشمالية لترسانة هائلة من أسلحة الدمار الشمال غير النووي ا مثل القنابل الجرثومية والأسلحة الكيميائية وغيرها.
- تزايد الرفض الشعبي المعادي لأمريكا في كوريا الجنوبية، وبالتالي فإن توجيه أي ضربة أمريكية، سوف يؤدي إلى ثورة في كوريا الجنوبية، تطيح بنظامها السياسي، وتؤدي إلى خسائر فادحة للشركات الأمريكية الكبرى، التي تستثمر مبالغاً ضخمة في كوريا الجنوبية.. إضافة إلى أن تغيير النظام في كوريا الجنوبية سوف يؤدي إلى طرد وإخراج القواعد العسكرية الأمريكية، والتي سوف يؤدي خروجها إلى الإخلال بالتوازن الاستراتيجي في منطقة المحيط الهادي،باعتبار أن القواعد الأمريكية في كوريا، لا تهدف إلى حماية كوريا الجنوبية من خطر كوريا الشمالية فقط، وإنما تهدف إلى موازنة القوة الاستراتيجية الصينية والروسية في المنطقة.
- معارضة الصين وروسيا، بسبب الأضرار التي يمكن أن تصيبهما جراء حدوث مواجهة بأسلحة غير تقليدية في منطقة شبه الجزيرة الكورية المتاخمة لأراضيها.
كما أن كوريا الشمالية، لم تنتظر طويلا إذ قامت حكوماتها بإصدار تهديد علني مفاده: إذا تعرضت كوريا الشمالية لأي هجوم أمريكي مهما كان حجمه محدوداً، فإن كوريا الشمالية سوف تقوم بإزالة مدينتي نيويورك وواشنطن من الوجود.وأدت الضغوط الأمريكية إلى مواجهات دبلوماسية في مجلس الأمن الدولي، وتم تشكيل لجنة سداسية للنظر في حل المشكلة بالوسائل الدبلوماسية. كما استمرت كوريا الشمالية في إجراء تجارب إطلاق الصواريخ البالستية ذات القدرة على حمل الرؤوس الحربية غير التقليدية، وفي الوقت نفسه ظلت تمارس قدراً عالياً من المناورة في تسيير أعمال اللجنة السداسية، إلى أن أعلنت في 9/10/2006 رسمياً عن نجاح تجربة التفجير النووي الأولى في برنامجها النووي.
وإذا كانت كوريا من الناحية العملية قد انضمت إلى النادي النووي تحت الرقم التاسع فما أثر هذه النقلة النوعية على الأمن الاستراتيجي الدولي
- في منطقة الباسفيك: سوف تضطر كوريا الجنوبية واليابان إلى إبقاء القواعد الأمريكية في أراضيهما إلى حين حصولهما على السلاح النووي الذي يحقق لهما التوازن العسكري غير التقليدي مع كوريا الشمالية.
- أما الصين وروسيا فسوف تسعيان إلى الارتباط أكثر بكوريا الشمالية وتطوير تحالفاتهما السابقة معها، باعتبارها قد أصبحت رفيقاً مسلحاً بالقدرات النووية وغير التقليدية.
- ستظل الإدارة الأمريكية تبدي بعض المرونة في التعامل مع الملف الكوري، على أمل إعادة كوريا إلى اللجنة السداسية لحل الأزمة بعكس الصخب الجاري في مجلس الأمن حاليا.
- في الشرق الأوسط ً تواجه إيران أزمة ملفها النووي شبيهة بأزمة ملف كوريا الشمالية، وخلال الفترة السابقة، كان هناك انقسام في مجلس الأمن الدولي حول معالجة الملف النووي الإيراني، وفي مواجهة التشدد الأمريكي، ظلت روسيا والصين ترفضان أي استخدام للعقوبات أو الضربات ضد إيران لإرغامها على التخلي عن برنامجها النووي.والسؤال الأكثر أهمية يقول: لماذا قامت كوريا الشمالية بإجراء تجربتها النووية الأولى في هذا الوقت بالذات، علماً أنه ما زال أمامها الكثير من الوقت للمناورة، وشراء الوقت؟.. وما هي تأثيرات تجربة كوريا النووية على الملف النووي الإيراني..؟
بالنسبة للسؤال الأول، يمكن القول: إن القرار الكوري الشمالي كان مفاجئاً، وبرغم المعلومات الكثيرة، التي تقول إن كوريا الشمالية قد أصبحت تمتلك سلاحاً نووياً منذ بضعة سنوات، إلا أن إجراءها لهذه التجربة قد يكون الهدف منه الآتي:
- الردع النهائي لشبح أي عقوبات أو مفاوضات دولية حول برنامجها النووي وفرض الأمر الواقع على الأطراف الأخرى.
- هناك تحركات عسكرية أمريكية في منطقة الباسفيك، وقد أبدى بعض المحللين مخاوفهم من لجوء الإدارة الأمريكية والبنتاغون إلى عملية التضليل والخداع الاستراتيجي، وذلك بأن يقوم بتصعيد الحملة السياسية والدبلوماسية ضد إيران، وفي ساعة الصفر يتم ضرب كوريا الشمالية، مثلما فعل السوفييت عندما هددوا بغزو بولندا، إذ حشدوا القوات على حدودها ليلاً، وفي الصباح الباكر تناقلت وسائل الإعلام أخبار وصور القوات السوفييتية وهي تدخل أفغانستان.
- ثمة تعاون وثيق كوري شمالي - إيراني، وقد اشتهرت كوريا الشمالية ببيع وتصدير تكنولوجيا الصواريخ والأسلحة المتطورة والفائقة الحساسية للدول الأخرى الحليفة معها، ويقال: إن التطورات الأخيرة في ترسانة الأسلحة الإيرانية كانت ضمن برنامج تعاون عسكري إيراني- كوري شمالي، كذلك ثمة تعاون نووي إيراني- كوري شمالي.. وبالتالي فقد يكون الهدف من هذه التجربة في هذا الوقت تقديم رسالة إلى أمريكا بأن إيران تمتلك بالفعل السلاح النووي، وبأنها لا تريد إعلان ذلك، وبالتالي يتوجب على أمريكا أن تفهم أن كوريا الشمالية قد ساعدت إيران في برنامجها النووي، وبأن النتيجة التي تم التوصل إليها في كلا البلدين هي واحدة ومن ثم لا داعي للإدارة الأمريكي بأن تغامر، وتقحم نفسها في مواجهة مدمرة مع إيران المسلحة نووياً، على غرار كوريا.
- هناك احتمالات بحدوث صفقة تحت الطاولة أمريكية- إسرائيلية- كورية شمالية، وذلك عبر كوريا الجنوبية، أو اليابان، أو تايوان، مفادها: أن تقوم كوريا الشمالية بإجراء تجربتها النووية في هذا الوقت بالذات، وذلك تنفيذاً لصفقة المصالح الآتية:
• بالنسبة لكوريا:
- يتم التعامل معها كقوة نووية على أساس اعتبارات الأمر الواقع مثلها مثل باكستان والهند وإسرائيل.
- يتم إلغاء كل إجراءات مجلس الأمن الدولي ضدها.
- يتم تقديم المساعدات والمعونات لها.
• بالنسبة لأمريكا:
- تجد المبرر لإبقاء قواعدها لفترة طويلة مفتوحة في اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.
- تجد إدارة بوش المبرر أمام الرأي العام لزيادة الإنفاق العسكري وتمرير ميزانية الدفاع الأمريكية الجديدة لعام 2007، وهي ميزانية مفتوحة النفقات، أي غير محددة بسقف مالي.
- تجد إدارة بوش المبرر لرفض مقترحات روسيا والصين وبعض حلفائها الغربيين القائلة بضرورة عدم اللجوء إلى فرض العقوبات أو الخيارات العسكرية في التعامل مع الملف النووي الإيراني، وبالتالي تقوم أمريكا برفض المشاركة في اللجنة الدولية المعنية بأمر إيران حالياً، ثم تقوم بالمعمل المنفرد، أو بمشاركة إسرائيل (والتي سوف تشارك بالتأكيد حتى لو لم تعلن رسمياً عن مشاركتها)، وتقوم بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران، خاصة وأن هناك مؤشرات تقول إن هناك تحركات عسكرية غير عادية للأسطول الخامس الأمريكي في منطقة جنوب شرق المتوسط، وأيضاً الأسطول الخامس الأمريكي في منطقة بحر العرب المتاخمة للسواحل الإيرانية، إضافة إلى أن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس قد قامت - بخلاف ما هو مقرر في برنامج جولتها الأخير- بزيارة قاعدة أنجرليك الأمركيية العسكرية في تركيا، ويقال أيضاً: إن استناد أمريكا لواقعة التجربة النووية الكورية الشمالية واستخدامها كذريعة لتوجيه ضربة استباقية ضد إيران في هذا الوقت بالذات هو المخرج الوحيد لدعم شعبية الحزب الجمهوري الأمريكي في انتخابات الكونغرس ومجلس النواب التي سوف تجري خلال الشهر القادم، خاصة وأن كل استطلاعات الرأي التي تم إجراؤها على خلفية فضائح النواب الجمهوريين، قد أكدت جميعها احتمالات كبيرة باكتساح الحزب الديمقراطي للانتخابات.
-