16‏/02‏/2008

العلاقات الدبلوماسية اللبنانية السورية في القرار 1680


العلاقات الدبلوماسية اللبنانية السورية في القرار 1680
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات ي مجلس النواب اللبناني

شكلت المطالبة بإقامة علاقات دبلوماسية بين لبنان وسوريا وجها من وجوه التأكيد على استقلال لبنان وسيادته، وظلت مقياسا لنوعية العلاقات بين البلدين بعد الاستقلال عن فرنسا.وفي ترجمة منقحة لتذبذب العلاقة بين البلدين شجَّع القرار الدولي 1680 تاريخ 18/5/2006 في المادة الرابعة منه "الحكومة السورية بقوة على الاستجابة لمطلب الحكومة اللبنانية الداعي، تماشيا مع التفاهمات التي تم التوصل إليها في الحوار الوطني اللبناني،.......إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة وتمثيل دبلوماسي، مع الإشارة إلى أن من شأن هذه الإجراءات أن تشكِّل خطوة مهمة نحو تأكيد سيادة لبنان وسلامة أراضيه واستقلاله السياسي، وتحسين العلاقات بين البلدين، ما يُقدِّم مساهمة إيجابية للاستقرار في المنطقة، ويحث كلا الطرفين على القيام بجهود عبر حوار ثنائي إضافي لتحقيق هذا الغرض، مستذكرين أن إقامة علاقات دبلوماسية بين الدول، وبعثات دبلوماسية دائمة، يتمُّ بموافقة متبادلة". فما هي حدود التوافق المتبادل وعلاقته بقاعدة الرضا لإقامة العلاقات الدبلوماسية؟ وبالتالي هل ثمة إلزام بين الدول لإقامة علاقات دبلوماسية حتى ولو كان هناك اعتراف بينها؟ في هذا الإطار يمكن تسجيل العديد من الملاحظات أبروها:
- إن المعيار الأساس لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول هو تمتع الدولة بالاستقلال والسيادة، وبالتالي تمتعها بميزة حق التبادل الدبلوماسي.وعليه فان كل من لبنان وسوريا يتمتعان بهذه الميزة وبالتالي لكل منهما الحق بذلك، إلا أن الرغبة شيء والواقع شيء آخر.
- إن مبدأ الاعتراف الدولي بأي حالة جديدة تطرأ على دولة ما (حكومة جديدة نتيجة ثورة أو انقلاب أو تغيّر موازين قوى داخلية وخارجية أو إنهاء لوضع قائم بين بلدين) يشكل شرطا لازما قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية،إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن يؤدي إلى المباشرة في التبادل الدبلوماسي.إن واقع العلاقة بين البلدين قد تغيرت بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في 26/4/2005،وهذا ما اعترف به البلدين وكذلك المجتمع الدولي.
- وإذا كان الاعتراف الضمني والواقعي يؤدي إلى إقامة نوع من العلاقات كالتجارية والاقتصادية أو غيرها فذلك لا يعني بالضرورة وصولها لعلاقات دبلوماسية. وإذا كان شرط الاعتراف الصريح ضروريا للوصول لتلك الحالة فإن اتفاق الدول يعتبر شرطا لازما للتعبير عن رغبتها وإرادتها في إقامة العلاقات الدبلوماسية بينها.وعليه فان الاعتراف بالمتغيرات الحاصلة ينبغي أن يستتبع اتفاق البلدين على إقامة العلاقات الدبلوماسية كتعبير عن هذه الإرادة والرغبة بينهما.أي إن الموضوع لا يرتبط بجهة واحدة وإنما بالجهتين اللبنانية والسورية.
إن إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول لا تقام إلا بالرضا المتبادل باعتبارها أرقى وأرفع أنواع العلاقات الدولية،وقيام البعثات الدبلوماسية الدائمة يتطلب ثلاثة شروط ،الشخصية القانونية الدولية والاعتراف والاتفاق المتبادل بين الدول المعنية،وهذا ما أكدته اتفاقية فيينَّا للعلاقات الدبلوماسية للعام 1961 في مقدمتها وكذلك في المادة الثانية منها.وبذلك تكون الاتفاقية قد أخذت بطريق غير مباشر بمبدأ حق التمثيل واعترفت به لكل دولة تتمتع بحق المساواة في السيادة وفقا للفقرة الاولى من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على "أن الهيئة تقوم على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها".واستنادا إلى ما سبق تكون اتفاقية فيينَّا للعام 1961 لم تأخذ بالمفهوم القائل انه بمجرد حصول الاعتراف بين الدول يصبح التبادل الدبلوماسي أمرا تلقائيا.فالاتفاقية أكدت إن إقامة العلاقات الدبلوماسية ليس ملزما بين الدول وبذلك اعتبرت أن حق التمثيل شيء وممارسته شيء آخر؛ويظهر ذلك في عدم رغبة بعض الدول في التبادل الدبلوماسي مع دول أخرى لأسباب عديدة ومتنوعة من بينها،انتظار الدولة لبعض الوقت لتتضح صورة علاقاتها مع الدولة المعنية،أو الانتظار لاسترخاء العلاقة بعد توترها،أو الانتظار لاستقرار الوضع القائم الجديد في الدولة المعنية،وفي الواقع ثمة أسباب كثيرة من الصعب حصرها ذلك يعود لطبيعة العلاقة القائمة بين الدولتين،وفي الحالة اللبنانية السورية ثمة أمور كثيرة يمكن أن تقال في هذا الإطار.
كما أن اتفاقية فيينَّا للعلاقات الدبلوماسية قد ميَّزت أيضا بين إقامة علاقات دبلوماسية وإرسال بعثات دبلوماسية دائمة،فقد نصّت المادة الثانية على أن " إقامة العلاقات الدبلوماسية وإرسال البعثات الدبلوماسية الدائمة يتمُّ بالرضا المتبادل" أي أن الحالة الاولى إقامة العلاقات لا تستتبع بالضرورة إرسال البعثات الدائمة، وإذا كانت الحالة الاولى تتطلب شرط الرضا فان الثانية تتطلب أيضا شرط الرضا والاتفاق المتبادل على تعيين البعثات لجهة المستوى ودرجة التمثيل والشكل لجهة إذا ما كانت دائمة أو مؤقتة أو متعددة أو غير مقيمة في الدولة المعنية.
إن الاتفاق القائم على عنصر الرضا المتبادل هو من الناحية القانونية شرط ضروري ولازم لإقامة العلاقات الدبلوماسية وإرسال البعثات أو استقبالها،كما تأكد هذا الاتجاه عبر التمييز بين التبادل الدبلوماسي الدائم والمؤقت والخاص،حيث نصّت اتفاقية البعثات الخاصة لعام 1969 على أن الدول بإمكانها إيفاد البعثات الخاصة فيما بينها شرط الاتفاق المسبق بصرف النظر إذا ما كان ثمة علاقات دبلوماسية أو قنصلية بينهما أم لا.
وبالعودة إلى القرار 1680 وما أتى فيه لجهة التشجيع على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فيمكن تسجيل التالي:
- لم يستعمل القرار لغة جازمة كما جرت العادة في سلسلة القرارات ذات الصلة بين البلدين والمتخذة سابقا، واكتفى في معرض معالجته للطلب اللبناني بإقامة علاقة دبلوماسية إلى استعمال تعبير "يشجع" بدلا من أي تعبير آخر كـ "الطلب" مثلا كصيغة آمرة.
- تطرق القرار إلى موضوع العلاقة الدبلوماسية بين البلدين من باب "التفاهمات التي تمَّ التوصل إليها في مؤتمر الحوار اللبناني" وبذلك يعتبر القرار وسيلة متابعة لما اتفق عليه أطراف الحوار. وليس باعتباره موضوعا أتى من خارج التداول السياسي الداخلي اللبناني.ورغم أن القرار ذكر أن العلاقات الدبلوماسية تقوم على مبدأ الموافقة المتبادلة إلا أن هذا الموضوع مرتبط بأمور أخرى من وجهة النظر السورية، أبرزها ترييح العلاقة المتأزمة القائمة حاليا وهو مطلب مشروع من الناحية العملية فالعلاقات الدبلوماسية من المستحيل أن تنشأ بين الدول في السجالات السياسية والإعلامية وفي ظل أجواء الاتهامات المتبادلة.
- كما أتى القرار واضحا ودقيقا لجهة نوعية العلاقة على أنها "كاملة" ولجهة المتابعة أي "التمثيل"ولجهة الصفة أي "الدائمة"، وبذلك حدد النوعية والكيفية.وفي هذا الإطار وان كان للأمم المتحدة وفقا لميثاقها العمل على تنمية العلاقات الودية بين الدول،إلا انه من غير الطبيعي أو الشرعي تحديد نوعية وشكل العلاقات المفترضة بين الدول،فللدول الحق أولا وأخيرا تحديد أ إذا كانت تود إقامة العلاقات الدبلوماسية بين بعضها البعض أولا، وتحديد النوعية والكيفية ثانيا.
- لقد ربط القرار بين إقامة العلاقة الدبلوماسية بين البلدين ومساهمتها الايجابية للاستقرار في المنطقة، وهو أمر واقعي من الناحية المنطقية والعملية في الظروف العادية،إلا أن إثارته ومحاولة فرضه في ظروف معينة لن يخدم المبتغى الذي برره القرار بل من الممكن أن تكون أثارته سببا لتأزم الأمور وتعقيدها بدلا من تبسيطها وتلطيفها.
- ثمة من يذهب ابعد من ذلك ويقول، أن متابعة مجلس الأمن لموضوع العلاقات الدبلوماسية اللبنانية السورية في صيغة القرار 1680 يُعتبر سابقة في تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين الدول،لجهة إمكانية إجبار الدول على إقامة علاقات دبلوماسية فيما بينها،أو إجبار الدول على قطع علاقات دبلوماسية قائمة بينها.إن صيغة القرار وان أتت حذرة تحديدا لهذه الجهة من خلال التذكير بمبدأ الموافقة المتبادلة بين الدول، إلا انه من الناحية الموضوعية تعتبر المرة الاولى التي يصيغ مجلس الأمن مثل هذه القرارات ومن الممكن أن تشكل سابقة في صياغات أخرى لاحقة في ظل انكسار التوازنات الدولية وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالتحكم في مسار القرارات الدولية.
إن مسألة العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وسوريا تعتبر من اعقد الأمور العالقة منذ إنشاء الكيانين اللبناني والسوري واستقلالها عن الانتداب الفرنسي،وفي الواقع ثمة حجج ومواقف كثيرة ومتنوعة تدعم وجهتي النظر الداعية إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أو عدمها؛إلا أن الشيء الثابت في كلا الحالين ضرورة أن تبقى العلاقة في أحسن حالها وأحوالها،كما ينبغي التذكر دائما في معرض المطالبة باحترام سيادة لبنان واستقلاله انه لولا موقف الكتلة الوطنية في سوريا في العام 1936 لما كان هناك كيان لبناني،فموقف الكتلة الوطنية آنذاك هو الذي اقنع المسلمين اللبنانيين بالتخلي عن فكرة الوحدة اللبنانية السورية،ذلك كان في فترة كانت القيادتان اللبنانية والسورية تنظران إلى العلاقة المفترضة بموضوعية متناهية،كم نحن اليوم بحاجة إلى مثل تلك المواقف؟ فلبنان وسوريا توأمان سياميان من الصعب فصلهما دون تشوهات اجتماعية وسياسية بنيوية،وإذا كان ثمة دواع لعلاقات ما نتيجة متغيرات حاصلة فان الأفضل البحث دائما عن الحلول الوسط التي تكفل علاقة تهدِّأ روع بعض اللبنانيين المتوجسين من رواسب العلاقات اللبنانية السورية في الحقبة السابقة. وتبدد هواجس سوريا ومخاوفها المحقة في بعض الأحيان.
وإذا كانت المظاهر السلبية في العلاقات اللبنانية السورية في الحقبة السابقة تشكل حجر الرحى للمطالبة في إقامة علاقات دبلوماسية حاليا، فإن التهيئة لظروفها تشكل أساس نجاحها في المستقبل،إذ أن جميع اللبنانيين بمن فيهم الإطراف التي لم تكن ترغب في إقامة علاقات دبلوماسية مقتنعة اليوم بنوعية هذه العلاقة ولا تعرقلها،كما إن الظروف الإقليمية والدولية تأخذ جميع الأطراف اللبنانية بهذا الاتجاه،وعليه فان جملة مواقف يمكن أن تريِّح العلاقة وتساعد في إقامة العلاقات والتمثيل الدبلوماسيين بين البلدين ومن بين هذه المواقف،وقف الحملات الإعلامية ، ووقف أسلوب التعامل بمذكرات الجلب ،وفصل بعض القضايا الملتهبة عن مسألة العلاقات كقضية التحقيق بجريمة اغتيال الرئيس الحريري، ، وإيجاد بيئة تسوية منطقية وعملية لترسيم الحدود في مراحل لاحقة وبخاصة الأراضي التي لا زالت محتلة من قبل إسرائيل.فهل ثمة من يجيد قراءة القرار 1680 لقد بات ذلك أمرا ملحا قبل انفلات الأمور من عقالها في الأشهر القلية القادمة.