13‏/02‏/2008

آفاق العلاقات الأمريكية الإيرانية بعد مؤتمر شرم الشيخ



آفاق العلاقات الأمريكية الإيرانية بعد مؤتمر شرم الشيخ
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

شكَّل انعقاد مؤتمر شرم الشيخ محاولة أمريكية لرسم إطار جديد للتعاطي مع الدول الوازنة إقليميا ومن بينها إيران،وعلى الرغم من الاندفاع الأمريكي و"الغنج" الإيراني في تحديد مستوى سقف العلاقة ثمة العديد من الأسباب والمعطيات المؤثرة التي من الصعب تجاوزها بسهولة لتظهير نمط واضح لمستقبل التفاهمات والعلاقات بين البلدين.فماذا في علاقات الدولتين وتداعياتها على مجمل ملفات المنطقة؟.
غريب المفارقات في العلاقات الأمريكية الإيرانية ما يؤثر ويتأثر بها من عوامل هي بغالبيتها ليس لها علاقة بالبلدين بشكل مباشر بقدر ما هي تعبير عن التقاء أو تضارب المصالح بينهما.وفي الواقع تتداخل هذه العوامل وتتنوع بدء من العقائدي مرورا بالسياسي وصولا إلى الاقتصادي والاجتماعي..؛ وقد مرّت العلاقات بأشكال وأنواع مختلفة حتى في نفس الحقبة العقائدية الواحدة مثال مرحلة الثورة وما تلاها، ما يصعِّب عملية توصيف أو تنميط العلاقة.ومهما يكن من أمر فإن أفضل التوصيف يكمن في الكثير من الاختلافات والمآزق وقليل من الانفراجات والتفاهم حول قضايا مستجدة وأخرى تقليدية.والقراءة الدقيقة تظهر العديد من الملاحظات أبرزها:
- تشهد العلاقات الإيرانية- الأمريكية مرحلة أخرى من الصعود والهبوط المتكرر. فمن ناحية العراق المقبل على مرحلة جديدة يحتاج فيها إلى مساندة إقليمية ودولية لتحقيق حد أدنى من الاستقرار السياسي والأمني وفقا لوثيقة العهد الدولي المقرة في مؤتمر شرم الشيخ، وهي مسألة ذات أهمية قصوى للولايات المتحدة الأمريكية ليس بالطبع حبا في العراق ولا العراقيين، لكن لتخفيف الأعباء والحد من الخسائر البشرية في صفوف القوات الأمريكية؛ من هنا يمثل موقف إيران من الملف العراقي حجر الزاوية في نقطة الصعود أو الهبوط القادمة في العلاقات بين الدولتين، خاصة أن إيران رقم صعب في معادلات الحاضر العراقي الذي يمثل بدوره مرحلة تأسيسية للمستقبل، سواءً ما يتعلق باستتباب الأمور سياسيا للحكومة، أو على المستوى الأمني من خلال ضبط الحدود، أو من خلال علاقات إيران القوية لدى الأوساط الشيعية سواء التي ترتبط مباشرة بطهران ، أو بالقوى والتنظيمات الأخرى الأقل ارتباطا لكنها تظل في التحليل الأخير واقعة تحت المظلة الشيعية. ولعل هذه الأهمية المتزايدة للدور الإيراني في العراق حاليا وفي المستقبل القريب تفسّر إلى حد كبير التصعيد الأمريكي في الملف النووي.
- إن مستقبل العلاقات بين البلدين لا يخضع لهذه الحسابات الإقليمية فقط، فمن الواضح أن العلاقات بين طهران وواشنطن تحتل حيزا مهما من الحسابات الداخلية في كلتا الدولتين بخاصة على الجانب الإيراني.فرغم أن العلاقة مع إيران تثير تباينات وأحيانا خلافات داخل دوائر صنع القرار الأمريكية إلا أنها تظل محصورة داخل نطاق محدد بالإدارة والكونغرس، فضلا عن كونها في النهاية مجرد جزء من قضايا السياسة الخارجية التي لا تثير اهتمام المواطن الأمريكي، بينما الوضع مختلف إلى حد كبير على الجانب الإيراني، فالعلاقة مع الولايات المتحدة محل اهتمام مختلف المستويات الشعبية والقيادية.
- على الرغم من اتساع نطاق الاهتمام الإيراني بالعلاقة مع واشنطن إلا أن القرارات المصيرية في هذه السياسات الاستراتيجية ذات الصلة بالمصلحة الإيرانية العليا لا تخضع لمقتضيات الصراع الداخلي أو التباين في الرؤى حول جدوى العلاقة وأهميتها، فغالبا ما ينصب هذا التباين على المسار الثنائي للعلاقات لذا يلاحظ أنه لا يزال متعذرا وشبه مجمّد تماما ، بل ومرشح لمزيد من التأجيل على ضوء استعادة المحافظين قوتهم السياسية والمؤسسية.أما القضايا والمسائل من شاكلة الملف العراقي أو العلاقة مع حزب الله اللبناني وغيرها، فهي تخضع لحسابات استراتيجية عملية أو بالأصح مصلحية في المقام الأول. بينما توجد بعض المسائل التي تقع في منطقة وسطى إذ تتأثر بتوازن القوى الداخلي في إيران رغم أهميتها.
- أما في الجانب الأمريكي، فالخلاف داخل هذا النطاق أكثر حدة والفجوة أكثر اتساعا عنها في إيران، بما في ذلك ما يتعلق بالقرارات المهمة والجوهرية في مسار العلاقة ، بل وفي موقعها من الاستراتيجية الإقليمية لواشنطن في المنطقة. وهو خلاف لا يقتصر على إيران فحسب، لكنه على مبدأ ونمط إدارة السياسة الخارجية الأمريكية وأدوات تحقيق أهدافها. فمن يوصفون بمجموعة الصقور في الإدارة الأمريكية يتبنون خطا متشددا يعتمد القوة بمختلف صورها وسيلة أساسية في التعامل مع القضايا الخارجية خاصة تلك التي تتعلق بدول أو موضوعات تثير هواجس أمنية أو تهدد مصالح أمريكية من وجهة نظرهم. بينما ترى مجموعة أخرى أن الوسائل الدبلوماسية ربما تكون أكثر جدوى وقبولا لدى المجتمع الدولي مثال التحرك الديموقراطيين بعد فوزهم في الانتخابات التشريعية مؤخراً.
وفي المحصلة تدرك إيران بشكل واضح إن الوجود العسكري الأمريكي في العراق سيستمر فعليا إلى فترة ليست بقصيرة وهي بحسب العهد الدولي اقلها خمس سنوات، الأمر الذي يعني في حسابات السياسة الإيرانية وضعا استراتيجيا جديدا على الجانب الغربي من مجالها الحيوي، وبالإضافة إلى الاحتلال الأمريكي العسكري في أفغانستان فإن طهران أصبحت محاطة بحضور عسكري أمريكي من شأنه مضاعفة القيود والأعباء المفروضة بالفعل على الحضور الإقليمي لإيران.
إن الوضع السالف الذكر سيؤثر في سلوك طهران وإدارتها للعلاقة مع واشنطن، وتدل المؤشرات على أن إيران بصدد التعاطي بمزيد من البراغماتية مع الولايات المتحدة ، مع الأخذ في الاعتبار أن المسائل الناظمة للسياسة الإيرانية تجاه واشنطن تبدو متعارضة، لذا من الطبيعي أن تعالجها طهران بدرجة عالية من الحذر والتردد في آن معا، إذ ستحاول الحفاظ على معادلة صعبة تجمع فيها المرونة في الاستجابة للضغوط والتحركات الأمريكية بموازاة التشدد في متطلبات أمنها ومصالحها الذاتية وهذا ما يفسِّر عمليا الإرباك في تظهير محاولة الجمع بين وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي ونظيرته الأمريكية كونداليزا رايس في مؤتمر شرم الشيخ.
لذا من المتوقع أن توطّد طهران علاقاتها بفصائل المقاومة العراقية. على أمل أن تستثمر هذا التحرك في الحصول على إقرار أمريكي واضح بأهمية الدور الإيراني في العراق لضبط الأوضاع والمساعدة على عدم انفلات الأمور خصوصا في مناطق الجنوب، كما لا ترى إيران في سلوك الإدارة الأمريكية الحالية سواء في العراق أو في منطقة الصراع العربي- الإسرائيلي، أو من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير فضلا عن المسار الثنائي للعلاقة، ما يبشر بعلاقات طيبة بين الدولتين في المستقبل القريب، إذ أن مواقف الإدارة الأمريكية بوجه عام، تشكل قيودا إضافية على احتمالات حدوث تحسّن في العلاقات أو على الأقل تعليق الموقف المتوتر بينهما وتأجيل الملفات والقضايا العالقة إلى بعض الوقت، فالعودة إلى تقليب صفحات الملف النووي والتربص الذي يغلب على التوجه الأمريكي الحالي نحو طهران، فضلا عن التحريض المستمر من جانب إسرائيل، والتصورات الأمريكية الجديدة لما يجب أن يكون عليه شكل وجوهر منطقة الشرق الأوسط، كل هذه المعطيات تشكّل مؤشرات مقلقة لإيران نحو مستقبل علاقاتها مع واشنطن.
إن تداعيات مثل تلك العلاقة يمكن أن تكون مفتوحة على كل الاحتمالات ذلك يعود لتعدد ساحات الاستثمار والتجاذب السياسي والأمني في المنطقة بدءً من ملفات أفغانستان مرورا بالعراق ولبنان وصولا إلى فلسطين،وجميعها ستكون مناسبة لافتة لطهران لتمرير متطلبات الملف النووي.
لقد راهن الطرفان كثيرا وعلقا الآمال غير المعلنة على دبلوماسية مؤتمرات الجوار العراقي ومن بينها المؤتمر الأخير في شرم الشيخ،ومهما يكن من طبيعة ونوعية العلاقات بين الطرفين، فإن أطرف توصيف يمكن أن يطلق على العلاقات الإيرانية الأمريكية تشبيهها بطرفي المقص،فعلى الرغم من أنهما مرتبطان ومتقاطعان على مصلحة قص ما يعترض سبيلهما ،فإن مجرد التقائها سيكون مناسبة لافتراقها،وهنا تكمن قوة المقص وفعاليته،فهل إن مصلحة الدولتين تكمن في التقائها وافتراقها الدائم على تقاطع المصالح الإقليمية في المنطقة؟ّسؤال يحتاج للكثير من التفكر قبل الإجابة عليه.