16‏/02‏/2008

واقع العلاقات العربية – الأمريكية اللاتينية وآفاقها


واقع العلاقات العربية – الامريكية اللاتينية وآفاقها

د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
بيروت:10-5-2005

هناك علاقات قديمة بين الدول العربية ودول اميركا اللاتينية وثمة اتصالات بين الجانبين تعود الى القرن التاسع عشر، وعلاقات على مستوى عال فى الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، فى إطار مجموعات سياسية مثل عدم الانحياز، واقتصادية مثل مجموعة الـ 77 ، وكانت لتلك الدول مواقف متوازنة بل ومؤيدة أحيانا للمواقف العربية، فيما يتصل بالصراع العربى - الإسرائيلى، إلا أن العمل الرئيسى للسفارات العربية اقتصر على التمثيل الدبلوماسى الشكلى، فمعظم السفارات بدون ملحقين، و يعمل معظمها فقط على متابعة الجاليات العربية وحل مشاكلها.
وتعتبر كل من مصر وسوريا ولبنان والسلطة الفلسطينية من أكثر الدول العربية تمثيلاً دبلوماسيا بسفارات مقيمة فى عدة دول.ورغم ذلك كان ثمة شعور عربى بعدم الحاجة إلى توسيع نطاق العلاقات مع هذه القارة التى تبدو بعيدة عن الشرق الأوسط، خاصة فى ظل تسييس العرب لعلاقاتهم الخارجية، وأدى تواضع دور منظمة عدم الانحياز إلى ضعف الاتصالات مع الدول اللاتينية، واعتادت النخبة المثقفة على النظر للدول اللاتينية على أنها حديقة خلفية للولايات المتحدة، دون محاولة لفهم الأمور بشكل أكثر تعقيدا.
كانت العلاقات الاقتصادية العربية - اللاتينية تتسم أيضا بالتواضع، فعلى الرغم من أن الخليج العربى يمثل سوقاً للعديد من المنتجات اللاتينية مقابل وارداتها من البترول من الدول العربية، لا يزيد حجم التبادل التجارى عن 2.5% فقط من حجم تعامل الدول اللاتينية مع العالم.ويميل الميزان التجارى لصالح الدول اللاتينية بشكل كبير يصل إلى 10 أضعاف.الا إن بعد المسافة قد أدى إلى نوع من التكاسل، فى ظل عدم وجود آليات مشتركة سواء حكومية أو اهلية تستطيع دعم المشروعات المشتركة، وقد تعامل المصدرون والمستوردون عن طريق وسطاء وليس بشكل مباشر، ولم يتم الاهتمام بالمعارض التى يشارك بها المنتجون بين الطرفين، مع عدم وجود مجالس رجال الأعمال التى تؤدى إلى الاحتكاك والتعارف وتبادل المعلومات، بالإضافة إلى عدم وجود بنوك مشتركة. وعلى الرغم من تدنى مستوى العلاقات السياسية الاقتصادية القائم بين الجانبين، ثمة وجود عربى قوى داخل أمريكا اللاتينية يرتبط بالجاليات العربية ( الشامية) التى هاجر أبناؤها فى شكل موجات واسعة إلى تلك الدول منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين فى فترات لجوء الحكم العثمانى إلى العنف خاصة فى منطقة الشام، والذين وصل عددهم إلى حوالى 17 مليونا من أصل عربى وفق إحصاءات عام 2000.وتوجد أكبر جالية عربية من أصول لبنانية فى البرازيل، ومن أصول سورية فى الأرجنتين، ومن أصول فلسطينية فى شيلى. وصل عدد منهم إلى مناصب سياسية عليا. ففى الأرجنتين تولى كارلوس منعم الرئاسة وهو من أصل سورى، كما أن وزيرة خارجية الباراغواى هى سيلى رستم من أصل عربى، ورئيس الإكوادور من أصل فلسطينى، وكان منافسه رجل أعمال من أصل فلسطينى أيضاً، وغيرهم الكثيرون الذين لهم تأثير قوى فى الاقتصاد والسياسة فى هذه القارة.
إن تلك الجاليات الكبيرة لم تتمكن من انشاء لوبي عربي، فقياداتها عصامية، و هى قابلة وراغبة فى الاندماج فى المجتمعات المهاجرة إليها، وهى فى أغلبيتها لا تريد ربط نفسها عضوياً بقضايا الشرق الأوسط وصراعاته التى تؤدى إلى انقسامات واسعة بينهم، وتكتفى بالتأييد والتعاطف حفاظاً على مصالحها وانتمائها للدول الموجودة بها واهتمامها بالمشاركة فى الحياة العامة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً دون شبهة ولاء لغيرها.كما أن الجزء الأكبر من هذه الجاليات قد هاجر فى ظل ظروف قاسية، ومن ثم فإن هجرة الأغلبية العظمى منهم كانت بلا عودة، ولديهم بنية مؤسسية وثقافية متماسكة من الاتحادات والنوادي والمدارس والمراكز الدينية - قاعدة لمضاعف قوة لو كانت هناك علاقات قوية أصلا.
لقد كان التأثير الأساسى لوجود تلك الجاليات هو الدفع فى اتجاه وجود علاقات قوية نسبيا لدول وأطراف مثل سوريا والأردن وفلسطين ولبنان مع هذه الدول نظراً لجالياتها المنتشرة فيها، لكن ظل مجمل الوضع يتعلق بعلاقات ثقافية وتعاون فنى وتبادل تجارى محدود.
إن الفترة الأخيرة تشير إلى ثمة رغبة من جانب عدد من دول أمريكا اللاتينية لتدعيم الحوار مع الدول العربية، وصولا إلى تعميق العلاقات بين الجانبين، في ظل تطورات داخلية هامة داخل دول تلك المنطقة، ترتبط بجدل حول توجهات سياساتها الخارجية، ومن الممكن التجاوب مع تلك الرغبة في عدة اتجاهات يوجد عدد هائل من التوصيات التى خرجت عن لقاءات وندوات وخبرات قديمة وحديثة ومنها :- إقامة حوار عربي لاتيني على المستوى غير الرسمي برعاية بعض المراكز البحثية العربية واللاتينية .
- فتح مكاتب للجامعة العربية على الأقل في عواصم الدول اللاتينية الكبرى وهى المكسيك والبرازيل والأرجنتين وشيلي وفنزويلا والتي توجد بها جاليات عربية كبيرة وتمثيل دبلوماسي لعدة دول عربية.
- استئناف زيارات كبار المسئولين العرب لدول أمريكا اللاتينية، وجعل زيارات وزراء الخارجية العرب دورية.
- تنشيط التبادل التجاري والاقتصادي والاستثمارات بين دول المنطقة والدول العربية، وزيادة قيمة وكمية التبادل التجاري المباشر، حيث أن الكثير منه يتم حالياً عن طريق الشركات متعددة الجنسيات وما يعنيه ذلك من زيادة الأسعار
- دراسة جدوى لإقامة مراكز تجارية للسلع العربية في المناطق الحرة مثل مدينة كول في بنما ومدينة زاركوزا في شيلي أو في الأرجنتين بحيث تغطى دول المنطقة من شمالها وجنوبها.
- عمل دراسة لحصر رجال الأعمال والصناعة الذين يتعاملون مع دول أمريكا اللاتينية أو الراغبين في ذلك ومنتجاتهم والطلب عليها في الأسواق اللاتينية مقرونا بدرجة جودتها وأسعارها والقدرة على الاستمرار في إمداد هذه الأسواق بها.
- الاهتمام بتنشيط العلاقات الثقافية بتفعيل وتنفيذ البرامج الثقافية وبنودها المتنوعة والموقعة بين بعض الدول العربية وعدة دول لاتينية وإمداد المعاهد والمراكز الثقافية الخاصة بالجاليات العربية بأساتذة يجيدون اللغة الإسبانية.
- الارتقاء بمستوى البرامج الموجهة للمنطقة باللغة الإسبانية والبرتغالية عن طريق الراديو. ودراسة توجيه قناة فضائية تلفزيونية باللغتين الإسبانية والعربية ، وطبع ترجمة باللغة الإسبانية والبرتغالية على الأفلام العربية لتيسير تسويقها وعرضها.
إن المسألة لن تحل يقينا بالتوصيات، لكن ما سبق يمثل فقط إشارة إلى أن هناك بعض الأفكار ممكنة التحقيق، بدون تكلفة كبيرة، ومن الممكن أن تكون مجدية اقتصاديا إذا تمت دراستها بدقة وتم تنفيذها بجدية، فهناك منطقة قارية كاملة لا نتعامل معها كما يجب،فهل يعي العرب المشاركون وغير المشاركين في القمة العربية اللاتينية؟وهل يعي الطرفان اهمية تطوير علاقاتهما كما يجب في هذه الظروف الدولية التي تستهدف الطرفين معا؟